اذا ما وضعنا هذا الكلام الى جانب كلام الجنرال مسعود جزائري نائب قائد القوات المسلحة الايرانية والذي اطلقه قبل نحو اسبوع من الان وهو يعلق على احتمالات سير الاحداث في سورية بالقول : " انه اذا ما تعرضت سوريا لاي عدوان فان يد المقاومين التي هي على الزناد لن تجعل احدا من المهاجمين يخرج منها سالما .... " !
ومن ثم تابعنا المواقف المتسارعة والثابتة للروس ومن ورائهم الصينيين حول ثبات الموقف تجاه سوريا وتجاه الرئيس بشار الاسد عندها لم يعد مهما التاكيد او النفي للانباء التي انتشرت كالنار في الهشيم قبل عدة ايام حول اقتراب موعد قيام مناورات روسية صينية ايرانية سورية مشتركة في البر والبحر والجو !
ولنستحضر كل هذا الكلام الان في حضرة حادثة اسقاط الدفاعات الجوية السورية لطائرة تركية يقول الرئيس التركي عبد الله غول "انها قد تكون دخلت الاجواء السورية عن غير قصد لزمن محدود جدا ولمسافة قصيرة ايضا بسبب السرعة الفائقة في مثل هذه الحالات .... " !
في هذه الحالة لا يصبح مهما بعد عند المحللين والمراقبين ماهو نوع الصاروخ الذي اسقطها ولا جنسيته ولا الظروف الحقيقية التي رافقت هذه الحادثة الفارقة في الازمة السورية !
ذلك لان الفعل والاثر الذي تركته او ستتركه هذه الحادثة انما يقوي السيناريو الذي بدا يتحدث عنه البعض الا وهو اننا امام مشهد يشبه مشهد "خليج الخنازير " الكاريبي الشهير امام سواحل كوبا في بداية ستينات القرن الماضي حيث تمكن الروس في حينها من ارسال رسالة حازمة الى الامريكيين بان هافانا باتت في مأمن من السقوط بفضل "خيمة " الحماية السوفياتية آنذاك !
لقد سالني قبل اسابيع احد كبار رجالات ايران واركان نظامها من المحسوبين على "المعارضة" لسياسات الرئيس الايراني قبل مدة ليست بالقريبة جدا ولكنها ليست بالبعيدة ايضا عن قرائتي لاحداث سوريا وكان متاثرا ببعض الاخبار التي كانت ترد اليه تباعا من بعض مستشاريه حول غموض مستقبل النظام السوري فقلت له يومها وبعد شرح مفصل عن سير الاوضاع هناك من باب تطمينه ولكن من زاوية النكتة : " اطمأن سيدي الفاضل بان سوريا ستبقى بخير على الاقل حتى انتخابات الرئاسة المخطط لها ان تكون في العام 2014 والتي كما اظن سيفوز بها الرئيس بشار الاسد او ابنه حافظ بشار الاسد ان اقتضى الامر ذلك ... " !
وقتها لم اكن امتلك معطيات المؤتمر الصحفي الاخير الذي تناقلته وكالات الانباء على لسان سيرغي لافروف وبحضور وليد المعلم : " بان اي حل للازمة السورية يشترط رحيل الاسد غير ممكن وغير مقبول ... " !
ولم تكن بالطبع قد ظهرت بعد الصور الشهيرة التي عرضتها شاشات التلفزة العالمية لوجهي الرئيسين الروسي والامريكي وهما غاضبين وحانقين تجاه بعضهما البعض ومشدودي الاعصاب مع فارق ظهور صورة حديدية مخابراتية اللمسة والابعاد للرئيس فلاديمير بوتين تشي الى حد كبير وكأنه كان يقول لنظيره الامريكي : " كش ملك .... لقد انتهت اللعبة في سوريا وما عليك الا التسليم بضرورة الجلوس على الطاولة والتفاهم معي ومع حلفائي في اللعبة القادمة على ضرورة ايجاد حل سياسي ومتفاهم عهليه لهذه الازمة التي ان طالت اكثر من هذا قد تشعل نار حرب عالمية لا يشتهيها احد منا .. !
الذين يقولون بان الرئيسين لم يتوصلا الى صفقة في تلك الجلسة المكسيكية تماما كما اولئك الذين نفوا بحصول مناورات روسية صينية ايرانية سورية مشتركة هم على حق بالفعل !
لكن ما قاله المبعوث الدولي الخاص كوفي انان قبل ايام حول ضرورة عقد مؤتمر دولي ليس فقط تحضره ايران بل " ان تكون فيه ايران جزءا من الحل للازمة السورية " يؤكد امراً اهم من ذلك الا وهو ان الرئيس الروسي ومن خلفه تحالف دولي عريض يبدو انه تكرس خلف سوريا هو ما جعل الرئيس فلاديمير بوتين يكره، نعم يكره الرئيس باراك اوباما للقبول بقواعد اللعبة الجديدة في سوريا !
ايا تكن نتائج التحقيقات التي ستخرج بها الحكومة التركية حول ظروف اسقاط طائرتها الامريكية من نوع اف 4 في الاجواء السورية وغرقها في المياه الاقليمية السورية ايضا الا ان الامر الذي سيتاكد مع مرور الايام المقبلة هو اننا سنكون امام فصل جديد من فصول مراحل الازمة السورية : " لابد ان نهاياتها ستكون سعيدة رغم الالام التي ستظل تصاحبها لبعض الوقت " كما صرح حليف الاسد اللبناني الجنرال ميشال عون قبل ايام من مدينة زحلة البقاعية !
وعليه قد نستطيع الاستنتاج ايا تكن حقائق الامور التي ستكشفها التحقيقات الميدانية بان ما اسقط "بالمجاز" هو طائرة ناتو امريكية بنيران تدريبات لمناورات روسية صينية ايرانية سورية مشتركة ايضا "بالمجاز" !
ولكن هذا "المجاز" قد يتحول اذا ما تراجع الامريكي او بعض تابعيه عن معادلة الاكراه التي صاغها فلاديمير بوتين في الجلسة المكسيكية الشهيرة له مع باراك اوباما والتي وشت بها لغة الجسد نعم قد يتحول الى حرب عالمية ثالثة او اختلال كبير في النظام العالمي الجديد لم يستطع كيسنجر ان يخفي قلقه منه في آخر مقال له ناهيك عن "المقال المفاجاة " التي كتبها كبير المحللين الدوليين كينيث والتز في دورية فورين افيرز الامريكية التي قال فيها امرا عجيبا : " ان القنبلة النووية الايرانية قد تكون اكثر مدعاة للاستقرار في الشرق الاوسط على عكس ما يروج الاسرائيليين وبعض المحابين لهم من الامريكيين .." !
وكلنا يعرف ماذا ومن تمثل الفورين افيرز تماما كما بات العالم كله يعرف حقيقة الموقف الايراني من السلاح النووي وفتوى التحريم الشهيرة .
فهل ما سقط في المياه الاقليمية السورية هو بالفعل طائرة تركية ام ان ما سقط هو طائرة امريكية بنيران مناورات روسية صينية ايرانية سورية ولو "بالمجاز" لاسيما اذا ما استحضرنا الكلام العجيب والغريب الذي نقل على لسان اردوغان بانه لم يكن يعلم بحقيقة مهمة هذه الطائرة !
محمد صادق الحسيني