وفي البدء انطلقت المسيرات في العاصمة لندن احتجاجا على خطة للتقشف أعلنتها الحكومة البريطانية، وحينها رفع المتظاهرون شعارات تدعو إلى بديل آخر في مواجهة الأزمة المالية الخانقة، ليصبح السادس والعشرون من شهر اذار مارس ألفين وأحد عشر، تاريخا آخر يضاف إلى ذاكرة البريطانيين، بعد أن أصبحت تلك المسيرة الأضخم من نوعها منذ تلك التي خرجت تنديدا بالحرب على العراق قبل ثمان سنوات فقد شارك فيها ما يقارب نصف مليون متظاهر ناقم على السياسة الاقتصادية.
ولم تجد حكومة ائتلاف المحافظين والديمقراطيين الأحرار، غير الحل القمعي سبيلا لتخفيف عبء أزماتها المتلاحقة منذ تشكيلها قبل عشرة أشهر، إذ أنها لجأت في غمرة تلك الاحتجاجات الشعبية إلى قمع المحتجين واعتقال أكثر من مائتين منهم، لكن ذلك الخيار الذي تعيبه لندن على عواصم أخرى في مواجهة تحدياتها، لم يمنع المتظاهرين من إلحاق ليلهم بنهارهم، تأكيدا لمطلب العدول عن إلحاق المزيد من الضرر بجيب المواطن البريطاني البسيط.
ويبدو أن الحكومة الإئتلافية قد خرجت حينها من عنق الزجاجة بعد تلك الأيام العصيبة من ربيع لندن، غير أنها وقعت في شراك صيف ساخن مطلع شهر آب أغسطس الماضي، عندما فجر فتيل التمييز العرقي أزمة سياسية جديدة، يقول المراقبون إن دخانها كان يخفي لهيبا اقتصاديا تعاني منه فئات مهمشة وطبقات كادحة في بريطانيا، وأما الشرارة فقد كانت مقتل رجل من أصول إفريقية على يد شرطة لندن، ليخرج الشارع محتجا على تلك الحادثة الأمنية المثيرة للجدل، وحينها كالنار في الهشيم انتشرت تلك الاحتجاجات في مدن عديدة قريبة من لندن، وقطع رئيس الوزراء ديفيد كاميرون إجازته الصيفية عائدا من إيطاليا، شاهرا سيفه في وجه المحتجين سلميا، ليهدد في جلسة طارئة للبرلمان بإنزال الجيش إلى الشارع تعزيزا للقمع الذي مارسته الشرطة في حق المتظاهرين وملاحقتهم إلى المنازل، لكنه ألقى باللائمة على الأجهزة الأمنية البريطانية، متهما إياها بالتقصير في معالجة الأزمة التي كادت تعصف بالحكومة التي يقودها، في واحد من أصعب سنوات الحكم في بريطانيا، المهددة هي أيضا بمزيد من الأزمات الاقتصادية التي تعيشها أوروبا في هذه الأيام.