كيف تفهم الولايات المتحدة «الربيع العربي»؟

كيف تفهم الولايات المتحدة «الربيع العربي»؟
الإثنين ٠٧ نوفمبر ٢٠١١ - ١٢:٥٥ بتوقيت غرينتش

ذات يوم، وفي دهشة واستغراب "مصطنعين زائفين، على ما أرى" وفي استنكار، أيضاً، تساءل الرئيس الجمهوري جورج بوش الابن قائلاً "وكأنَّه الفضيلة التي لم يَرَها، ولم يَفْهَمها، العرب": "لماذا يَكْرهوننا؟!"؛ ولَمَّا كان المتسائل من ذوي المصلحة في إظهار وتصوير حكومة الولايات المتحدة على أنَّها "الممثِّل المُطْلَق" لشعبها، وإرادته، ولا فَرْق، من ثمَّ، بين حكومتها وشعبها، فقد تساءل وكأنَّه يريد أنْ يقول لشعبه إنَّ العرب لا يَكْرهون حكومتكَ فحسب، وإنَّما يَكْرَهونكَ أنتَ؛ أمَّا السبب، الذي وُفِّقَ الرئيس بوش في اكتشافه، فهو "الحرِّية" التي يرفل في نعمتها شعبه؛ فَمَنْ جُبِلَ على كُرْه "الحرِّية" لا يُمْكِنه أنْ يَحُبَّ الولايات المتحدة، حكومةً وشعباً!

ولو كان للرئيس بوش، الممثِّل الأعلى لـ"المحافظين الجُدُد"، من سِعَة الأُفْق ما يُوْصِله إلى التفسير "الفلسفي المثالي" لظاهرة "كراهية العرب للولايات المتحدة" لقال إنَّ العلَّة تَكْمُن في النفوس والنصوص، أيْ في مُعْتَقَدِهم الديني الذي يُزيِّن لهم كراهية "الحرِّية"، وكراهية الولايات المتحدة، من ثمَّ، بصفة كونها "جنَّة الحرِّية"!

 لكنَّ المصالح والأهداف الإمبريالية للولايات المتحدة في العالم العربي لا تنتمي إلى "مملكة الوهم "السياسي والفكري"" التي انتمى إليها الرئيس بوش، عقلاً وشعوراً؛ وإنَّما إلى العالم الواقعي للسياسة؛ فتساؤله عن سبب كراهية العرب، أيْ الشعوب العربية، للولايات المتحدة، أيْ لحكومتها ونهجها السياسي، لم يكن بالتساؤل الذي يتعذَّر على الصُّناع الحقيقيين لسياستها أنْ يجيبوا عنه بما تَسْتَصْوِبه وتَسْتَحْسِنه تلك المصالح والأهداف؛ ولقد أجابوا قائلين إنَّ السبب سببان هما: "إسرائيل"، أيْ انحياز الولايات المتحدة التام إلى إسرائيل في عدائها للعرب، و"أنظمة الحكم الدكتاتورية العربية"، أيْ احتضان الولايات المتحدة، ودعمها، لها.

 وخالط هذه الإجابة استنتاج إستراتيجي مؤدَّاه أنَّ الزمن قد تغيَّر حتى عربياً، وأنَّ الصديق، أو الحليف، للولايات المتحدة من أنظمة الحكم الدكتاتورية العربية ما عاد قادراً، مهما رغب في ذلك، وأراد، على أنْ يَحْكُم بما يعود على مصالحها الإستراتيجية بالنفع والفائدة، أو بما يدرأ عنها الأذى والمخاطر؛ وكأنَّه "الصديق الجاهل" الذي يُفضَّل عليه حتى "العدو العاقل".

 إنَّها المصالح والأهداف الإستراتيجية للولايات المتحدة في العالم العربي هي التي حَمَلَتْها في عهد إدارة الرئيس الديمقراطي أوباما على "تبييض" صفحتها "ما استطاعت إلى ذلك سبيلا" لدى الشعوب العربية، وإنهاء ما يُمْكنها إنهاؤه من تلك الكراهية العربية "الشعبية" لها؛ فهل تتوصَّل إلى ذلك من خلال العدول عن انحيازها الأعمى إلى إسرائيل، العدوِّ القومي الأوَّل للعرب، أمْ من خلال رَفْعها مظلَّة الحماية عن أنظمة الحكم الدكتاتورية العربية، وإدارة ظهرها لها؟

 كان هذا هو السؤال الإستراتيجي الذي استبدَّ، مع إجابته، بتفكير الصُّناع الحقيقيين لسياسة الولايات المتحدة؛ ولقد أتت إجابتهم أخْذاً بالخيار الثاني لا الأوَّل؛ وكأنَّ خير، وآخر، خدمة إستراتيجية يمكن أنْ تسديها أنظمة الحكم الدكتاتورية العربية لسيِّدها العالمي هي أنْ تغادِر إلى السماء، أيْ أنْ يَقْبِض "الربيع العربي" أرواحها.

 الولايات المتحدة كانت تَعْلَم أنَّ أنظمة الحكم الدكتاتورية العربية قد أدَّت مهمتها "التاريخية" على خير وجه إذ اسْتَجْمَعَت وهيَّأت أسباب سقوطها، وملأت "البرميل"، والذي هو كناية عن "الربيع العربي"، بالبارود، وأنَّ "الانفجار" يَنْتَظِر "شرارة"، وأنَّ في الأمر "مجازفة" ربَّما لا تكون مأمونة العواقب، وأنَّ "الإسلاميين" من جماعة الإخوان المسلمين، وأقربائها، هُمْ الذين سيستأثرون بحصَّة الأسد من أصوات الناخبين، وسيقطفون، من ثمَّ، الثمرة الطَّيبة للحراك الشبابي الذي لا رأس له.

 لكنَّ خيار التخلِّي عن أنظمة الحكم الدكتاتورية العربية مع إبدائها الاستعداد لمدِّ جسور المصالحة مع هؤلاء الإسلاميين لم يكن ليعني أنَّ الولايات المتحدة ستقطع بيديها، أو ستقبل أنْ تُقْطَع بأيدٍ أخرى، جذور نفوذها القوية في مؤسَّسات دول "الربيع العربي"، وفي مقدَّمها الجيش، أو ستكُفُّ عن تحريك قوى ومنظَّمات "تلقى منها الدعم والمساندة" في اتِّجاه السيطرة قدر الإمكان على حركة "الشارع".

 وهذا إنَّما يعني أنَّ الولايات المتحدة تُصارِع من داخل "الربيع العربي"، ومن خارجه، من أجل تضييق الفجوة قدر الإمكان بين نتائجه وبين أهدافها؛ ولا بدَّ للشعوب العربية، من ثمَّ، من أنْ تتحلَّى بمزيدٍ من اليقظة الثورية؛ فالربيع ربيعها؛ وعليها أنْ تحرسه وتذود عنه بنفسها، ومن أجل نفسها، وأنْ تُصارِع، في الوقت نفسه، ضدَّ قوى داخلية وخارجية تسعى في جَعْل "التخلِّي عن الحقِّ القومي" للشعوب العربية ثَمَناً تدفعه هذه الشعوب لنَيْل "حقِّها الديمقراطي "أو بعض منه"".

*جواد البشيتي

loading