العالم - الجزائر
وينتظر أن تدشن هذه اللوحة التذكارية في “شارع الأغواط” في العاصمة الفرنسية، بمناسبة الذكرى الـ172 للمحرقة التي راح ضحيتها حوالي 3786 شخصًا من أصل 4500 نسمة كانت تقطن بالمدينة، أي ما يعادل ثلثي السكان، في واحدة من أبشع الجرائم التي شهدتها فترة الاستعمار الفرنسي للجزائر.
ورغم توالي هذه الخطوات الفرنسية الرمزية، إلا أن صداها في الجزائر يبقى ضعيفا جدا إن لم يكن عكسيا في الكثير من الحالات، بالنظر للفارق الكبير بين حجم الجرائم الاستعمارية ومضمون هذه اللفتات التي لا تتعدى الجوانب البروتوكولية، من بضع كلمات وورود وتحميل للمسؤولية لأشخاص وليس للدولة الفرنسية، دون أن تصل إلى مضمون ما يريده الجزائريون من اعتراف كامل بالجرائم الاستعمارية ينتهي بالاعتذار. وما يزيد من تعقيد الأمور، الأزمات المتتالية التي يشهدها محور الجزائر باريس، والتي تزيد من تعقيد ملف الذاكرة.
وفي هذا السياق، قد تكون محرقة الأغواط خير شاهد على التفاوت بين الواقع الإجرامي الاستعماري ومحاولات التجاوز التي يسعى إليها المسؤولون الفرنسيون، عبر مبادراتهم.
ووفق المراجع التاريخية، وقعت هذه المأساة بعد حصار دام أكثر من أسبوعين لهذه المدينة التي تعد بوابة الصحراء الجزائرية، حيث اقتحم 6000 جندي فرنسي البلدة التي كانت معروفة بمقاومتها الشديدة، ليس بهدف إخضاع المدينة فحسب، بل ترويع سكان الجنوب الجزائري لإكمال التوسع.
وشهدت العملية استخدام أساليب إبادة مروّعة، من بينها القصف بالغازات الكيميائية. وتشير هنا، تقارير تاريخية إلى أن الجيش الفرنسي استخدم مادة الكلوروفورم لإبادة السكان، حيث أُطلقت قذائف مشبعة بهذه المادة لتسميم من تبقى من المدنيين، وشلّ حركتهم قبل قتلهم. وتعد هذه الحادثة من أوائل الاستخدامات الموثّقة للأسلحة الكيميائية ضد المدنيين، مما يجعل البعض يصفها بـ”أول هولوكوست” في التاريخ الحديث.
وبعد سقوط المدينة، تحوّل الاقتحام إلى مذبحة استمرت لأيام. وقُتل أكثر من 3786 شخصًا من أصل 4500، ولم يتم استثناء النساء أو الأطفال.
تقارير شهود العيان ووثائق فرنسية كشفت عن مشاهد مروّعة، حيث تم حرق المدنيين أحياءً بعد وضعهم في أكياس من الخيش وإلقائهم في حفر جماعية. كما لجأ الفرنسيون إلى حرق مداخل المغارات التي لجأ إليها السكان، ما أدى إلى مقتل مئات آخرين بالنار والدخان المنبعث منها. ولا تزال الذاكرة الجماعية بالمنطقة، تحتفظ باسم “عام الخالية” الذي أطلقه السكان على ذلك العام، بعدما أفرغت الأغواط من سكانها ولم يبق منها إلا القليل من الناجين.