العالم - مقالات وتحليلات
وحتى تنجح المنطقة النقدية لابد لها من بعض المتطلبات ومنها مثلا [ مستوى عال من التنسيق والتشابك والترابط الاقتصادي والتجاري والاستثماري وبنك مركزي وحرية انتقال رأس المال البشري ودخول وخروج الرساميل ونقل الأصول الثابتة من سوق لأخرى والاتفاق على سعر الفائدة والصرف حتى لا يحصل فوضى في انتقال الأصول والرساميل من دولة لأخرى ووضع خطة بين دول المنطقة للاستفادة من المزايا النسبية لكل دولة وتحويلها على مزايا تنافسية...الخ ].
لكن من جهة أخرى توجد جوانب سلبية أيضا ومنها [ قد تكون بعض دول المنطقة أقل نموا من دولة أخرى فتقع في تبعية لها كما هي الحالة مثلا بين ألمانيا واليونان ضمن منطقة اليورو كما سيترافق هذا مع تراجع سيطرة سيادة دولة ما في التحكم بسياستها النقدية وتوجيهها من قبل البنك المركزي للمنطقة.
وقد شهد التاريخ النقدي والاقتصادي العالمي الكثير من اعتماد عملة ( موحدة أو مشتركة ) وآخرها هو توجه أمريكا اللاتينية بقيادة ( البرازيل والارجنتين ) وهما أكبر اقتصاديين في أمريكا اللاتينية التي تشكل من الاقتصاد العالمي نسبة /5%/ ، وقد قامتا بإطلاق مشروع اقتصادي نقدي هدفه إيجاد عملة مشتركة وليست موحدة يتم استخدامها بين البلدين لتسوية العلاقات الاقتصادية بينهما .
وحظي المشروع بأهمية كبيرة خلال لقاء رئيسي البلدين اليساريين رئيس البرازيل (لويس إيناسيو لولا دا سيلفا) ورئيس الأرجنتين (ألبرتو فيرنانديز) في قمة ( بوينس أيرس ) ودعا الرئيس البرازيلي لويس الدول الأعضاء في كل من (البريكس والميركوسور) للتفكير في اعتماد عملة مشتركة لاستخدامها في التبادلات بينها، لافتاً إلى أن البنوك الوطنية في هذه الدول قد تدخل في اتفاقيات مناسب واقترحت البرازيل اسم (سور) أي الجنوب باللغة ، وهي عملة مشتركة وليست موحدة لأنه سيستمر العمل بالريال البرازيلي و البيزو الأرجنتيني أي عدم إلغاء التعامل بهما ، لكن سيتم التعامل بعملة ( سور ) لتسديد العلاقات المالية والتجارية بينهما ، أي الاستغناء عن تسوية الحسابات بينهما بالعملات الأجنبية وتحديدا الدولار.
وبرأينا أن ترسيخ التعامل بهذه العملة يتطلب سنوات لكن أقل من الفترة التي تطلبها اعتماد اليورو والتي استغرقت /35/ سنة حتى أصبحت عملة منطقة اليورو التي تشكل نسبة /14%/ من الاقتصاد العالمي، وخلال القمة التي تعقد حاليا بين دول أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي في تجمع ( سيلاك ) المؤسس سنة /2010/ ويضمّ /33/ دولة ويعقد في العاصمة الأرجنتينية ( بوينس أيرس ) وتعقد القمة مع توتر كبير في العلاقات الدولية ولكنها تحظى باهتمام كبير وخاصة ( من روسيا والصين ) الساعيتان إلى تقليل الاعتماد على الدولار والتعامل بالعملات المحلية والبديلة عن العملة الامريكية حتى يتم تجاوز العربدة الامريكية الاقتصادية والهروب من ( مطب الدولار ).
فهل تنجح البرازيل والأرجنتين بتجاوز الصعوبات في ترسيخ العملة المشتركة بينهما وزيادة عدد الدول المتعاملة بها، وفي حال نجاح ذلك فإن هذا يعني تعزيز العلاقات الاقتصادية والتبادلات التجارية وتنشيط الحركة الاستثمارية وتفعيل التجارة الخارجية من صادرات ومستوردات والتخلص من تذبذب قيمة العملات الأخرى وخاصة الدولار الأمريكي وزيادة القدرة على التحكم بأسعار الصرف و بالسياستين المالية والنقدية وسعر الفائدة والضرائب والمعروض النقدي ومواجهة تهريب الرساميل إلى الخارج وتنظيم حركة التسعير للسلع الداخلية والمستوردة ...الخ، وخاصة إذا قامت البنوك الوطنية بالانطلاقة الجادة لتجاوز الاملاءات الغربية وبدأت بتشكيل فرق اقتصادية متخصصة توصف واقع اقتصادياتها وعلاقاتها الخارجية ، حيث أن لكل اقتصاد مشاكله الخاصة به.
فمثلا يواجه الاقتصاد الارجنتيني صعوبات كبيرة ومنها معدلات تضخم مرتفعة وتأخر عن سداد الديون وخاصة لصندوق النقد الدولي وتزايد عبئ الدين الخارجي الذي يتجاوز /40/ مليار دولار سنويا...الخ ، ووضع الاقتصاد الارجنتيني ليس افضل ، ولكن تعاون البلدين قد يساهم في تحسين كفاءة الاقتصادين من خلال زيادة التبادل التجاري بينهما والذي بلغ سنة /2022/ مقدار /27/ مليار دولار بزيادة /21%/ عن سنة /2021/ ، وبرأبنا أن استخدام هذه العملة سيخفف من الضغط على الاحتياطيات النقدية لكل من البلدين ، فهل ستنضم دول جديدة للمشروع وقريبا هذا ما نتمناه ونرجوه وتصبح أمريكا اللاتينية منطقة نقدية واحدة ؟ .
بقلم: أ.د: حيان أحمد سلمان
دمشق 26/1/2023