استراتيجية التأثير الفطري وعناصر الصدم في الثورة الإسلامية الإيرانية

 استراتيجية التأثير الفطري وعناصر الصدم في الثورة الإسلامية الإيرانية
الخميس ٠٧ فبراير ٢٠١٩ - ١٢:٣٣ بتوقيت غرينتش

تفسير المقصود بالعنوان المطروح يحتاج الى صفحات ولا تكفيه هذه المقالة، لذا سنعمد الى الاختصار على القارئ وان استلزم الامر، حولنا المقالة لاحقا الى بحث أكاديمي.


العالم - مقالات وتحليلات

مصطلح التأثير الفطري:

في العموم نقصد بمصطلح التأثير الفطري، تأثير مبادئ الثورة الإسلامية الإيرانية على أبنائها، اذ ان المبادئ الإسلامية والإنسانية والأخلاقية والحقوقية التي جاءت بها الثورة تتلاءم تماما مع فطرة الانسان السليمة، ولا تحتاج الى الكثير من الجهد لإقناع الاخرين بها، خاصة وان هذه المبادئ هي مبادئ إلهية غير وضعية، أي أنه لا يمكن التشكيك بها وبأهدافها، كونها منزلة من السماء، وغير ملوثة بأهواء الانسان وشهواته. لذا فإن التزام الثورة بها، منحها قدسيةً ومصداقيةً ارتقت بهما، لا بل ميّزاها، عن الثورات أو الحركات الأخرى، وجعلا التمسك بهذه المبادئ والتضحية بالروح والمادة من اجلها، هدفا ساميا مقدسا لتحقيق اعلى المكاسب عند الله عز وجل، وعلى راس ذلك الاستشهاد من اجل الوصول الى الرضا الإلهي ودخول الجنة الموعودة التي لا يمكن الوصول اليها بسهولة، الا عبر هذا الطريق.

-الشريحة الأوسع الملتزمة دينيا بالثورة:

إن الفطرة الإنسانية والمعتقَد الديني، يجعلان من إمكانية خيانة مبادئ الثورة، سواء في النية او في الفعل، امرا مستحيلا عند الملتزمين دينيا، كون الخيانة أمراً يخضع للعقاب الإلهي في الدنيا والاخرة، ويجعلان أيضا الامر الإلهي القاضي بتطبيق هذه المبادئ، ضمن الأطر التي حددها الإسلام، أمراً واجباً عينيا على كل فرد مسلم، ويخضع المطبِّق لقانون الجزاء والثواب الإلهي. ما يجعل من التنافس والتسابق نحو إرضاء الله، لتحقيق أكبر قدر من الثواب، هدفا ساميا لهؤلاء الملتزمين.

- الشريحة الثانية:

المؤيدة او المساندة سواء كانت اسلاميا او غير اسلامية، فيخضع التزامها بمبادئ الثورة الى قانون الفطرة الإنسانية والأخلاقية والضمير البشري الذي بآلياته الطبيعية يمكنه تحديد الصح من الخطأ، والحق من الباطل، ويخلق آليات ذاتية، محرّضة ودافعة الى فعل الخير ودعم المظلومين ورفع الهيمنة والظلم عنهم، ومساندتهم لنيل حقوقهم المغتصبة.

-الشريحة الثالثة:

هي التي تدعي التزام الثورة، لأهداف خاصة بعيدة عن الشريحتين السابقين، فهي الشريحة الاستغلالية الانتهازية التي لا تخلو منها ثورة في العالم.

-الشريحة الرابعة:

وهي المحايدة، وتخضع معايير مناصرتها للثورة من عدمه، او معارضتها لها، وفقا للظروف والتطورات التي تتحكم الى حد ما بالمزاج العام والعواطف. وبالتالي هذه الشريحة، عادة تكون مجزأة بنسب متفاوتة، بين التأييد والمعارضة او الحيادية، وتختلف هذه نسب مواقفها بين الفينة والأخرى، وهي ايضا قد تكون اسلامية او غير اسلامية.

- الشريحة الخامسة:

هي الشريحة المعادية، سواء كانت دولة او افرادا او جماعات وهي بطبيعة الحال غير مقصودة بمصطلح التاثير الفطري، لان المصالح والاهداف لديها، تخضع للماديات على حساب المبادئ الإنسانية والأخلاقية والدينية.

نكتفي بهذا الاختصار حول المقصود بمصطلح التاثير الفطري للثورة الإسلامية في ايران، لنقول انه كرس، لدى شريحة واسعة، موقفا صادقا ملتزما، "غير محدود زمنيا"، فاعلا مضحيا بالغالي والنفيس من اجل الثورة،. وهو ما اعطى هذه الزخم الشعبي والواسع للثورة على مدى الأربعين سنة، وحققت به الثورة وستبقى تحقق، انجازات عظيمة جدا على كل المستويات.

خلاصة القول ان التأثير الفطري شكل عامل الجذب واعطى المصداقية والثقة للثورة وقادتها، وجعل المتمسكين به، من اقوى شعوب العالم على الاطلاق، بدليل عدم تمكن اعداء الثورة من تحقيق اختراقات هامة فيها، ومحاربة ايران بهم العالم.

مصطلح الصدم:

هو مصطلح مختص باعداء الثورة الذين تفاجأوا بما تميزت به الثورة من عناصر اخرجتها عن السياق التاريخي المعتاد للثورات السابقة، فاتت بما هو غير متوقع، ما خلف حالة صدم لديهم، وفشلا في خطط المواجهة لامتلاك الثورة، عناصر المفاجأة غير المألوفة سابقا وغير الموجودة في حسابات دوائر الاعداء ولا في مراكز القرار والبحث الاستراتيجي عندهم.

لتوضيح هذه المفهوم والمصطلح نطرح الأمثلة التالية:

قبل ثورة الامام الخميني (قده) حصلت ثورات عدة ضد ملوك ايران، على ايدي مراجع وعلماء ايضا، بعضها فشل واخر حقق إنجازات نسبية وبعض القادة سجن او اعدم، وعلى سبيل المثال،

1- فتوى التنباك، للميرزا محمد حسن الحسيني الشيرازي 1890 م

2- اضافة المرجع فضل الله نوري مادة إلي الدستور تقضي أن يقوم خمسة من فقهاء كل عصر بالإشراف علي لوائح المجالس وقراراته، وان قراراتهم واجبة التنفيذ

3- ثورة مصدق وتاميم النفط، المدعومة من العلماء، وغيرها.

كان قادة هذه الثورات، وبعد ان يحققوا أهدافهم او نسبا من أهدافهم، يعودون الى حوزاتهم، تاركين اليات الحكم بايدي ممثلين عنهم، او للحاكم.

مع ثورة الامام الخميني الامر اختلف كليا وقطعيا، وكان عنصر "صدم" الثورة، لحكومة شاه ايران ومن ورائها الغرب الداعم لها، وحتى لبعض الانتهازيين الاستغلاليين الذين كانوا حول الامام، (وكان الامام يعرفهم تماما)، هو ان الامام، وفور عودته من المنفى، اعلن من "بهشتي زهراء" مقبرة الشهداء، انه هو من سيعين الحكومة، ويباشرها، ولن يوكل الامر الى احد اخر.

وقال بلهجة حاسمة حازمة قاطعة " إني أصفع وجه هذه الحكومة - حكومة شهبور بخيتار اخر حكومات الشاه محمد رضا بهلوي-، سأعين الحكومةَ بدعم هذا الشعب لي. إن الشعبَ يريدني. يقول "بختيار" لا يمكن أن تكون هناك حكومتان في بلد واحد. صحيح.

"لكن يجب أن تذهب الحكومةُ غيرُ القانونية. إنك غيرُ قانوني. إن الحكومة التي نتحدث عنها هي الحكومةُ التي تعتمد على آراء الشعب، القائمةُ على حكم الله"

اذن "صدم الامام الخميني للاعداء جاء من خارج السياق التاريخي المتوقع من الثورات في ايران." التي كان قادتها كما اسلفنا يسلمون السلطة لممثلين عنهم او يتركونها للحالم بعد الاتفاق معه.

- فشل الحرب الكونية التي شنها صدام حسين بدعم امريكي وغربي وعربي، ضد الثورة الوليدة، شكل عنصر "صدم" اخر، اذ لم يكن من المتوقع ان تصمد ثورة في بداية حبوها، امام هذه الحرب، الا ان الثورة بما اكتنزته، من عقيدة لدى أبنائها والتحامهم مع قيادتهم، جعلها تتفوق على قوة النار الكونية ولو باللحم الحي. وتصدم العالم بصمودها وانتصارها المعجزة.

- من عناصر الصدم أيضا، صمود ايران وتجاوزها للحظر المفروض عليها منذ انطلاقها، وتحويل الحظر والحصار الى فرص حولت ايران الى دولة أولى في العالم في مجال الاكتفاء الذاتي، ومن خلال ذلك أصبحت ايران من الدول الأولى في العالم في مجالات البحث العلمي والاختراع والتصنيع النووي والصواريخ الفضائية وتقنية النانو والكنولوجيا وغيرها مما لا يحصى من الاختراعات والابداعات في كافة المحالات. أي ان ايران جاءت بما لم يكن متوقعا، لتفاجئ به العالم الذي كان يعتقد انها ستضعف وتسقط امام الحظر والحصار ويسقط معها النظام الاسلامي وقادته.

-على مستوى أخرى حققت الثورة الإسلامية في ايران المعجزات او المستحيل وفقا للمنظورالواقعي...فبينما كان العالم العربي والإسلامي يعيش الإحباط والباس، نتيجة الهزائم امام العدو الصهيوني في نكسة العام 1967، وخروج مصر انور السادات، الدولة العربية الاسلامية الكبيرة، عام 19979 من المعركة، لتلتحق بالركب الامريكي الاسرائيلي من خلال اتفاق كامب دايفيد، وفقدان هذا العالم وسط هذه الاجواء، الامل في استعادة فلسطين والقدس وتحريرهما، واستمرار العدو الاسرائيلي في تنفيذ مخططه القاضي بانشاء "اسرائيل" الكبرى، ووصول الاستخفاف الصهيوني بالعرب، الى ان يقول وزير حرب العدو موشه ديان، انه لا يحساب حسابا للبنان في أي حرب مقبلة لان الفرقة الموسيقية في الجيش الإسرائيلي تستطيع ان تجتاح لبنان وتسيطر، فجرت الثورة الاسلامية في ايران ما لم يكن متوقعا، فحولت لبنان الضعيف، الى اقوى مما يتخيل البعض، فحطم هذا اللبنان وليس كل لبنان بل شريحة من مقاومة منه، ما كان يسمى باسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، واسقط حلم اسرائيل الكبرى، وحقق المستحيل في طرد الاحتلال الاسرئيلي من لبنان دون قيد او شرط ، والحق به الهزائم المتتالية، بعد ان عجزت دول عربية مجموعة، عن تحقيق ذلك.

كذلك حولت الثورةالاسلامية، المقاومة الفلسطينية الى شوكة في عين الإسرائيلي، وقادرة على إعاقة مشاريعه وصولا الى تحقيقها مع المقاومة في لبنان، معادلات توازن الرعب مع الصهيوني. وهذا ألصدم لم يكان واردا أصلا في أي من تقديرات مراكز الامن والعسكر الاستراتيجية، وهو ما شكل حالة صدم أخرى للعالم الذي بات يقول ان المقاومة حققت وتحقق المستحيل.

- مفهوم الصدم أيضا، يتجلي فيما لم تتوقعه تقديرات الامن الاستراتجي، وهو ان تشكل ايران محور مقاومة، يسدد لكمات قاسية جدا للمشروع الأمريكي الإسرائيلي السعودي في المنطقة، بما جعله ولا يزال يترنح تحت وقع هذه الضربات، فهو يكاد يسقط في سوريا بعد ان انتصرت ايران والمحور والحلفاء، في الحرب الكونية ضد هذه الدولة، بعد ان اشركت واشنطن 85 دولة في الحرب، من اجل اسقاط حكومتها الشرعية برئاسة الرئيس بشار الاسد، واستقدمت جماعات التكفير من كل انحاء العالم.

مع الإشارة الى ان تقدير الاستخبارات الدولية والمراكز الاستراتيجية العالمية، كانت تحسم بان الرئيس الأسد سيسقط في غضون أسابيع اواشهر قليلة على ابعد تقدير منذ بداية الحرب وهذا متا اعلنه القادة الإسرائيليون الرسميون وغيرهم من زعماء العالم الغربي، مع انطلاق الحرب في العالم 2011.

اليوم وبعد ثمانية سنوات على الحرب، الأسد يعزز موقعه، والدول التي حاربته او شاركت في الحرب ضده بالمباشر اوغير المباشر، بدأت تعود الى دمشق لفتح سفاراتها تحت ظل الأسد. الا يعتبر ذلك صدم لكل التنبؤات العالمية ؟ أوليس من صنع هذه المعجزة، هو الثورة الإسلامية في ايران مع محور المقاومة؟

- ايضا الرئيس الامريكي السابق باراك اوباما اعلن ان القضاء على داعش الوهابية في العراق يحتاج الى عشرين عاما، جاءت الثورة الاسلامية، مع حليفها لحشد الشعبي العراقي، مسلحين بفتوى المرجع السيد علي السستاني الكفائية، ليقضوا على داعش الارهابية في اشهر..هل كان ذلك متوقعا في الحسابات الاستراتيجية للعالم؟ الم يشكل حالة "صدم" ولو غير معلنة من قبل الامريكيين وحلفائهم؟

وأخيرا وليس أخرا، يمكن القول ان الثورة الإسلامية غيرت وجه العالم، من خلال ما احدثته وانتجته على مختلف المستويات، لا سيما في مجال السياسة والامن، فاصبحت رقما عالميا صعبا، ويطلب ودها في التحالفات الدولية، لمواجهة المشروع الأمريكي، وباتت السياسيات العالمية تحسب لها، كيف لا وهي مع محور المقاومة الذي صنعته ودعمته ، تسيطر بالمباشر وغير المباشر، على منطقة هي من اكثر البقع الجغرافية حساسية في العالم، الا وهي المنطقة الوسطى عالميا الممتدة بين شرق البحر الأبيض المتوسط، والبحر الأحمر وباب المندب ومضيق هرمز وصولا الى بحر العرب، بما تعنيه هذه المنطقة الجيوسياسية الاسراتيجية الهامة للعالم اجمع.

الثورة غيرت وجه المنطقة باكمله، وكرست مفاهيم جديدة في السيادة والاستقلال في وجه الغرب، وباتت رقما عالميا يحسب له حساب، بعد ان اسقطت الكثير من المشاريع الامريكية والغربية في المنطقة، وبينها الهمينة على ثورات المنطقة، وتصفية القضية الفلسطينية، وعرقلة "صفقة ترامب" بشأن فلسطين، ومنع تقطيع اوصال الدول العربية خدمة للمشروع الغربي الاسرائيلي.

واهم من كل ذلك اثبتت الثورة ان الاسلام يمكن ان يشكل دولة متقدمة متحضرة متوفقة، تتقدم على الكثير الكثير من الدول ذات القوانين والدساتير الوضعية.

* د. حكم امهز