("كش ملك".. أميركا) !

(
الجمعة ١٩ مايو ٢٠١٧ - ٠٥:١٤ بتوقيت غرينتش

منذ الإعلان عن اتفاق "وقف التصعيد" الذي تم إنجازه في آستانة وبدأ تطبيقه في السادس من الشهر الجاري، بمبادرة روسية، وبتوافق مع الراعيتين الإقليميتين تركيا وإيران، تسارعت التطورات التي يشهدها الميدان السوري لصالح الجيش والدولة السورية، في ضواحي دمشق كما في وسط البلاد، ولكن الأهم على الإطلاق اليوم، هو ما يحصل في عمق البادية باتجاه الحدود السورية العراقية.

العالم ـ مقالات

الجيش السوري ينهي ما بدأه في القابون ويعلنها منطقة آمنة، وبالتوازي ينجز اتفاق مصالحة مع مسلحي برزة وحي تشرين لإخراجهم إلى الوجهة المتفق عليها: إدلب، في الوقت الذي تشير فيه المعلومات عن اقتراب حل معضلة دوما وباقي بلدات الغوطة الشرقية التي يتقاتل فيها أخوة المنهج بلا رحمة، "جيشها" ضد "فيلقها" ومعه أنصار الجولاني، الدماء تسيل بلا حساب، وعدد القتلى بين الطرفين ناهز المئات، بالمقابل، يراقب الجيش السوري عن كثب نتائج النزال الدموي، ليقرر على ضوئه خطوته اللاحقة، ويدلو بدلوه (عسكرياً بالحسم أو ربما سياسياً بالمصالحات).. إذاً لا خطر حقيقي بعد اليوم على دمشق.

في وسط البلاد أيضاً وتحديداً في حمص، يسير اتفاق الوعر كما هو مرسوم له: خروج دفعة عاشرة من مسلحي الحي الذين أرهقوا المدينة طيلة أربع سنوات، ولتعلن نهاية هذا الملف يوم السبت المقبل عبر خروج آخر دفعة من المسلحين وعائلاتهم إلى إحدى وجهتين : إدلب أو جرابلس، خيار وحيد متبقّي لمسلحي حمص.. إذاً حمص باتت آمنة وخالية من المسلحين.

كل ماسبق وعلى أهميته، لا يُقارَن بما يحدث وسيحدث في البادية السورية، وتحديداً في كبرى مدن الجزيرة السورية، دير الزور ومحيطها، وخاصة حدودها مع العراق، لكن ماسبق عرضه كان من باب أهميته كعامل مساعد للتركيز على الجبهة الأهم، وهي الجبهة التي ستقرر إن كان ممكناً تقسيم سوريا، وبالتالي قطع أضلاع ما يُعرف ب "محور المقاومة" سوريا والعراق ولبنان وإيران، في محاولة لفصم عرى هذا المحور الرباعي.

ثمة سباق شرس يجري للسيطرة على المنطقة التي تربط ضلعين من أضلاع "محور المقاومة" (سوريا والعراق)، هو سباق بين أميركا وحلفائها من جهة، وسوريا وحلفائها من جهة أخرى.

في سعيه لكبح تقدم الجيش السوري ومنعه من الوصول إلى الحدود مع العراق، قام ترامب بتدبيرين لافتين: الأول تزويد "قوات سوريا الديمقراطية" الكردية بمزيد من الأسلحة النوعية الثقيلة، بدعوى مساعدتها على محاربة "داعش" واقتلاعه من الرقة، والثاني تسليط الأضواء على مناورات "الأسد المتأهب" في الأردن على مقربة من الحدود مع سوريا بقصد الإيحاء باحتمال تدخلها عبر قوات مؤلفة من عناصر وعشائر مناوئة لـِ "داعش" ثم الاندفاع باتجاه موقع التنف الحدودي، وتالياً التوجّه الى محافظة دير الزور للالتقاء مع القوات الكردية الحليفة لواشنطن، وبالمحصلة إحكام السيطرة على مناطق الحدود بين سوريا والعراق.

المحور المستهدف يعي ذلك، ويعطي الأولوية اليوم لإفشال هذا المخطط، فما الذي فعله حتى الآن للحيلولة دون تنفيذه؟

مصدر خاص مطّلع أبلغ "آسيا" أن التطورات الميدانية المتسارعة في محيط تدمر والمثلث الاستراتيجي المشرف على طريق دمشق – بغداد، وتسارع حركة الحشود الأميركية والبريطانية على الحدود الأردنية – السورية، والحشود العسكرية لبعض الفصائل السورية المعارضة، أجبرت القيادة السورية وحلفاءها على تغيير الأولويات العسكرية للجيش السوري وحلفائه.

ويضيف: "دخول مناطق التهدئة الأربع حيز التنفيذ، وضبط إيقاع الخروقات بالحد الأدنى، أعطى أريحية للقيادة السورية في نقل بعض القوات من الفيلق الخامس وفائض القوات في دمشق، إلى محيط تدمر وجبال الشومرية، وتوسيع نطاق الحماية لآبار النفط والغاز في وسط الصحراء السورية، والهدف الأهم هو طريق دمشق – بغداد، و تدمر - دير الزور - البوكمال، وصولاً إلى الحدود العراقية".

يقول المصدر إنها خطوات متسارعة وتقدم مدروس على جبهة عريضة بأربع محاور رئيسية، استطاع الجيش عبرها تطهير 3000 كم2.

المعلومات تفيد أيضاً بأن تسارع العمليات العسكرية في الشرق السوري، ليس رغبة سوريا فحسب، بل هو "رغبة محور المقاومة بالكامل، وذلك بعد اتخاذ هذا المحور قراره بتغيير الممر البري بين سوريا والعراق، بسبب تنامي الوجود الأميركي في الشمال السوري، واستباقاً لتمدّده جنوباً على كامل خط الحدود العراقية السورية، وهو قرار ستكون نتيجته نقل الممر الجديد لمسافة نحو 140 ميلاً جنوباً بالمقارنة مع المسار القديم، بعيداً عن مواقع القوات الأميركية التي حشدتها واشنطن في شمال شرق سوريا بحجة محاربة تنظيم "داعش" الإرهابي".

حلفاء سوريا خططوا لاستخدام بلدة الميادين بريف دير الزور، التي مازال "داعش" يحتلها، كمركز لعمليات الترانزيت في شرق سوريا، لتجنب الشمال الشرقي الذي يسيطر عليه الكرد.

هذه التغيرات - بحسب المصدر - جاءت بالتنسيق والتوافق بين الحلفاء الأربعة (سوريا والعراق وحزب الله و إيران) وبدعم روسي صريح، مشيراً إلى أن "قوات الحشد الشعبي العراقية تقترب حالياً من بلدة البعاج العراقية، التي ستصبح حلقة وصل رئيسة في الطريق المخطط له".

الجيش السوري وحلفاؤه يبذلون جهودهم القصوى لإتمام مشروع الممر البري الجديد في أسرع وقت ممكن، وذلك سيعني بسط السيطرة على البعاج بأسرع وقت ممكن، ومن ثم طرد "داعش" من الميادين ودير الزور، قبل وصول الأميركيين إلى تلك المناطق" ليصبح المسار الجديد كما يوضح المصدر، من دير الزور إلى السخنة في ريف حمص، ومنها إلى تدمر، ومن ثم إلى دمشق والحدود اللبنانية، ومن هذه النقطة، يكون الطريق إلى اللاذقية والبحر الأبيض المتوسط مفتوحاً، وهو أمر يضمن لمحور المقاومة طريق إمداد بديلاً لمياه الخليج الفارسي التي تخضع للرقابة المشددة، وخاصةً فيما يتعلق بحركة التجارة العراقية والإيرانية، مع الاستمرار في إكمال مشروع خط الغاز الإيراني الى سوريا والذي توقف عند الحدود السورية العراقية.

المصدر يؤكد أيضا بأن قوات المعارضة، وبالرغم من كل الدعم الغربي والأميركي والعربي ليست قادرة على مجاراة تقدم الجيش والحلفاء، وذلك لقلة أعداد القوات التي تم تدريبها، ولاتساع مساحة المنطقة وطبيعتها الصحراوية القاسية، وعدم وجود تجمعات سكنية قد تساعد هذه القوات على التثبيت والتدشيم والتعزيز لنقاط الحماية المطلوب إقامتها على كامل هذه المساحة.

لكن كل هذه المعطيات، ومجمل هذه التحركات المنسقة التي تمثل نقلة نوعية للمحور المقاوم هي أشبه بحركة "كش ملك" لأميركا وحلفائها!، لا يتوقع أن يقف الطرف الآخر أمامها متفرجاً ومستسلماً، فالخصم شرس ويمتلك من الأدوات والإمكانيات ما يؤهله ليجد مخرجاً يمكّنه على الأقل من إطالة اللعبة، أو ربما قلب الطاولة كلها، فهل استعد السوريون و حلفاءهم لهذا الإحتمال؟

* علي حسّون ـ وكالة أنباء آسيا

104-4