ليس هذا فحسب، بل وفرت القناة الأرضية التليفزيونية القطرية في ليبيا شاشتها حتى يتوجه الثوريون الليبيون من خلالها للعالم، وتوصيل أصواتهم التي تستغيث من نيران القذافي، وأوضح البحث أن الهدف من إنشاء محطة التليفزيون هو مواجهة الإعلام الموال للقذافي في ذلك الوقت، ويرى الباحث «أوليرسيشن» أن الدوحة أصبحت تستخدم الإعلام كأحد الأسلحة التي يمكن من خلالها إحكام السيطرة على التصورات، والروايات والأحداث التي يمكن تصديرها للعالم في الاتجاه الذي تريده.
وأوضح الباحث أن متخذي القرار في الدوحة وصل بهم شغفهم وإصرارهم على إسقاط ليبيا، حد تذليل وتوفير كل قواهم وعلاقاتهم، وتجنيدها لإنجاح عملية التدخل واختراق أجهزة الدولة والمجتمع الليبي في ذلك الوقت على عدة مستويات ووجوه متعددة يصعب التعرف فيها على الفاعل الحقيقي، فعلى سبيل المثال قام محمود جبريل، رئيس المجلس الانتقالي، في ذلك الوقت ببناء قاعدة له في الدوحة، تسهل له التحرك الآمن وإدارة الموقف في ليبيا من بعيد، عما يكون في القاعدة الثورية في بني غازي أي في قلب المعركة الحقيقي!
فعلى سبيل المثال قدمت قطر لمحمود جبريل عدة تمويلات وتسهيلات تحت مسمى «مساعدة الثوريين» لإسقاط نظام الطاغية أو الاستبداد والديكتاتور معمر القذافي، كما وصفوه كالآتي: 400 مليون دولار على سبيل التمويل المبدئى، إمدادات بالماء النظيف، والكهرباء، والدفايات، والبضائع الغذائية الأساسية، ووصل الحد إلى شراء وتسويق البترول الليبي عبر الموانئ الشرقية تحت سيطرة الثوريين.
كما مولت قطر الجماعات المسلحة أمثال أجناد طرابلس ومجموعة مسلحي ومحاربي ليبيا الإسلامية من خلال شركة «راف الله السحاتي» في شكل رمزي وحركي يحمل اسمي «فيراري 17»، كما أوت واحتضنت ربوع قطر القادة الإرهابيين لهذه الجماعات أمثال عبدالحكيم بلهادج وعلي السلابي الذي استوطن قطر منذ 2011.
ووصل حد التبجح بالدولة القطرية في وقت اندلاع الثورة الليبية على نظام القذافي، إلى رفع الأعلام القطرية على أماكن إقامة الرئيس السابق معمر القذافي بعد اغتياله، جنبًا إلى جنب مع علم جماعة «ليبيا الحرة» كإشارة للنصر وإسقاط النظام الليبي.
وتوصل الباحث إلى نتيجة مهمة بأنه بعد مساعي قطر التخريبية التي أوقعتها في ليبيا بهدف إسقاط نظام القذافي، تكشف بعد ذلك ضعف الأداء الدبلوماسي القطري، وقصور العمل المؤسسي داخل الدوحة، فضلًا على أن القرارات السياسية والخطيرة التي تصدر من دولة قطر ليست مدروسة وتعتمد على الأهواء الشخصية للأمير أو الحاكم، حيث إن الوضع المأساوي في ليبيا من الفوضى وتوغل وتوحش الجماعات المسلحة، وعلى رأسها «داعش»، وفشل الأطراف الوطنية حتى ذات التوجهات الإسلامية المسلحة والموالية لقطر في تحقيق نصر ملموس أو مشهود، يمكنها من الاتفاق والظهور أمام الشعب الليبي والعالم في شكل موحد، كلها دلائل لا تدع مجالًا للشك في أن قطر لم تكن من الخبرة والحنكة وحسن النوايا في الأدوار التي لعبتها في ليبيا أو سوريا أو غيرهما من دول الربيع العربي.
ويذكر الباحث أن محاولات قطر السابقة في 2011 وما بعدها حتى الآن بداية من 2013 وتولي الأمير تميم بن حمد آل ثاني السلطة مكان والده هو محاولة لتطوير وتعظيم دورها من مجرد وسيط دائم بين الأطراف المتنازعة والأنظمة والجماعات المسلحة، وعلى رأسها «الإخوان»، إلى تطلعها لأن تصبح فاعلًا حقيقيًا في المنطقة، واستغلت الدول الغربية كلها هذه الرغبة المحمومة لدى الأمير الجديد، واستغلته في تحقيق أهدافها في إسقاط الأنظمة العربية التي وصفتها بالديكتاتورية والاستبداد في المنطقة، وإعلان هذه القوى الغربية اشتراك وتعاون القوى العربية مثل قطر ومساعدتها على التخلص من هذه الأنظمة بحجة تحقيق صالح الشعوب العربية.
حتى إن توجه اللوم للدول الغربية في يوم من الأيام فيما اقترفته في وقوع المأساة الليبية الحالية، فإنها تغسل يديها من المسئولية الدولية والإنسانية أمام العالم بدعوة اشتراك الأشقاء العرب المزعومين في التخلص من القذافي يدًا بيد مع قوات حلف الناتو، وهو المشهد الذي نشاهده اليوم يجمع كلًا من الرئيس الأمريكي أوباما وديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا السابق والرئيس الفرنسي السابق ساركوزي يتنصلون من مسئولية إسقاط ليبيا منفردين.
المصدر: الوفد
3