لم تمر السعودية في ظروف صعبة في تاريخها ، كما تمر بها الان ، كما لم تمر العائلة الحاكمة في السعودية في حالة من التنافس المرير بين امرائها للوصول الى كرسي الحكم كما تمر بها الان ، ولم تستشعر الولايات المتحدة الامريكية بالاخطار الداهمة على مملكة النفط ، كما تشعر الان ، والحق ان قلق الجميع هو شعور صحيح ازاء خطر داهم قد ينزل في اي لحظة ، وعندها تخرج الامور عن سيطرة الجميع.
القلق الذي يلف الاسرة الحاكمة ويهدد مصيرها ، سببه الاول هو احتمال ان يغيب في اي لحظة آخر ابناء الملك عبد العزيز ، وهو الملك عبدالله ، الذي يحسب الاحفاد او الجيل الثاني من ابنائه له الف حساب ، فهو الوحيد الذي يمكنه الحفاظ على التوازنات داخل الاسرة الحاكمة ، والمنع من ظهور الصراعات بين الاجنحة داخل الاسرة للعلن ، ففي حال غيابه لن يكون لما تبقى من ابناء الملك المؤسس ادنى تاثير على لجم الصراع بين صقور الجيل الثاني الصاعد ، امثال متعب بن عبد الله ، و محمد بن نايف ، وتركي الفيصل ، وخالد الفيصل ، وبندر بن سلطان ، والكثير من هؤلاء هم اكبر سنا من ولي ولي العهد مقرن بن عبدالعزيز ، كما ان هؤلاء لن يتخذوا ازاء ولي العهد الاول سلمان بن عبد العزيز ذات الموقف الذي يتخذونه الان من الملك عبدالله ، فالاول صاحب شخصية ضعيفة و مريض ومصاب بالخرف.
هؤلاء الامراء يعرفون جيدا ان الملك عبدالله خطط بعناية لتمهيد الارضية امام نجله متعب للوصول الى عرش المملكة من خلال تنصيب شقيقه الاصغر مقرن ، متجاوزا باقي الاشقاء الاخرين الطاعنين بالسن والمرضى ، لما له من علاقة وثيقة ومتميزة بالملك ونجله متعب ، فمن المتوقع في حال تنحي سلمان عن الحكم بسبب المرض تزداد حظوظ نجله متعب بمنصب ولي العهد للملك مقرن ، لذلك لن يسمح هؤلاء الامراء لمقرن بتنفيذ هذه الخطة ، وقد بان جانبا من هذا الموقف ، من حالة الرفض الذي واجهها الملك عبدالله بتعيين الامير مقرن وليا لولي العهد ، والذي یعتبر خروجا على وصية الملك عبد العزيز بن سعود.
اما المخاطر التي تهدد السعودية ، والتي ستكون اكثر ضغطا وتهديدا على المملكة في حال موت الملك عبدالله ، فهي كثيرة ومنها:
-الحروب الدائرة في المنطقة والاضطرابات التي تعصف بها والتي تتدخل السعودية في معظمها ، كما في سوريا والبحرين واليمن والعراق وليبيا ولبنان ، وهو تدخل اثار حفيظة المجموعات التكفيرية والحكومة كما في سوريا ، والحكومة في العراق ، والاجنجة المتصارعة في ليبيا ، واغلبية الشعوب كما في البحرين واليمن ولبنان.
-الشعبية الكبيرة ل"داعش" والمجموعات التكفيرية داخل السعودية بسبب اشتراك المجموعات التكفيرية والكثير من السعوديين بالافكار الوهابية التي تكفر غالبية المسلمين وتناصب الاخر العداء.
-الوهابية التي تعتمدها الاسرة الحاكمة كمذهب للسعودية ، والتي تعتمد قراءة متزمته للاسلام ، ليس لها اي تاييد او قبول بين الطبقة المثقفة والمتعلمة في السعودية ، حيث بدات تنتشر بين اوساط المتعلمين حالة من الرفض للوهابية.
-رفض الظلم الذي كانت تعانيه الاقليات المذهبية ومن بينها اتباع اهل البيت عليهم السلام والمعارضة الليبرالية والشخصيات والنخب الدينية والفكرية والسياسية ، اخذ يطفو على السطح ولم يعد بالامكان التغطية عليه بالقمع والكبت.
-ظهور صراع واضح بين بعض امراء الاسرة السعودية وبين طبقة رجال الدين الوهابيين الذين لا يخفون تعاطفهم مع "داعش" والمجموعات التكفيرية الاخرى ، وهو صراع لم يعد خافيا ، بل اخذ يظهر حتى في وسائل الاعلام.
-الاوضاع الاقتصادية المتردية التي تمر بها السعودية بسبب التبعية المطلقة للسياسة الامريكية ، لاسيما بعد اختراق اسواق النفط ، بهدف ضرب الاقتصادين الروسي والايراني ، جعل السعودية تتكبد خسائر فادحة ستعقد المشهد السعودي برمته وتزيد من حدة الازمة السياسية فيها.
كل هذه الاسباب وغيرها ضاعفت من قلق امريكا ، ازاء ما قد تصل اليه الاوضاع في السعودية ، حيث تشير بعض التقارير ، ان واشنطن دخلت وبشكل مباشر من الان في شأن سعودي بحت وهو تعيين الملك القادم ، ولم تترك الاوضاع كما في السابق وتكتفي بالدور الاستشاري والدعم ، فجميع الدلائل تشير الى ان ابناء واحفاد عبد العزيز ، قد لا يتفقوا على المرة على ملك بينهم ، كما ان الظروف التي تمر بها السعودية والمنطقة ليست في صالح السعودية ، لذلك ليس هناك مجال للمجازفة ، ولابد من حسم الامر امريكيا وفرضه على الاسرة الحاكمة ، الا ان هناك من يرى ان التدخل الامريكي بشكل مباشر سيعقد الاوضاع اكثر مما هي معقدة ، بسبب عدم وجود شخصية يمكن ان يلتف حولها امراء ال سعود ، فاغلب هؤلاء الامراء يرون لانفسهم الحق في يعتلوا عرش المملكة.
اذا ما اضفنا فشل السياسة السعودية في سوريا والعراق ولبنان واليمن ، والمسؤولية التي تحملها شعوب المنطقة وحتى الحكومات الغربية ومنها الامريكية للسلطات السعودية ازاء ما يجري في المنطقة بفعل الجماعات التكفيرية المرتبطة عقائديا وماليا بالوهابية السعودية ، الى ما ذكرنا سابقا من ظروف واسباب ، والى مرض ملكها ، عندها ستكون السعودية على كف عفريت الظروف التي صنعتها هي بوهابيتها وبتبعيتها العمياء لامريكا.
* منيب السائح/ شفقنا