مدرسة رمضان
الشکر:
وهو عرفان النعمة من المنعم، وحمده عليها، واستعمالها في مرضاته. وهو من خلال الكمال، وسمات الطِّيبَة والنبل، وموجبات ازدياد النِّعم واستدامتها.
رمضان كريم
والشكر واجب مقدس للمنعم المخلوق، فكيف بالمنعم الخالق، الذي لا تحصى نَعماؤه ولا تُعدّ آلاؤه.
والشكر لا يجدي المولى عز وجل، لاستغنائه المطلق عن الخلق، وإنما يعود عليهم بالنفع، لاعرابه عن تقديرهم للنعم الالهية، واستعمالها في طاعته ورضاه، وفي ذلك سعادتهم وازدهار حياتهم.
لذلك دعت الشريعة الى التخلق بالشكر والتحلي به كتاباً وسنة:
قال تعالى: ﴿... وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ﴾(البقرة:152).
وقال عز وجل: ﴿... كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ ...﴾(سبأ:15).
وقال تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾(ابراهيم:7).
وقال تعالى: ﴿... وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾(سبأ:13).
وعن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: "الطاعم الشاكر له من الأجر، كأجر الصائم المُحتَسب، والمُعافى الشاكر له من الأجر كأجر المبتلى الصابر، والمُعطى الشاكر له من الأجر كأجر المحروم القانع"1.
وقال الصادق عليه السلام: "من أعطى الشكر اُعطي الزيادة، يقول اللّه عز وجل:﴿...لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ...﴾(ابراهيم:7)"2.
وقال عليه السلام: "شكر كل نعمة وإن عظمت أن تحمد اللّه عز وجل عليها"3.
وقال عليه السلام: "ما أنعم اللّه على عبد بنعمة بالغة ما بلغت فحَمد اللّه عليها، الا كان حمَدُ اللّه أفضل من تلك النعمة وأوزن"4.
وقال الباقر عليه السلام: "تقول ثلاث مرات إذا نظرت الى المُبتَلَى من غير أن تُسمعه: الحمد للّه الذي عافاني مما ابتلاك به، ولو شاء فعل. قال: من قال ذلك لم يصبه ذلك البلاء أبداً"5.
وقال الصادق عليه السلام: "إن الرجل منكم ليشرب الشربة من الماء، فيوجب اللّه له بها الجنة، ثم قال: إنه ليأخذ الاناء، فيضعه على فيه، فيسمي ثم يشرب، فينحيه وهو يشتهيه، فيحمد اللّه، ثم يعود، ثم ينحيه فيحمد اللّه، ثم يعود فيشرب، ثم ينحيه فيحمد اللّه فيوجب اللّه عز وجل له بها الجنة"6.
أقسام الشكر:
ينقسم الشكر الى ثلاثة أقسام: شكر القلب. وشكر اللسان. وشكر الجوارح. ذلك أنه متى امتلأت نفس الانسان وعياً وإدراكاً بعِظَمِ نِعم اللّه تعالى، وجزيل آلائه عليه، فاضت على اللسان بالحمد والشكر للمنعم الوهاب.
ومتى تجاوبت النفس واللسان في مشاعر الغبطة والشكر، سرى إيحاؤها الى الجوارح، فغدت تُعرب عن شكرها للمولى عز وجل بانقيادها واستجابتها لطاعته.
من أجل ذلك اختلفت صور الشكر، وتنوعت أساليبه:
أ- فشكر القلب: تصورّ النعمة، وأنها من اللّه تعالى.
ب- وشكر اللسان: حمد المنعم والثناء عليه.
ج- وشكر الجوارح: إعمالها في طاعة اللّه، والتحرج بها عن معاصيه: كاستعمال العين في مجالات التبصر والإعتبار، وغضّها عن المحارم، واستعمال اللسان في حسن المقال، وتعففه عن الفحش، والبذاء، واستعمال اليد في المآرب المباحة، وكفّها عن الأذى والشرور.
وهكذا يجدر الشكر على كل نعمة من نعم اللّه تعالى، بما يلائمها من صور الشكر ومظاهره:
فشكر المال: إنفاقه في سبل طاعة اللّه ومرضاته.
وشكر العلم: نشره وإذاعة مفاهيمه النافعة.
وشكر الجاه: مناصرة الضغفاء والمضطهدين، وانقاذهم من ظلاماتهم.
ومهما بالغ المرء في الشكر، فانه لن يستطيع أن يوفي النعم شكرها الحق، إذ الشكر نفسه من مظاهر نعم اللّه وتوفيقه، لذلك يعجز الانسان عن أداء واقع شكرها. كما قال الصادق عليه السلام:"أوحى اللّه عز وجل الى موسى عليه السلام: يا موسى اشكرني حق شكري. فقال: يا رب وكيف أشكرك حق شكرك، وليس من شكر أشكرك به، الا وأنت أنعمت به عليّ. قال: يا موسى الآن شكرتني حين علمت أن ذلك مني"7.
فضيلة الشكر:
رمضان كريم
من خصائص النفوس الكريمة تقدير النعم والألطاف، وشكر مسديها، وكلّما تعاظمت النِعم، كانت أحق بالتقدير، وأجدر بالشكر الجزيل، حتى تتسامى الى النعم الإلهية التي يقصر الانسان عن تقييمها وشكرها.
فكل نظرة يسرحها الطرف، أو كلمة ينطق بها الفم، أو عضو تحركه الارادة، أو نَفَسٍ يردده المرء، كلها منح ربّانية عظيمة، لا يثمنّها الا العاطلون منها.
ولئن وجب الشكر للمخلوق فكيف بالمنعم الخالق، الذي لا تحصى نعماؤه ولا تقدّر آلاؤه.
والشكر بعد هذا من موجبات الزلفى والرضا من المولى عز وجل، ومضاعفة نعمه وآلائه على الشكور.
أما كفران النعم، فانه من سمات النفوس اللئيمة الوضيعة، ودلائل الجهل بقيم النعم وأقدارها، وضرورة شكرها.
أنظر كيف يخبر القران الكريم: أن كفران النعم هو سبب دمار الامم ومحق خيراتها: ﴿وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ﴾(النحل:112).
كيف نتحلى بالشكر:
إليك بعض النصائح لاكتساب فضيلة الشكر والتحلي به:
1- التفكر فيما أغدقه اللّه على عباده من صنوف النعم، وألوان الرعاية واللطف.
2- ترك التطلع الى المترفين والمُنعّمين في وسائل العيش، وزخارف الحياة، والنظر الى البؤساء والمعوزين، ومن هو دون الناظر في مستوى الحياة والمعاش،
3- تذكر الانسان الأمراض، والشدائد التي أنجاه اللّه منها بلطفه، فأبدله بالسقم صحة، وبالشدة رخاءاً وأمناً.
4- التأمل في محاسن الشكر، وجميل آثاره في استجلاب ودّ المنعم، وازدياد نعمه، وآلائه، وفي مساوئ كفران النعم واقتضائه مقت المنعِم وزوال نعمه.