بين جغرافيا المقاومة والمواطنة القلقة!

بين جغرافيا المقاومة والمواطنة القلقة!
الثلاثاء ٠٧ يناير ٢٠١٤ - ١٠:٥٢ بتوقيت غرينتش

فجأة شعرت انني أصارع للخروج العودة وتجتاحني مشاعر خوض مخاض ولادة ولابد لي من شد الرحال !

وهكذا كان بالفعل القرار وتم اختصار الزمن الذي زاد عن اربعين عاما ونيف بلحظات وقررت فعلا صعود الجبال !
لماذا صعود الجبال والارض التي قررت زيارتها هي ارض السواد الدانية قطوفها التي غادرتها مرغما وانا في اوج النضال ؟! انها العتبة الحيدرية، ومن قال لك انه باستطاعته ان يصعد اليها دون مخاض او صراع بين الامل والرجاء كذبه القول ولا تصدقه وقل له انك اضعت البوصلة ودون وصولك اليها صعودا ضرب من الخيال !
وشاء القدر ان اشد الرحال اليها في ليلة الواحد والثلاثين من كانون الاول ديسمبر على الواحد من كانون الثاني/يناير من السنة الميلادية الجديدة، اي يوم انطلاقة فتح الثورة وثورة الفتح الفلسطينية التي كانت ولا تزال تعيش بين اكنافي مذ رأيت ذلك الفدائي الترابي الحسن الخصال ! انه ابو عمار ياسر عرفات يوم تفاجأت به بعد ايام من معركة الكرامة الشهيرة وهو يسترق ‘قيلولته’ في العام 1968 م وهو معانق رشاشه الكلاشينكوف الخشبي ايضا قبل ان يصبح معدلا في بيروت !
كانت ساعة ونحو عشرين دقيقة رحلة الطائرة الى ارض السواد، لم يتوقف الدمع لحظة الا مع اقتراب وصول الطائرة الى محطتها المرسومة ‘ حيث خلت لحظتها انها جفت تلك العيون الغائرة من معينها من الدمع !
ولكن ما ان رأيت ذلك الصدري الثائر وهو واقف يترقب وصولي حتى بدأت تنساب كجدول الغري في النجف الاشرف حيث ولدت، وما ان وصلت اليه وعانقته حتى انفجرت بالبكاء تماما كما الطفل الذي يخرج من بطن امه !
هنالك تماما شعرت بالفعل بانني قد ولدت من جديد ولكن بعمر يبلغ اربعة وتسعين عاما بالتمام والكمال !
اربعة وتسعون عاما نعم لان الشيخ الذي يقف امامي كالطود الشامخ هو شيخ عشيرة عراقية اصيلة اي ان اجداده هم من تلك العشائر التي قاتلت الانكليز في ثورة العشرين الشهيرة في بداية القرن المنصرم !
والشيخ عالم دين اعتبر من تلامذة العلامة محمد صادق الصدر المظلوم وهو الذي قاتل طاغية العراق البائد بحوزته الدينية الناطقة وهو من احيا دم المظلوم اخيه محمد باقر الصدر الشهيد الاكثر تلخيصا لرحلة العراقيين المعاصرة في ثورة الفداء والشهادة !
والشيخ هو اول من قاتل الغزاة الامريكيين ورثة الاستعمار الانكليزي وامتدادهم الطبيعي على ارض الرافدين والذي كان له فضل تأسيس النواة الاولى لجيش المهدي الشهير ! والشيخ هو اول من شخص وانتبه مبكرا لخطر التكفيريين والظلاميين المأجورين وحاربهم بشدة وحزم دفاعا عن عراق ما بعد الاستقلال والحرية يوم كان حلما مرتقبا وكأنه كان ينظر بعين الله اوكأنه كان يرى ما نشهده اليوم في صحراء الانبار !
انه الشيخ عدنان الشحماني، الذي فجر شجوني هذه كلها مرة واحدة لاسيما انه هو من كان له الفضل في اطلاق رحلة الولادة الجديدة لي هذه والتي اوصلتني الى بغداد ما بعد زوال الاحتلال العسكري المباشر على الاقل !
لهذا كله وبسبب غيابي الاربعيني ورغم شعوري بالولادة الجديدة فقد شعرت ان عمري الحقيقي هو 94 عاما! انها مسيرة ثورة العشرين العراقية العلمائية الشعبية الوحدوية الشهيرة التي تكثفت امامي في لحظة الوصول تلك لتولد دمعا ساكبا من جديد ظننت انه جف وجدبت عيوني منه مع ‘شجونيات’ حسين الاكرف الزينبية العباسية التي سالت في رحلة الطائرة !
الى ذلك فقد تدافعت امامي في تلك اللحظة التاريخية كل مسيرة الاربعين عاما من كفاحي على مدى جغرافية المقاومة وطول تاريخ الشهداء من نجف الشباب المسلم العراقية الابية الى فتح الثورة والرصاصة الاولى المدوية الى ثورة الامام الخميني العظيم التي زلزلت ولا تزال كيان العدو الصهيوني الغدار الى ثورة جبل عامل ورجال الله من حزب الله الجبار الى صمود وقتال الابطال السوريين الشرفاء شعبا وجيشا وحلفاء في حربهم الكونية ضد التكفيريين والاشرار الفجار !
وهكذا شعرت بانني امام لحظة الصراع بين ‘الوجود و اللاوجود’ والتي كنت اظنه المصطلح الخاص بنا نحن ابناء محور المقاومة والممانعه التقليدي فاذا بصاحبنا مسؤول البروتوكول الاول الذي استقبلنا في مطار بغداد يستخدمه وهو يشرح لنا بتلخيص تلغرافي مكثف آخر تطورات معركة الحرب المفتوحة المتجددة في عراق ما بعد الاحتلال على مجاميع التكفيريين القاعدية في صورتها الجديدة في صحراء الانبار !
اربعون عاما طويت بساعة وعشرين دقيقة نعم، لكنها جسرت في ذهني مابين الحاضر وبدايات القرن الماضي والمستقبل الواعد لعراق ما بعد الاحتلال !
عراق اعادة صياغة ثورة احراره وابطال استقلاله الحقيقيين الذين كافحوا الاستبداد مصابرين وطردوا الغزاة محتسبين وهم يجاهدون اليوم لتأسيس نواة عراق كامل العضوية في محور المقاومة والممانعة !
لحظة قد تكون استثنائية لعدد كبير من ابناء جيلي الذين ينتظرون بفارغ الصبر ساعة حلول المنازلة الكبرى بيننا وبين ذلك العدو الغاصب الجاثم على صدر اهلنا المقدسيين وسائر فلسطين من النهر الى البحر !
لحظة نعد لها ونحن نقاتل ضد التكفيريين الغزاة الجدد من احفاد هولاكو والتتار والمغول في سوريا الاباء والشموخ سوريا التي قاتلت ولا تزال هؤلاء الجناة على مدى اكثر من ثلاث سنوات نيابة عن الامة العربية والاسلامية !
واخيرا وليس آخرا، صحيح انهم يأتون الينا من كل بقاع الدنيا مخترقين بذلك ومحطمين لحواجز سايكس بيكو الاستعمارية وهذا جانب ايجابي وسط ظلماتهم !
ولكن السؤال هو : لمصلحة من ؟ انهم يعملون لمصلحة الاجنبي المشغل لهم على قاعدة الفتن المذهبية والدينية والعرقية المتنقلة وان كل من ليس معنا فهو كافر مرتد وهذه دعوة صريحة لتحطيم مفهوم المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات !
وبالتالي فانه التحدي الكبير الذي يعلن نفسه صراحة لمن بقي سالما من هذه الامة من هذه اللوثة التكفيرية، الا وهو انه آن أوان لاعلان مواطنة المقاومة والممانعة ضد العدو الصهيوني ومن تعامل معه سرا او علانية وتحطيم حدود سايكس بيكو نعم، ولكن على قاعدة وحدة المسار والمسير نحو الصلاة في القدس الشريف والدخول اليها فاتحين ولكن حصرا من باب العمود أي باب دمشق التي على ابوابها حصرا بات معيار النجاح او الفشل ممكنا، ابتداء من معارك الانبار المظلومة والمختطفة الى الضاحية الابية المستباحة الى ارض الكنانة القلقة الى ساحات البحرين واليمن المظلومتين بل وحتى الى فولغا غراد الروسية وتاليا الدفاع عن امن الكرملين واسوار موسكو !
انها معركة وجود او لا وجود حقا، بين دعوة الى مواطنة طائشة وقلقة وتابعة للمحور التكفيري الامريكي وبين مواطنة مستقرة توحد كل اطياف الامة باتجاه مقارعة عدوها المركزي اي العدو الصهيوني وسيده الامريكي .

*محمد صادق الحسيني