بين "أيوب" و "اليرموك"

بين
السبت ٠٣ نوفمبر ٢٠١٢ - ٠٢:٠٧ بتوقيت غرينتش

ان الجريمة التي ارتكبتها اسرائيل والمتمثلة بخرق طائراتها الحربية لاجواء الدول العربية ، وتوغلها حتى قلب العاصمة السودانية الخرطوم ، وشنها غارات على مجمع اليرموك هناك وتدميره بالكامل ، هذه الجريمة لم تلق اي ردود فعل حتى على المستويات الدنيا في الدول العربية ، بل ان اغلب الحكومات العربية حملت السودان مسؤولية العدوان ، كما ظهر جليا في الاعلام العربي الرسمي وعبر فضائياته التي استحوذت على الاثير ، بعد ان اسكتت امريكا والدول العربية الرجعية ، باقي الاصوات الاخرى التي ترفض الخطاب الامريكي الغربي المخادع والخطاب العربي الرجعي التحريضي الفتنوي .

للاسف الشديد ان حالة انعدام الشعور بما يجري من حولها لدى قطاعات كبيرة من الامة وصلت الى حالة تقترب من الشلل التام ، فهناك من كان يشاهد السنة النار وهي تلتهم مصنع اليرموك للاسلحة في الخرطوم ، وكأنه يشاهد حريقا شب في غابات روسيا.

ان الحالة المزرية التي تعيشها الامة هي نتيجة طبيعية للسياسة الانبطاحية والاستسلامية لاغلب الحكومات العربية ، وللفتاوى التكفيرية والفتنوية والمتخلفة لعلماء السوء والبلاطات، وللاعلام العربي الذي تحركه دولارات النفط ، والتي تلاقت جميعها بهدف حرف بوصلة الانسان العربي وضرب ثوابته وقيمه وتاريخه ، وتصوير "ايران" و "الشيعة" على انهما الخطر الداهم الذي يهدد المجتمعات العربية !!، وتصوير اسرائيل على انها كيان كباقي الكيانات العربية الاخرى ، كيان مسالم لا حول له ولاقوة ، فهو ايضا مهدد كما الرجعية العربية  ، من قبل الخطرالايراني والشيعي الذي سيكتسح المنطقة فيحرق الاخضر واليابس!!.

ان حالة التخدير التي ادخل فيها هذا الثلاثي الانسان العربي البسيط ، والتي حالت دون ان يتوقف حتى للحظات امام خبر الغارة الاسرائيلية على السودان ، كما يتوقف عند اخبار الفتاوى المضحكة والسخيفة لعلماء السوء،   هذه الحالة تشبه حالة شاعرنا العربي عندما قال:

رماني الدهر بالارزاء حتى

فؤادي في غشاء من نبال

فصرت اذا اصابتني سهام

تكسرت النصال على النصال

هذه الحالة ،هي بالذات التي برزت وبشكل واضح بعد العدوان الاسرائيلي على السودان ، فالطائرات الاسرائيلية مرت فوق سماء العرب ، كما تمر الطيور المهاجرة ، فهي ظاهرة اضحت طبيعية على مايبدو، لا تسترعي اي اهتمام من قبل الحكومات العربية وحتى الانسان العربي البسيط ، الذي يتعرض لقصف يومي مكثف من الثلاثي المذكور وعلى مدى عقود.

ولكن كما يقال ، اذا خليت قلبت ، فبفضل من الله سبحانه وتعالى وبارادة رجال اعاروا جماجمهم له سبحانه ،و رفضوا ان يكونوا حطبا لنار فتنة طائفية تنفخ فيها اسرائيل وامريكا والحكومات الرجعية وعلماء السوء والفضائيات واعلام البترودولار ، بقي جزء من الجسد الاسلامي يرفض الاستسلام لحالة الشلل ويرفض ان تعطب بوصلته ، فضل على اتصال مباشر بمحيطه ، بل اخذ ومنذ فترة زمام المبادرة لربط باقي اجزاء الجسد الاسلامي بمحيطه ، وتحريره من حالة الشلل والضعف ، بهدف اعادة الحياة اليه وتشغيل بوصلته التي صدأت تحت وابل كذب ونفاق ودجل الثلاثي المشؤوم ، فاذا بهولاء الرجال الاشداء ، يجوبون سماء فلسطين المحتلة بالطول والعرض ، ويرصدون كل ما في كيان الاحتلال الاسرائيلي من نقاط ضعف وقوة ، فاذا بقبتهم الصاروخية مثقوبة واذا براداراتهم معطوبة ، بل الادهى من كل هذا وذاك ، لم يجرأ هذا الكيان المهان بكل جبروته ، ان يرد على هذا الانتصار المدوي لرجال حزب الله ولطائرتهم "ايوب" ، بل اقر بالهزيمة وهو صاغر ، لانه يعرف حق المعرفة جنس الرجال الذين ارسلوا هذه الطائرة ، فهم ليسوا مثل غيرهم .

 

ان عملية "ايوب" النوعية لحزب الله ، لم تمرغ انف اسرائيل في الوحل فحسب ، لان مثل هذا الانف مرغه رجال هذا الحزب من قبل مرارا ، بل ان ايوب مرغ راس هذا الكيان بالكامل في وحل الهزيمة ، بعد ان التقط ايوب الصور لمنازل جنرلات اسرائيل وهم في غرف نومهم.

ان الفارق الزمني بين ايوب واليرموك ضئيل جدا ، الا ان الهوة التي تفصل بينهما كالهوة التي تفصل بين الارض والسماء ، واهم ما في هذه الهوة "التوقيت" ، فالتوقيت جاء ليؤكد حقيقة في غاية الاهمية ، وهي ان رجال حزب الله في واد واهل الفتنة في واد اخر، ففي الوقت الذي تزدهر فيه ، وللاسف ، اسواق الطائفية لترويج بضائع التكفير والتعصب والموت  ، بدفع عربي رجعي صهيوني غربي ، لتفتيت الامة واشعال حرب طائفية لاتبقي ولاتذر ، بين ابناء الدين الواحد والقبلة الواحدة والقران الواحد والنبي الواحد ، ليخسر الجميع ولتخرج اسرائيل والانظمة الرجعية والمصالح الامريكية سالمة ، في وسط هذا الصراخ والنعيق الطائفي الذي يتجسد وللاسف على ارض الواقع قنابل بشرية تفجر اجساد المسلمين ، وتجعل ديارهم خرابا وارضهم يبابا ونسائهم ارامل واطفالهم ايتاما ، في هذا الزمن بالذات نجح رجال من حملة المبادىء الاصيلة للدين الاسلامي الحنيف، في الحافظ على عنفوان الانسان المسلم الحقيقي ، الذي يتسامى على كل هذه المهاترات والعبث والجنون والعمالة والخسة والدناءة ، هؤلاء الرجال اذا فجروا كانت ساحتهم اجساد الد اعداء الامة ومغتصبي مقدساتها ،لا اجساد اخوانهم في الدين ، فبوصلتهم لاتخطىء العدو الحقيقي للامة مهما اكفهرت الحياة وتلاطمت امواجها ، فكفى بعملية ايوب شاهدا على الفكر الثاقب والعقيدة الاصيلة المتأصلة في اعماق هؤلاء الرجال .. فبوركوا وبوركت الاصلاب الشامخة والارحام المطهرة التي حملتهم.

وللتاريخ نقول ، لولا سليل الدوحة المحمدية المطهرة ، لولا دماء محمد (ص) و فاطمة وعلي والحسن والحسين (ع ) ، الجارية في عروقه ، لولا من حمل الشرف كابرا عن كابر ، لولاء عنوان العز والكبرياء والشموخ، لولا من تعالى على الفتنة الطائفية ومهاترات سدنتها، لولا سيد المقاومة ، لولا شبل الامام الشهيد بكربلاء ، لولا سماحة السيد حسن نصرالله ، لكانت أسرائيل سلخت الامة .. دون ان يؤلمها السلخ.

*ماجد حاتمي