القصد هنا واضح فالرئيس القادم للحكم في أسوأ الظروف من لاهاي حيث محكمة العدل الدولية يقاوم بضراوة محاولات مراكز الثقل والنفوذ الصلبة والمتحكمة في الإطار البيروقراطي التي تحاول جذب حكومته للطرق المألوفة في إدارة الأزمات بطبعتها المحلية، لذلك وعندما اندلعت أحداث عنف في مدينة الرمثا شمالي البلاد رفض الخصاونة تدخل مؤسسة الديوان الملكي بالأمر وطلب من أحد مسؤولي القصر التخلي عن فكرة زيارة المنطقة تكريسا لمبدأ الولاية العامة وعلى أساس أن معالجة أي أزمات مسألة تخص الحكومة.
وفي إحدى المرات لم يتردد الخصاونة في وصف أساليب الحكم المألوفة والكلاسيكية بانها مستنقع لا يجد نفسه معنيا بالغوص فيه وبنفس الأدوات القديمة.
ويمكن اعتبار إستعدادات الرجل لمعركة نيل الثقة البرلمانية التي حاز عليها فعلا وبـ 89 صوتا من أصل 120 صوتا الدليل الأوضح على الصراع بين القاضي والسياسي في ذهنية الخصاونة، فالرئيس القاضي رفض تقديم تنازلات خاصة وفردية للنواب على حساب القانون والمبدأ وحاول إظهار عدم الحاجة لتدخل مؤستتي الديوان الملكي والأمن لصالحه في معركة الثقة، مفترضا ان الثقة تنالها حكومته على بيانها الوزاري وليس على شخصياتها.
وقد حصل ذلك فأثبتت المؤسسة الأمنية قبل الحكومية بأن الحصول على الثقة بالحوار الجاد مع النواب أمر ممكن بدون الاتصالات الهاتفية الليلية التي تضغط على ممثلي الشعب المطعون أصلا بشرعيتهم في نظر كثير من المواطنين وقوى الحراك السياسي، وعمليا ساهم مدير المخابرات الجديد الجنرال فيصل ألشوبكي بالأمر عندما رفض من البداية التدخل في مسألة البرلمان رغم حماس بعض أركان البرلمان لمثل هذا التدخل.
وطوال الأسابيع الماضية طغت ذهنية القاضي على الخصاونة فرفع فيتو على خوض معركة الثقة بالقياسات الدارجة وإن كان التنازل الوحيد هو الصبر على مجادلات النواب وبعض مطالبهم الغريبة واحتواء الأزمة داخل الصف البرلماني قدر الإمكان وأينما اندلعت.
وإلى حد ملموس يبدو أن الأمر ينجح فوعود الكواليس الفردية والتنازلات يمكن ان يلتزم بها وزراء بالحكومة يعرفون اللعبة جيدا،وبين هؤلاء بالتأكيد وزير شؤون البرلمان حيا القرالة ووزير التشريعات أيمن عودة ومثل هذا الثنائي الوزاري يمكن أن يتولى المسألة خلف الكواليس حتى يتمكن الرئيس من الحفاظ على ما يمكن الحفاظ عليه من ذهنية وشخصية القاضي، فالمسألة ستنفعه في الأيام المقبلة.
لكن المشهد بكل الأحوال يوحي بأن الحكومة التي شكلت لإدامة العدل وتأسيس مبدأ سيادة القانون أو لإنقاذ العلاقة بين الحكم والشعب كما قال رئيسها يطالبها البعض اليوم بالترجل عن خطاب المبادئ والتنازل لآليات اللعب السياسي المألوفة، وما تكشفه الحيثيات ان تنازلات طفيفة قدمها الخصاونة على هذا الصعيد لكنه لا يجد نفسه مضطرا لتقديم الكثير من التنازلات وهو أمر يقدم نموذجا يعري ويكشف آخرين أو لا يروق للبعض في مؤسسات الحكم.
* بسام البدارين