لقد وجه اصرار الشعب العراقي على وجوب الانسحاب العسكري الاميركي من بلاد وادي الرافدين , ضربة دامغة الى كبرياء واشنطن , واثار موجة عارمة من الغضب والاستياء لدى الكونغرس وصناع القرار في الولايات المتحدة , انطلاقا من عدم تحقق المآرب والمصالح التي سعى الغزاة لجنيها بعد اكثر من ثمانية اعوام من الاحتلال والتدخل التسلطي في شؤون هذا البلد.
ويؤكد هذا الواقع ، خيبة الامل الكبيرة لزعماء البيت الابيض جراء اصطدامهم بصلابة موقف رئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي القاضي بجلاء جيش الاحتلال الاميركي من البلد في الموعد المقرر نهاية العام الجاري 2011 , ويبدو ان هذا الموقف الاصيل قد اغاظ نائب رئيس الولايات المتحدة جو بايدن بشدة في زيارته غير المرحب بها قبل ايام الى بغداد ولقائه كبار المسؤولين العراقيين , وهو ما انعكس أخيرا في محاولة اغتيال الرئيس المالكي جراء اختراق ارهابي خطير في المنطقة الخضراء , الامر الذي ينبئ من الان ان الادارة الاميركية , لن تتورع عن ارتكاب أية أعمال إجرامية أو مهمات قذرة لتأجيج الاوضاع ونسف الاستقرار النسبي في العراق .
على صعيد اخر تواجه الولايات المتحدة والمجموعة الاوروبية دوامة اقتصادية هائلة على مستوى تزلزل السياسات المالية لمنطقة اليورو, بالترافق مع الثورات الشعبية الداعية الى المساواة والعدالة والانصاف انطلاقا من حركة ( احتلوا وول ستريت ) , الامر الذي حفز لدى الحكومات الغربية مزيدا من الجشع والشراهة للاستحواذ على امدادات النفط والغاز بأرخص الاثمان من منطقة الشرق الاوسط ، وذلك على خلفية الدعم العسكري الجوي والاستخباراتي الاطلسي في احداث ليبيا , اضافة الى محاولة واشنطن وحليفاتها اطلاق العنان للاضطرابات في سورية, بمواقف تحريضية جاءت هنا ايضا على لسان نائب الرئيس الاميركي جو بايدن , في تحرك خطير يكشف حجم المؤامرة الغربية (الاورواميركية) باتجاه تفجير الامن والاطمئنان و السلم الاهلي ، تحت ذريعة الخوف من اشتعال الحرب الاهلية والنزاعات المذهبية والطائفية في هذا البلد المقاوم.
والذي يؤكد حالة الاخفاق المسيطرة على المواقف الاميركية والاوروبية , دعوة رئيس البنتاغون ليون بانيتا الكيان الصهيوني الى الخروج من عزلتها ومطالبته تل أبيب , باستئناف علاقاتها مع شركائها التقليديين في الشرق الاوسط , الامر الذي يعزز القناعة لدى المراقبين لشؤون المنطقة , بأن الذي يمر بحالة الانهيار والهزيمة حاليا هو (التحالف الغربي – الاسرائيلي) وليس دول محور المقاومة و الممانعة كما تصور دعايات الحرب النفسية .
ولاشك بأن تحذير وزير الدفاع الاميركي أمام احدى المنتديات في واشنطن , من مغبة شن أي هجوم عسكري على الجمهورية الاسلامية, هو مربط الخيل في كل مايثار من زوابع سياسية واعلامية وتهديدات اضافية بالعقوبات على طهران . فقد حدد ليون بانيتا مقدما سوء عاقبة مثل هذا الإجراء بقوله " ان أي هجوم على طهران قد يعطل الاقتصاديات الهشة لاوروبا والولايات المتحدة , ويؤدي الى انتقام ايراني من القوات الاميركية , كما يثير رد فعل شعبيا عنيفا في ايران " .
وبقراءة المشهد الاقليمي والدولي الراهن ولاسيما بعد فوز الحركة الاسلامية في الانتخابات البرلمانية بكل من تونس ومصر , وتوقع هذا الانتصار في ليبيا ايضا قريبا, يبدو ان الخاسر الاكبر من مسيرة التحولات والثورات الشعبية في المنطقة , ليس سوى المعسكر الاميركي - الاوروبي – الصهيوني , ولعل هذا الواقع المرير بالنسبة لفشل حساباتها وسياساتها , هو مايثير في داخلها غريزة الانتقام والثأر بأي شكل من العالم الاسلامي , سواء عبر جر الازمة السورية الى مرحلة التدويل , أو من خلال تشويه سمعة طهران وتكريس اكذوبة ( ايران فوبيا ) , مع ما ينطوي عليه هذا السلوك من احتمال اقدام واشنطن والعواصم الاوروبية وتل أبيب, على ارتكاب مغامرات طائشة ، ينبغي للامة الاسلامية ان تكون بمستوى التصدي لها وردع أية نزعات عدوانية قد تستدرج الاوضاع العربية – الاسلامية الى متاهات المشاريع والتصرفات الهوجاء للاستكبار العالمي .
حميد حلمي زادة?