العالم -ثقافة
علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الشهير بالسجاد وزين العابدين، ولد في الخامس من شعبان سنة 38 للهجرة، واستمرت إمامته 35 سنة. اتسمت الفترة التي عاشها الإمام زين العابدين بكثرة الأحداث التي وقعت في التاريخ الإسلامي، ومنها واقعة كربلاء حيث كان حاضراً فيها والتي استشهد خلالها الإمام الحسين وأهل بيته، ولكن بسبب مرضه لم يتمكن من المشاركة في القتال.
وبعد أن سُبيت النساء والعيال على يد جيش الشام، كان الإمام السجاد مع موكب السبايا، وبعد أن ألقى خطبة مؤثّرة في مجلس يزيد بن معاوية بيّن من خلالها سموّ مكانة أهل البيت وحقيقة أعدائهم إضافة إلى شرح ما جرى من رزايا في كربلاء، رجع بالسبايا من الشام إلى المدينة.
وقد ورد في بعض الروايات أن الرسول الأعظم قد سمّاه بـ"علي" ولقّبه بـ"زين العابدين"، وذلك قبل أن يولد بعشرات السنين ومن هذه الأخبار: روى جابر بن عبد الله الأنصاري قال كنت جالساً عند رسول الله والحسين في حجره، وهو يداعبه، فقال: يا جابر يولد له مولود اسمه "علي" إذا كان يوم القيامة نادى مناد ليقم سيد العابدين، فيقوم ولده، ثم يولد له ولد اسمه محمد، فإن أدركته يا جابر فأقرأه مني السلام.
وعاصر الإمام علي بن الحسين عدداً من حُكّام بني أمية، منهم: يزيد بن معاوية، ومروان بن الحكم، واستشهد عليه السلام مسموماً بأمر من الوليد بن عبد الملك، في 25 من المحرم سنة 95 للهجرة، ودُفن بمقبرة البقيع في المدينة المنورة إلى جوار عمّه الإمام الحسن عليه السلام.
وفي عصر الإمام السجاد وقعت ثورات عدة في العالم الإسلامي، منها: ثورة أهل المدينة الشهيرة بواقعة الحرة، وثورة التوابين، وثورة المختار الثقفي.
وهناك مجموعة من الرسائل والأدعية التي نُسبت للإمام زين العابدين، وهي: الصحيفة السجادية، ورسالة الحقوق، والمناجيات الخمس عشرة، إضافة إلى: كتاب علي بن الحسين، وديوان منسوب للإمام السجاد، ومصحف بخطه.
وبشأن سيرته فقد ذكر المؤرخون ان الإمام زين العابدين كان من أرحم الناس وأبرهم بأهل بيته، وكان لا يتميز عليهم، بل كان كأحدهم، ويُنقل عنه قوله: "لأن أدخل السوق ومعي دراهم أبتاع بها لعيالي لحماً، وقد قرموا أحب إلي من أن أعتق نسمة" وكان يبكر في خروجه صبحاً لطلب الرزق لعياله، فقيل له: إلى أين تذهب؟ فقال: أتصدق لعيالي من طلب الحلال، فإنه من الله صدقة عليهم.
ومن سيرته يذكر الرواة أنه أمتنع أن يؤاكل امه فلامه الناس، وأخذوا يسألونه بإلحاح قائلين: أنت أبر الناس، وأوصلهم رحماً فلماذا لا تؤاكل أمك؟ فأجابهم: أخشى أن تسبق يدي إلى ما سبقت عينها إليها فأكون قد عققتها.
وذكروا ايضا انه عليه السلام لايستخدم خادما فوق حول، فإذا ملك عبدا في أي وقت من السنة كان يعتقه ليلة عيد الفطر، واستبدل سواهم في الحول الثاني ثم أعتق، كذلك كان يفعل حتى لحق بالله تعالى، فيُذكر بأنه كان لا يضرب عبدا له ولا أمة، وكان إذا أذنب العبد والأمة يكتب عنده: أذنب فلان، وأذنبت فلانة يوم كذا وكذا، حتى إذا كان آخر ليلة من شهر رمضان دعاهم وجمعهم حوله ثم أظهر الكتاب، ثم يقوم وسطهم ويقول لهم: "ارفعوا أصواتكم، وقولوا: يا علي بن الحسين إن ربك قد أحصى عليك كلما عملت كما أحصيت علينا كلما عملنا فاعف واصفح يعف عنك المليك،" ثم يقبل عليهم فيقول: "اذهبوا فقد عفوت عنكم وأعتقت رقابكم رجاء للعفو عني وعتق رقبتي" فيعتقهم، فإذا كان يوم الفطر أجازهم بجوائز.
وتعتبر الصحيفة السجاديّة من أهم الآثار التي انطوت على الحقائق والمعارف الإسلامية بعد القرآن الكريم ونهج البلاغة، وقد أشار كبار العلماء إلى مجموعة من الأسماء و النعوت التي وصفت بها الصحيفة السجادية، منها: «أخت القرآن»، و«إنجيل أهل البيت»، و«زبور آل محمد» و«الصحيفة الكاملة».
ونُقل عن ابن الجوزي قوله: «إن لعلي بن الحسين زين العابدين حق التعليم على المسلمين في الإملاء والإنشاء وكيفية التكلم والخطاب وطلب الحاجة من الباري تعالى؛ فلولاه لم يكن ليعرف المسلمون آداب التحدث وطلب الحوائج من الله تعالى؛ إن هذا الإمام علّم البشر كيف يستغفرون الله وكيف يستسقون ويطلبون الغيث منه تعالى وكيف يستعيذون به عند الخوف من الأعداء لدفع شرورهم.
ولقد اهتم علماء الشيعة بدراسة الصحيفة السجادية، وأخذوا يبحثون في مضامينها، وجاوزت رواية الصحيفة حد التواتر. وقد ترجمت الصحيفة السجادية إلى كثير من اللغات في العالم، منها الفارسية والإنجليزية والإسبانية، والتركية، والفرنسية، والروسية.
ومن كتبه المعتبرة وعالية المضامين رسالة الحقوق عنوان لحديث روي عن الإمام علي بن الحسين السجّاد يستعرض فيه أكثر من خمسين حقاً على عاتق الإنسان، مثل حق الله، والأئمة، وأعضاء البدن، والرحم، والأفعال مثل حق الصلاة، والحج، والصوم، والصدقة، والهدي. أقدم المصادر التي ذكرت هذا الحديث، تحف العقول، من تأليف ابن شعبة الحراني (المتوفى 381 هـ)، وثلاث كتب من تأليف الشيخ الصدوق (المتوفى 382 هـ)، وهي عبارة عن الخصال، ومن لا يحضره الفقيه (من الكتب الأربعة)، والأمالي.
ذهب علماء الحديث أن رسالة الحقوق من الأحاديث التامة السند التي ورد في الكتب الحديثية المعتبرة. توجد لرسالة الحقوق عدّة ترجمات باللغة الفارسية، وكذلك تُرجمة إلى لغات مختلفة، منها: الإنجليزية، والفرنسية، واليونانية، والأوردية، وقام الكثير من العلماء والباحثين بشرحها.
وبشأن حادثة استشهاده روي ان الأمويين خشوا على سلطانهم من وجود شخصية كالإمام السجاد وكان أشدهم خوفا منه الوليد بن عبد الملك، فقد روى محمد بن مسلم الزهري أنه قال: "لا راحة لي، وعلي بن الحسين موجود في دار الدنيا".
وأجمع الوليد بن عبد الملك رأيه على اغتيال الإمام حينما جلس على كرسي الحكم، فبعث سماً قاتلاً إلى عامله على يثرب، وأمره أن يدسه للإمام، وهكذا استشهد الإمام مسموماً بأمر الوليد ودُفن في البقيع مع عمه الإمام الحسن (ع)، بقرب مدفن العباس بن عبد المطلب.