العالم - مصر
وفي ضوء ذلك، تحاذر مصر الانسياق وراء الرغبات التركية، أو التفاؤل إزاءها، حرصا منها على مصالح حلفائها الخليجيين والعرب على السواء. وفي الوقت ذاته، فهي تسعى إلى انتزاع ما تطاله يدها من مكاسب في حوزة أنقرة، التي تستضيف على أراضيها آلافا من قيادات جماعة «الإخوان المسلمين» المحظورة في القاهرة.
وثمة مطالب مصرية لا ترقى إلى حدود الشروط، ترى القاهرة أنه ينبغي العمل على تحقيقها لإثبات حسن نيات الأتراك، ومنها ما هو مرتبط بالمصالح المصرية، وبصورة أوضح بآلية التعامل مع النظام في هذا البلد، الذي يرفض انتقاده والإساءة إليه عبر منصات الإعلام التركي خصوصا. وبنظر مصر، فإن أي حديث عن فتح صفحة جديدة بين البلدين لن يكون ممكنا من دون إثبات حسن النية، واللجوء فورا إلى وقف بث القنوات «الإخوانية» العاملة من الداخل التركي، قبل الانتقال إلى البحث في المطلب الآخر، والقاضي بتسليم المطلوبين، وهو مطلب قد يتم العدول عنه أو تعديله ضمن سلسلة مطالب أخرى ستبدأ القاهرة التفاوض عليها، وفي مقدمها التعاون الأمني في شأن مصادر تمويل جماعات تصنفها مصر «إرهابية»، وتقول إنها على اتصال بشخصيات مقيمة في تركيا.
تعتبر مصر أن أي حديث عن فتح صفحة جديدة لن يكون ممكنا من دون إثبات تركيا حسن نيتها
وعلى رغم وجود تعاون وتنسيق أمنيين بين مصر وتركيا، خصوصا على مستوى الاستخبارات خلال العامين الماضيين، إلا أنه لم يرق بعد إلى حد التطرق إلى هذه النقطة. وهي نقطة واضحة لا تقبل القاهرة التفاوض في شأنها، علما بأنها تبدي تفهما لما يمكن أن تقوم به أنقرة من مثل إبعاد هؤلاء المطلوبين إلى دول أخرى، الأمر الذي سيكون محل ترحيب في مصر، ولكن ليس على المستوى الرسمي، وذلك لأسباب عديدة، على رأسها تجنب الانتقاد والجدل الحقوقي المتوقعين حال ترحيلهم. وإذ تبدو القاهرة، هذه المرة، مرحبة أكثر من أي وقت مضى باستئناف العلاقات مع أنقرة، فهي تخشى، في الوقت نفسه، المناورات التركية، وما يمكن أن يؤدي إليه أي تصريح إيجابي يصدر عن الخارجية المصرية تجاه تركيا، من قلق لدى الحلفاء في الخليج الفارسي أو أوروبا.
خشية تشكل دافعا أساسيا للتريث والمراقبة، ولا سيما من ناحية الأطراف الخليجيين، في ظل التفاهمات التي يجري العمل على بلورتها مع قطر خلال الفترة الحالية، برعاية كويتية ومشاركة إماراتية. ولكن ما يسهل على الجانب المصري قبول التفاوض أمام الحلفاء العرب، هو الدعوة التركية إلى المصالحة مع السعودية والإمارات، وإن كانت دوافعها مختلفة؛ فالمصالحة مع القاهرة هدفها سياسي مرتبط بتنسيق إقليمي في ملفات عديدة، بينها الفلسطيني والليبي، أما المصالحة التركية - الخليجية، فمرتبطة بمصالح اقتصادية، ورغبة تركيا في إنعاش اقتصادها المتداعي.
على الجانب الآخر، لا يمكن التخلي - من وجهة نظر القاهرة -، تحت أي مسمى، عن تحالفات مصر في منطقة شرق المتوسط، وتحديدا مع قبرص واليونان ومن خلفهما فرنسا، وهو ما جرى تأكيده لوزير الخارجية اليوناني، خلال زيارته الأخيرة للقاهرة قبل أيام، حيث أعلم بمشاركة أثينا ونيقوسيا في أي قرار يتخذ في شأن الحدود البحرية، فيما جرى التشديد على أن ترسيم الحدود البحرية بين مصر وتركيا سيراعي حقوق قبرص واليونان، وسيتجاهل ما ورد في الاتفاقية البحرية الموقعة بين الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، وحكومة «الوفاق» الليبية.
على أي حال، تدفع الخشية المصرية من احتمال المناورة التركية إلى ربط القاهرة عودة العلاقات بين البلدين بخطوات ملموسة من الجانب التركي، وإلا فإن التصريحات الصادرة من كبار المسؤولين الأتراك لن تتجاوز كونها «مناورات سياسية تفتقد المصداقية والفاعلية». وعلى رغم المخاوف الواضحة، ترى القاهرة أن أنقرة تعطي إشارات جيدة، لكنها تعتبر أن الأخيرة لن ترغب في تفصيل النقاط الشائكة، وهو ما يجعل مجرد التفكير في الجلوس إلى مائدة المفاوضات، قبل الاتفاق على جدول التفاوض نفسه ومحتواه، «مضيعة للوقت»، فضلا عن أنه سيولد قلقا لدى الحلفاء الذين يرى معظمهم ضرورة في زيادة عزلة تركيا لإجبارها على إحداث تغيير جذري في سياستها الخارجية.
المصدر: جريدة الأخبار