لبنان يفاوض من موقع القوي

لبنان يفاوض من موقع القوي
الجمعة ٠٢ أكتوبر ٢٠٢٠ - ١٢:٢١ بتوقيت غرينتش

وحده لبنان الذي يرى فيه الأميركي الأقرب استراتيجيا على "إسرائيل" والأخطر بنيوياً لجهة وجود صراع عقائديّ ووجوديّ بين "إسرائيل" وحزب الله يتجسّد بوجود ما يعرف بسلاح غير شرعي بالنسبة للأميركي لم تطبق فيه هذه الشروط ولو لمرة واحدة! مع العلم أن الأخطر من الخروج عن الدولة هو ارتجال حروب بحجم فوضى تعيشها في المنطقة قادرة على قلب الطاولة ولكن…

العالم – لبنان

عشر سنوات من النزاع حول ترسيم الحدود البرية بين لبنان و"إسرائيل" لم تصل لنقطة اللاعودة على الرغم من كل تعقيداتها التي تتحكم فيها ثوابت الطرفين وسنوات أيضاً عقبها موفدون للحديث عن ترسيم الحدود البحرية لم توصل إلى مرحلة فرض أمر واقع أميركي باسم الإسرائيليين في لبنان، كما يُنتظر من دولة عظمى.. توالت الضغوط على لبنان لفض هذا النزاع والنزول عند الشروط الأميركية التي تتمثل بشكل غير مباشر بانحياز طبيعي للجهة الاسرائيلية وبدأت مع هذه المرحلة أزمات لبنان الكبرى ومن ضمنها فترة الحراك في 17 تشرين الاول عام 2019.

واحدة من المفارقات كانت الضغط على رئيس مجلس النواب نبيه بري... والسبب أن بري أخذ على عاتقه هذا الملف، معتبراً أنه "قضية القضايا" وأنه لا يمكن التنازل في ما يتعلق بمسألة ترسيم حدود برية تفتح الجنوب اللبناني أمام مخاطر ولا حدود بحرية تنهب حق قد يكون الأمل المتبقي للبنانيين للنهوض.

تؤكد مصادر متابعة لـ"البناء" أن أغلب زيارات الوفود الأميركية كانت تثير غضب واشنطن نظراً لتمسك بري بمبادئ شكلت بالنسبة إليها مفاجئة، خصوصاً ان المعروف عن بري بدبلوماسيته إمكانية تدوير الزوايا إلا أن المشهد انقلب بشكل مفاجئ وأعلن أنه رأس حربة المشهد. فبدأت الرسائل الأميركية تنهال عليه وعلى مؤيديه وعلى الثنائية السياسية التي تربطه بحزب الله كائتلاف واحد بدءاً من العقوبات على مصرف الجمال وصولاً إلى التضييق على رجال أعمال شيعة في كل العالم حتى وقع كبش الفداء الكبير في فرض عقوبات على وزير المال السابق علي حسن خليل معاون بري حيث كانت المفاجأة.

لم يحتج اللبنانيون للتفكير بالرسالة المباشرة لبري التي تغلفت بمضمون مكافحة الفساد والتي فيها من الذكاء الأميركي ما يكفي للوصول للنتيجة اليوم إلا أن المفاجئة الثانية كانت صمود بري ومعه الثنائي الشيعي من جديد في مسألة التخلي عن الشراكة في الحكومة التي كان من المفترض أن يشكلها السفير أديب فلم يتراجع بعد العقوبات حكومياً فاستعجله الأميركي وسقطت مفاعيل عقوبات علي حسن خليل التي لم تؤسس لترهيب بري وحليفه حزب الله وقبولهما بالخروج من الصيغة التي تؤدي الدور كما أوضح نصرالله في خطابه الأخير حسب رؤية الثنائي لحكومة كانت ستولد من لون واحد.

بدت واشطن في عجلة كبيرة لأسباب رفعت لمصاف "تاريخيّة"، حسب بومبيو الذي يعمل بوفاء كبير من أجل إعادة انتخاب رئيسه ترامب لولاية ثانية جعلت منها تقف عند الطلبات اللبنانية والنجاح بوضع إطار لشكل هذه المحادثات يفتتحها رئيس الجمهورية حسب الدستور بدون أي لبس ويفاوض في الحقوق..

لبنان بلد مفاوض ويفاوض أكبر قوتين في العالم والمنطقة الولايات المتحدة و"إسرائيل" بوساطة أممية. قوتان عجزتا عن فرض "أمر واقع" يسمح بالتعدي على حقوقه وبدون تنازلات، رغم كل التضييق. وهذا في السياسة يرفع موقع لبنان إلى مركز سيادي أساسي بعد ما ثبت عدم خضوعه لأي ابتزاز يحرم أبناءه من حقوقه وبدون أدنى شك تدرك واشنطن أن حزب الله قوة ضاغطة في هذا الإطار. فبدون الاتفاق لا يمكن تأمين أرضية تنقيب مؤاتية لقدوم أي شركة من شركات التنقيب الى هذه المنطقة الملتهبة في العالم.