العالم- الأردن
وعندها جاء مشروع القانون لضم غور الأردن إلى أراضي الاحتلال. وهذا أيضاً يتابعونه في عمان بعيون مفتوحة. يتابعون وفي هذه الأثناء يصمتون.
سيتفاجأ الصهاينة لسماع الرسائل التي صاغها المتظاهرون ضد اتفاق الغاز، والتي أساسها أنه نزع من باطن بحر البلاد المحتلة، وسيكون كل بيت أردني في أعقابها خاضعاً لوباء التطبيع مع الاحتلال.
الصمت الأردني الآن حول مبادرة قانون ضم الغور يدفعهم إلى النظر إلى الأمام، فالملك ورجاله يرون الصورة كلها، وليس فقط ذاك الجزء الذي يعنى باحتجاج الشارع ضد کيان الاحتلال.
عمان مصممة على تنفيذ اتفاق الغاز، ولا يوجد أي مؤشر أن في نيتها الاستجابة لمطالب المتظاهرين. ما لا يمكن قوله عن مبادرة کيان الاحتلال لضم الغور، فالضم يزرع في قلب الأردنيين قلقاً، وبقدر أقل بسبب معناه السياسي، وبقدر أكبر بسبب التوتر الذي بوسعه أن يخلقه في داخل الأردن. وزير طاقة الاحتلال يوفال شتاينتس قال أول أمس في “صوت الجيش” إنه إذا تضررت علاقات الأردن والکيان الصهيوني في أعقاب القرار، فسیعرف الاحتلال كيف یرممها، غير أن هذه العلاقات ليست في ذروتها؛ فثمة مشكلة ثقة حادة تسود بين مكتب نتنياهو والقصر الملكي. والافتراض هو أن القصر بحاجة إلى التعاون مع الاحتلال، ولهذا فهو سيتصرف دوماً كالولد المؤدب. كما أن ثمة توقعاً خفياً آخر من جانب تل أبيب، وهو أن تفهم عمان بأن خطة الضم غمزة ومناورة انتخابات، وألا ينفعلوا أكثر مما ينبغي. دعونا، كما يفهم من شتاينتس، نلعب اللعبة، وكل ما تبقى سيكون على ما يرام. أما الأردنيون فيستجدون قائلين: عفواً، الجمهور مُثار وخطير، وقدرتنا على الصمود أمامه تضعف. فترد تل أبيب أن كفوا عن البكاء، ثم تهز الكتفين بلا مبالاة.
هكذا تعيش عمان العلاقات
الأردنيون محقون في نقطة واحدة على الأقل، فالشارع الأردني ينظر إلى مناورات الانتخابات والرسائل المناهضة للأردن الصادرة من الکيان الصهيوني بجدية كبيرة، ويستغلها في معركته ضد الملك. وهذه المعركة أحياناً يتملكها الحقد تجاه الملك، وتكون عمياء وهازئة. في تجربة الأردنيين، فإن غمزة شتاينتس تعدّ نكتة على حسابهم.
وقريباً سيعرض ترامب “صفقة القرن”. لا يعرف الأردنيون تفاصيلها، ولكنهم يعرفون بأنها ستجلب عليهم ضغوطاً شديدة؛ فالبيت الأبيض من جهة، والجمهور من جهة أخرى، وكل طرف سيشد باتجاهه. وقد استعد الملك جيداً لهذه اللحظة. وفي السنة الماضية، هيأ الجمهور بأن قوة صموده أمام البيت الأبيض محدودة.
تستهدف الخطة الأمريكية مساعدة نتنياهو في الانتخابات، وقد رفضتها السلطة رفضاً باتًا بعد أن تسرب أهم تفاصيلها، لأن فرص السلام التي تحملها في طياتها هزيلة. ولكن إلى أن يعترف الجميع بذلك، وبحماسة الانتخابات، فبانتظارنا مشادة حولها بين اللاعبين المختلفين. الاحتلال سيقبل أساس الخطة، ويعلن عن الفلسطينيين كرافضين. أما الأردن ومصر فسيطلبان الخروج من هذا بسلام. أحد السيناريوهات هو أن يمارس ترامب على عمان ضغطاً شديداً لتأييد اقتراحه، بل وربما يكون هذا ضغطاً يترافق والتهديد. فإما يجلد أبو مازن إلى أن يقول “اريد أنا”، بشكل يطلب فيه القصر الأردني الانخراط إلى جانب الرئيس والصدام مع البيت الأبيض. وقد يستخدم كثيرون من معارضي الملك هذه التطورات كوسيلة للمناكفة ضده.
ثمة شيء ما ساذج في الفهم الصهيوني المتعلق بنا، قالت لي هذا الأسبوع شخصية أردنية تفهم شيئاً ما أو اثنين عما يجري عندنا. وقد قصد أن يستخدم كلمة أكثر فظاظة، ولكنه لطف صيغته لأغراض الكياسة. طالما يمكن إهانة الملك والتعاطي معه كأمر مسلم به، ستواصلون عمل ذلك ولن تشعروا بالتعالي الذي يهب من طرفكم.
ما معنى إهانته، سألت.
فأجاب الرجل: تجاهل طلباته ألا تسخنوا الأجواء في كل ما يتعلق بالمسألة الفلسطينية وشرقي القدس، إذا لم تكن حاجة حقيقية لذلك من جانبكم، وأن تتسببوا له بحالة ضغط عبثاً، سوى أن يستعرض كيان الاحتلال العضلات، وأن تستخدموا ضده كارهيه. فضم الغور ليس أمراً في روحكم، قال، وإلا، أين كنتم من قبل؟
وواصل الأردني إياه يقول "إن "اسرائيل" يفرض علينا المصاعب لسنوات في كل ما يتعلق بالقدس، تمارس القوة وتلعب بالنار لأغراض سياسية داخلية، حتى حيثما لا تكون حاجة. أما ضم الغور فهو إضافة الزيت على النار، ما هكذا يتصرف الأصدقاء".
اقتصاد الأردن ورقة مركزية في هذه اللعبة. لو لم يكن مهزوزاً بهذا القدر لكان بوسع القصر أن يستعرض قوته في كل الجبهات. ولكنه يستصعب عمل ذلك، وضعفه يستدعي الضغوط عليه. البطالة تستشري، ومعدل المهاجرين في ذروته. ثمة نقص في الكهرباء والمياه وفي أفق الشباب نحو المستقبل. والقصر مطالب بأن يحل كل هذا، ولكن نجاحه قليل. عندما یمارس الاحتلال قوة شديدة ضد الفلسطينيين، يكون متوقعاً منه أن يتدخل على الفور لإنقاذ فلسطين. ولكن يد الملك قصيرة من أن تمتد للإنقاذ. وحتى هو يجد صعوبة في أن ينقذ نفسه من النقد الشديد الذي يستغله معارضوه.
“يحمي الحدود”
قوة الأردن في علاقاته مع الاحتلال في كونه يحمي حدودنا الأطول. في اليوم الذي يتخلى فيه عن التزامه بذلك، ستعلق "إسرائيل" في خطر أمني حاد. وحتى ذلك الحين، ليس في يدي عمان أوراق ضغط على الإسرائيليين أو قنوات لجباية أثمان منها، وفي وسعها أن تنشر بيانات الشجب، وترفع احتجاجاً رسمياً للسفير الإسرائيلي في عمان، وفي حالات حادة، أن تعيد سفيرهم هنا إلى الديار.
مرة في كل بضع سنوات تقع في يدي الملك فرصة للاحتجاج بشكل أصخب من المعتاد، ومنها قضية الباقورة والغمر، فالجيبان أخذا من إسرائيل بسبب العلاقات العكرة التي وصفتها آنفاً. ولكن بالنسبة للملك، فإن الربح صغير، فهو لا يحتاج إلى هذه الأراضي. ومن الشعارات التي رفعت ربح نقاط قليلة بشكل نسبي. لم يهز فقدان الجيبين الأعمدة في تل أبيب. وثمة سر مكشوف، وهو أن إعادتهما إلى الأردن استقبلت بعدم اكتراث في قيادة الاحتلال السياسية.
بالنسبة إلى إسحق تشوفا، فإن الأردن زبون متواضع، والدخل منه ليس بالقسم الأهم في صفقاته. ولكن الأردنيين يحتاجون إلى مقابل يضخ إليهم، لا ليضيء منازل السكان فحسب، بل أيضاً كي يتفرغوا لمعالجة المشكلة الخطيرة بقدر لا يقل، ألا وهي المياه. فخزانات المملكة التحت أرضية لا تتجدد مثل خزاناتنا الجوفية، وهي آخذة في الجفاف. لا توجد منشآت تحلية، وبالمقابل يزداد عدد السكان. أحد الاقتراحات الذي يجري التفكير فيه في الاتصالات بين الصهاينة والأردنيين هو شراء الماء من الاحتلال، الذي تنتجه منشأة التحلية في الخضيرة. هذه اتصالات أولية، مثابة اقتراح لم يصعد بعد إلى المستويات العملية. تخيلوا أي وجع رأس ينتظر الملك في اليوم الذي يوقع فيه الاتفاق، هذا إذا ما وقع. خيانة، ستهتف اليافطات التي يرفعها متظاهرون عطاشى، مياه من الأرض المحتلة.
بقلم: جاكي خوجي ، عن القدس العربي