العالم - الامارات
وفي خطوة غير متوقّعة، أعلنت الإمارات، الإثنين، أنها تقوم بعملية إعادة انتشار في اليمن تشمل خفض عديد قوّاتها في مناطق يمنية، بينها الحديدة (غرب).
الخطوة الإماراتية أثارت ردود فعل كبيرة، خاصة فيما يتعلق بأسبابها الحقيقية وتأثيرها على التحالف بين أبوظبي والرياض، السيء السمعة دولياً، ليظل السؤال الكبير ماذا حدث خلف "الأبواب المغلقة" بين الدولتين قبل أو بعد قرار أبوظبي الأخير؟
وقالت 4 مصادر مطلعة، لرويترز، إن القوات السعودية في اليمن اتخذت إجراءات لتأمين ميناءين استراتيجيين في البحر الأحمر ومضيق باب المندب بعد أن خفضت حليفتها الرئيسية الإمارات وجودها العسكري هناك بشكل كبير.
وقال قياديان عسكريان يمنيان ومسؤولان بالحكومة اليمنية إن ضباطاً سعوديين تسلموا قيادة القواعد العسكرية في ميناءي المخا والخوخة وكانت القوات الإماراتية تستخدمهما لدعم الحملة العسكرية التي كانت تستهدف السيطرة على الحديدة القريبة ولمراقبة الساحل.
كما أرسلت الرياض عدداً غير محدد من القوات لمدينة عدن الساحلية وإلى جزيرة بريم الصغيرة البركانية في مضيق باب المندب، وهو ممر استراتيجي للملاحة يربط بين البحر الأحمر وخليج عدن.
ولم يرد متحدث باسم التحالف الذي تقوده السعودية ولا باسم الحكومة الإماراتية على طلبات رويترز للتعليق.
وترى رويترز أنه ليس من المتوقع أن تؤدي تلك التغييرات في قيادة القواعد العسكرية إلى تغير يذكر في مسار الحرب ولا في وقف لإطلاق النار في الحديدة أبرم بدعم من الأمم المتحدة العام الماضي في السويد بين حكومة عبدربه منصور هادي المدعومة من السعودية وقوات الجيش واللجان الشعبية اليمنية.
لكن توسيع نطاق الوجود السعودي على الأرض من شأنه أن يكثف من الانتقادات الدولية لدور المملكة في الحرب التي تسببت في أسوأ أزمة إنسانية في العالم وقتلت مئات المدنيين في ضربات جوية على مستشفيات ومدارس وأسواق.
وقالت المصادر إن القوات الإماراتية سيطرت على جزيرة بريم في وسط باب المندب منذ 2015 عندما تدخل التحالف بقيادة السعودية في حرب اليمن وحتى أسابيع مضت عندما تسلمت السعودية وخفر السواحل اليمني السيطرة عليها.
وقامت الإمارات، بالمشاركة مع القوات اليمنية التي تدعمها بالسيطرة على عدد من المدن على الساحل الغربي لليمن مما شكل شريطاً ضيقاً تحت سيطرة التحالف هناك.
وتتمركز عشرات الآلاف من القوات اليمنية والسودانية في المنطقة وعلى المشارف الجنوبية للحديدة حيث اتفقت الأطراف المتحاربة على وقف لإطلاق النار لتمهيد الطريق لإجراء محادثات لإنهاء الحرب.
ويرى محللون أن إعلان الإمارات خفض عديد قواتها في مناطق يمنية يهدف إلى حماية صورتها في الخارج التي قد يهدّد النزاع اليمني بالإساءة إليها، علماً أنه قد يؤثر على علاقتها الوثيقة مع السعودية في مرحلة تتسم بتوتر شديد مع إيران، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية.
وتنقل "أ ف ب" عن الباحث في "كينغز كولدج" في لندن أندرياس كريغ قوله إنّ "المخاطر المحدقة بسياسات الإمارات وصورتها وعمليّاتها على الأرض كانت بعيدة عن المكاسب التي توقّعتها" أبوظبي من وجودها في اليمن.
ومنذ التدخل السعودي على رأس التحالف، قتل وأصيب عشرات آلاف اليمنيين، غالبيتهم من المدنيين، في نزاع تقول الأمم المتّحدة إنّه تسبّب بأكبر أزمة انسانية في العالم ووضعت أفقر دول شبه الجزيرة العربية على حافة المجاعة.
ووصلت الحرب إلى طريق مسدود، خصوصاً بعد فشل جولات محادثات سلام برعاية الأمم المتّحدة، وآخرها في ديسمبر الماضي في السويد، في التوصل إلى حل لإنهاء النزاع المدمّر.
وتعتبر وكالة الأنباء الفرنسية أنه قد يكون السعي لحماية صورة الإمارات في الخارج على خلفية دورها العسكري في اليمن، أحد أهداف هذه الخطوة، في وقت اشارت منظّمات حقوقية وقوع "جرائم حرب" في هذا البلد.
وبحسب كريغ، فإنّ سمعة الإمارات المتحالفة مع الولايات المتّحدة والساعية لإبراز صورتها كشريك ليبرالي لواشنطن في المنطقة، تلقّت "عدة ضربات" بسبب حرب اليمن.
وكانت منظمة العفو الدولية تحدّثت العام الماضي عن انتهاكات في مجال حقوق الانسان ترقى إلى "جرائم حرب" في سجون يمنية قالت إنّ الإمارات أدارتها، وهو ما نفته أبوظبي بشدّة.
ويوضح كريغ أنّ "الانتهاكات لحقوق الانسان ومقرّات التعذيب (...) أضرت بموقع الإمارات العربية المتّحدة في الولايات المتّحدة".
والأسبوع الماضي، حذّر سيناتور أمريكي من أنّ واشنطن قد تعلّق مبيعات الأسلحة للإمارات على خلفية تقرير أفاد بأنّ أبوظبي أرسلت أسلحة إلى قوات ليبية في انتهاك لحظر توريد السلاح المفروض من الأمم المتّحدة..
وبالنسبة للخبير في شؤون الشرق الأوسط جيمس دورسي، فإنّ الخلافات المتزايدة مع إيران قد تكون ساهمت في قرار خفض عديد القوات، موضحاً أنّه في حال أدّت هذه الاختلافات إلى "نزاع عسكري، فإن الإمارات والسعودية ستكونان أرضاً للمعركة".
ويتابع "أعتقد أنّ الإماراتيين يريدون أن يكونوا مستعدين لذلك، رغم أنّهم لا يريدون مواجهة عسكرية مع إيران".
وترت الباحثة في "مجموعة الأزمات الدولية" اليزابيث ديكينسون أنّ "التوترات مع إيران لم تكن الدافع الأكبر (لخفض عديد القوات) (...) لكنّها تسبّبت بالتأكيد بتعقيد الأمور".
وتذكر أنّ أبوظبي شعرت بالقلق تجاه "التصعيد الأخير في الأشهر الماضية، وقرّرت أنّ تحد من المخاطر عليها".
وبالنسبة إلى كريغ، فإن القرار الإماراتي يساعد على نقل القوات إلى الداخل في ظل التوترات مع إيران، علماً أنّ السعودية لن تستطيع التعامل بالطريقة ذاتها مع "المستنقع اليمني".
ويقول دورسي "خلف الأبواب المغلقة، لن يكون السعوديين سعداء، لكنني لا أعتقد أنّ لدى السعودية أو الإمارات أي رغبة بإحداث شرخ".
وتبنّت الدولتان طوال سنوات مواقف مماثلة من القضايا الاقليمية، وتعمّقت هذه العلاقة مع دخول ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان دائرة الحكم في الرياض.
وترى ديكينسون أنّ "لا أحد باستثناء هؤلاء الذين كانوا في الغرفة نفسها يدركون طبيعة العلاقة بين الطرفين، لكن يمكن تخيل أنّه كانت هناك محادثات صعبة في الأسابيع الماضية".
جريدة الشرق القطرية