العالم - ايران
وما نناقشه هنا، ليس هذه القناعة، فهي راسخة، وإن كان معسكر المقاومة ليس من طلاب الحرب أو الساعين لها، وإنما يعلم تماما أنها مفروضة وهو في حالة جهوزية وإعداد دائم لها، وإنما ما نحاول مناقشته هنا، هو هل حان وقت هذه الحرب؟ وهل التصعيد الذي نراه بالمنطقة هو بمنزلة دق لطبولها؟
لعل من الملائم اولا، استعراض جوانب التصعيد، ثم محاولة استقراء الصورة وملابساتها لمحاولة الخروج بتقدير موضوعي للموقف.
وعن شواهد التصعيد، فإنه يمكن رصد ما يلي:
1ـ تكثيف الحصار على إيران واستفزازها للدرجة القصوى، ومحاولة إجبارها على عمل عسكري مثل غلق مضيق هرمز.
2ـ فبركة التقارير التي تقول إن إيران تحضر لهجمات على أمريكا والدفع بحاملة طائرات وقاذفات B52.
3ـ زيارة بومبيو المفاجئة للعراق مع ما صاحبها من تصرفات دراماتيكية بقطع زيارة هامة لبرلين وما صاحبها أيضا من إعلان مايكل بومبيو عن تقارير تفيد بهجوم وشيك على القوات الأمريكية في العراق من ايران وحلفائها!
4ـ إعلان نتنياهو عن التصعيد مع إيران والتوعد بعدم السماح لها بامتلاك أسلحة نووية!
هذه الشواهد مع اقتراب اعلان (صفقة القرن) تضفي وجاهة على احتمالات العدوان، ولكنها وبتحليلها فإنها تظهر تناقضات تجعل من احتمالات الحرب ضعيفة للغاية، وذلك كما يلي:
أولا: هناك تناقض بين تعميق الحصار واتخاذ قرار الحرب، فلو أن أمريكا حزمت أمرها واتخذت قرارا متهورا بالحرب، لما سعت للحظة الأخيرة لخنق الاقتصاد الإيراني وحصاره، باعتبار أن هذه السياسة هي البديلة للحرب بسبب صعوبة الحرب وخطورتها وعدم ضمان نتائجها وتداعياتها.
ويتضح هذا ايضا من كلمات ترامب، حيث قال بعد إصداره مرسوما تنفيذيا يفرض بموجبه عقوبات جديدة على إيران، تستهدف قطاع المعادن للجمهورية الإسلامية، إنه يتطلع إلى إجراء لقاء مع القيادة الإيرانية من أجل وضع اتفاق جديد حول برنامج إيران النووي، سيستبدل خطة العمل الشاملة المشتركة.
ودعا ترامب النظام الإيراني إلى “التخلي عن طموحاته النووية وتغيير تصرفاته الضارة واحترام حقوق شعبه والعودة إلى طاولة المفاوضات على أساس حسن النية”!
ثانيا: قرار إرسال حاملة الطائرات ابراهام لنكولن والوجود العسكري بالخليج الفارسي، كان مرفقا في مضمونه بالتهدئة وعدم التصعيد، حيث قال مستشار الأمن القومي جون بولتون عن التحرك العسكري من جانب الولايات المتحدة رداً على التهديدات الإيرانية المزعومة، ما يلي نصا:
“التحرك جاء استجابةً لعدد من المؤشرات والتحذيرات المقلقة والمتصاعدة ، تقوم الولايات المتحدة بنشر مجموعة حاملة الطائرات الأمريكية أبراهام لينكولن سترايك ومجموعة مهمة الانتحاريين في منطقة القيادة المركزية الأمريكية لإرسال رسالة واضحة لا لبس فيها إلى النظام الإيراني أن أي هجوم على مصالح الولايات المتحدة أو على مصالح حلفائنا سيقابل بقوة لا هوادة فيها. لا تسعى الولايات المتحدة إلى شن حرب مع النظام الإيراني، لكننا على استعداد تام للرد على أي هجوم، سواء بالوكالة أو من فيلق الحرس الثوري الإسلامي أو القوات الإيرانية النظامية.”
وهي تصريحات كما نرى أقرب للتصريحات الدفاعية.
ثالثا: تزامنت زيارة بومبيو للعراق مع أنباء أن العراق يقترب من توقيع اتفاقية بقيمة 53 مليار دولار مع شركة إكسون موبيل وبتروتشاينا لتطوير حقول نفط في جنوب العراق، وقال بومبيو إن مثل هذه الصفقات “مهمة للعراق. إنها صفقات طاقة كبيرة يمكنها فصله عن الطاقة الإيرانية”.
وهو ما يشي بأن هدف الزيارة الرئيسي هو محاولة تعميق الحصار الاقتصادي على إيران والضغط على العراق ليكون طرفا في هذا الحصار، وهو ما يصب في استمرار سياسة أمريكا البديلة عن الحرب العسكرية، ولو أن هناك حربا في الأفق لكانت الزيارة مختلفة ولاتضح بها الجانب العسكري ولشملت مسؤولا عسكريا كبيرا.
رابعا: تصريحات بنيامين نتنياهو المعادية لا تنفصل عن جبهته الداخلية وتشكيل حكومته اليمينية، وليس أمثال نتنياهو ممن فشلوا في تجنب سقوط صواريخ بدائية على الأراضي التي يحتلها، هو من يقود حربا على دولة كبيرة مثل ايران، ومعسكر كبير متعدد الجبهات مثل معسكر المقاومة.
لا شك أن تهديدات أمريكا و(اسرائيل) والضعف الأوروبي الذي قاد الدول الموقعة على الاتفاق النووي إلى التلكؤ في تطبيق التزاماتها، لم تفلح في انتزاع التنازلات من ايران ومحور المقاومة، فقد صرحت الخارجية الإيرانية، بعد ساعة من إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، فرض حزمة جديدة من العقوبات على الجمهورية الإسلامية، بأنها تنوي الانسحاب من الاتفاق النووي على مراحل.
وأوضح نائب وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي أن إدراج الانسحاب من الاتفاق على مراحل، لا يمثل نقض الاتفاق النووي، وأضاف أن القرار يعني الاستفادة من أدوات داخل الصفقة لتوفير مصالح إيران ولا يعني ذلك الخروج الحتمي منها.
وبالتالي فإن ايران والمقاومة لم يتخليا عن الثوابت، وكذلك لم يتخليا عن الحكمة والهدوء والصبر الاستراتيجي.
إن تحليل الشواهد يقول إننا أمام دبلوماسية قسرية عسكرية، وأمام تفاوض عبر حاملة الطائرات وقاذفات B52، وليس تفاوض على الطاولة، وإنه استباق لإعلان الصفقة المزعومة ومحاولة قطع الطريق على المقاومة لمواجهة الصفقة، وإشغالها وبث اليأس في صفوف المقاومة الفلسطينية، وإرضاء اعداء ايران بالمنطقة للتجاوب وإمرار الصفقة، وإن أمريكا ربما مستمرة في قراءتها الخاطئة لصبر المقاومة، ورهاناتها الخاطئة على ثورة شعبية بفعل الضغط الاقتصادي، وهو ما يجب تصحيحه في الفكر الاستراتيجي الأمريكي المستسلم للمتطرفين من أمثال جون بولتون وتاجر النفط مايكل بومبيو، وقد تخرج الأمور عن السيطرة لأن التفاوض بوجود قوات عسكرية وغلق جميع السبل السياسية، قد ينجم عنه خطأ صغير يقود إلى حرب كبرى، ستكون أمريكا وحلفاؤها أول النادمين عليها، وربما سيكون إعلانا رسميا لنهاية حقبة الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط.
إيهاب شوقي - العهد