العالم - تقارير
يقول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي لا زال متمسكا بمتابعة ملف خاشقجي، إن أنقرة لن تطمئن حتى يعلن عن الجهة التي أمرت بقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، معتبرا أن هذا من مصلحة السعودية، كما رفض تشكيك ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في وقوع الجريمة.
وأكد أردوغان أنه يرفض قول ولي العهد السعودي بأنه لا يمكن اتهام أحد بجريمة قتل خاشقجي بدعوى أنه لم يثبت وقوع الجريمة أصلا.
وأضاف الرئيس التركي "على الرغم من أن المسؤولين السعوديين اعترفوا بمجيء 15 شخصا من السعودية إلى إسطنبول بطائرتين، وأن ما حصل كانت عملية مخططا لها، إلا أننا نراهم اليوم يتراجعون عن اعترافهم الأول".
وأوضح أردوغان في كلمته التي جاءت بعد لقاء مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب على هامشق قمة العشرين في الارجنتين أن السعودية لم تسلّم تركيا أي معلومة عن مصير الجثة، مذكّرا بأن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير تحدث في البداية عن متعاون محلي، وعندما طلبت تركيا الكشف عن هويته لم تتلق أجوبة.
وتابع "للأسف، لم يحصل مكتب المدعي العام بإسطنبول على محاضر التحقيق مع المشتبه بهم الذين يتم استجوابهم في السعودية. إن محاكمتهم في تركيا ستكون مفيدةً لإزالة استفهامات المجتمع الدولي. لا يمكن للعالم الإسلامي أو المجتمع الدولي أن يهنأ له بال أو يقر له قرار قبل الكشف عن جميع المتورطين. من أمر منهم ومن نفذ هذه الجريمة المروعة".
وأضاف أردوغان أن رئيس الوزراء الكندي طرح موضوع مقتل خاشقجي على إبن سلمان وأجابه "جوابا لا أصدقه"، مؤكدا أنه من "اللحظة الأولى التي علمنا فيها بالجريمة حشدنا جميع طاقاتنا من أجل الكشف عن ملابساتها".
وفي احدث تصريحات له، قال أردوغان إنه لو سنحت له الفرصة لكي يرد على ولي العهد السعودي في قمة العشرين، لواجهه بجميع الأدلة بشأن مقتل خاشقجي، وذلك بعدما شكك الأخير في وقوع الجريمة.
وأضاف أردوغان في حديث لإعلاميين أتراك أثناء رحلته إلى فنزويلا أن بلاده تكرر السؤال للسعودية بشأن من أصدر الأمر بقتل خاشقجي، وعن مكان جثته، وعن المتعاون المحلي الذي تقول الرياض إنه أخفاها.
وأشار إلى أن تكتم فريق الاغتيال عن معلومات بشأن الجريمة هدفه حماية هوية من أصدر الأوامر، متعهدا بمواصلة متابعة قضية خاشقجي، ومؤكدا أنه إذا لزم الأمر سيلجأ إلى الأمم المتحدة لتحريك القضاء الدولي بشأنها.
وأوضح الرئيس التركي أن أنقرة تنتظر نتائج التفتيش في أماكن بمدينة يالوا جنوبي إسطنبول، مشيرا إلى أن التفتيش قد يصل إلى أماكن أخرى.
ويرى المحللون، إن التصريحات الأخيرة لأردوغان تعكس حالة الانزعاج والغضب لدى السلطات التركية بعدما تحاشى المجتمعون في قمة العشرين بالأرجنتين التطرق إلى قضية خاشقجي بشكل واضح. ويعزى الغضب التركي أيضا إلى تصريحات ولي العهد السعودي التي شكك من خلالها في وقوع الجريمة لعدم وجود أدلة على ذلك، كما قال.
رسائل خاشقجي الخاصة عبر WhatsApp
وفي كتاباته العلنية، كان يقاس انتقاد الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، للمملكة العربية السعودية، وعلى المستوى الخاص لم يتراجع أيضا كاتب المقال بصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية عن الأمر.
ففي أكثر من 400 رسالة عبر تطبيق التراسل الفوري WhatsApp أرسل خاشقجي لزميل سعودي له في المنفى خلال مدة سنة سبقت مقتله بالقنصلية السعودية في اسطنبول، وحصلت شبكة CNN بصورة حصرية على المراسلات التي أجراها والناشط "عمر عبد العزيز المقيم" حاليا في مونتريال بكندا.
الرسائل التي يشاركها عبدالعزيز، والتي تشمل التسجيلات الصوتية والصور ومقاطع الفيديو، ترسم صورة لرجل يشعر بقلق عميق من محمد بن سلمان في المملكة.
يقول خاشقجي في إحدى الرسائل التي يعود تاريخها إلى مايو/ أيار، بعد أن تم اعتقال مجموعة من النشطاء السعوديين: "كلما زاد عدد الضحايا .....كلما أراد أكثر". وأضاف الصحفي القتيل: "لن أفاجأ إذا كان الاضطهاد سيصل حتى إلى أولئك الذين يبتهجون به".
ويقول زميل خاشقجي "عبدالعزيز" : "أعتقد جمال أن محمد بن سلمان هو القضية. المشكلة هي أنه يجب وقف هذا الطفل"، وفقا لنص حديثه.
لكن في أغسطس/ آب، عندما اعتقد أن السلطات السعودية قد تعترض سبيل محادثاتهما، فكتب خاشقجي: "الله يساعدنا".
دعوى قضائية ضد الشركة الاسرائيلية التي اخترقت هاتف عبدالعزيز
هذا ويقيم "عبدالعزيز" الآن دعوى قضائية ضد شركة إسرائيلية مختصة بالبرمجيات، والتي يعتقد أنها كانت تستخدم لاختراق هاتفه. ويقول إن "قرصنة هاتفي لعبت دورا كبيرا فيما حدث لجمال. أنا آسف حقا لهذا القول". ليضيف بعدها: "الذنب يقتلني".
بدأ "عبدالعزيز" بالتحدث ضد النظام السعودي كطالب جامعي في كندا، حيث وجه انتقاداته لسياسات الحكومة، وهو الأمر الذي لفت انتباه الدولة السعودية، التي ألغت منحة الجامعة الخاصة به. بينما منحته كندا اللجوء في عام 2014 وجعلته مقيمًا دائمًا بعد 3 سنوات.
تشكيل "جيش الكتروني" ضد السعودية
في التبادلات اليومية تقريباً بين أكتوبر/ تشرين الأول 2017 وأغسطس/ آب 2018، خطط خاشقجي وعبدالعزيز لتشكيل "جيش إلكتروني" بهدف "إشراك الشباب السعودي في الوطن وفضح الدعاية الحكومية على وسائل الإعلام الاجتماعية"، وذلك من خلال الاستفادة من مكانة خاشقجي وقوة "عبدالعزيز" البالغ من العمر 27 عاما، وعدد متابعيه يصل إلى نحو 340 ألف متابع.
وقد ظهر الهجوم الرقمي، الذي أطلق عليه اسم "النحل السيبراني"، من خلال مناقشات سابقة حول إنشاء بوابة لـ"توثيق انتهاكات حقوق الإنسان" في وطنهم، وكذلك مبادرة لإنتاج أفلام قصيرة تنشر عبر الهواتف المحمولة.
ويوضح "عبدالعزيز": "ليس لدينا برلمان، بل لدينا تويتر فقط"، مضيفا أن "تويتر هو أيضا أقوى سلاح للحكومة السعودية".
ويتابع: "تويتر هو الأداة الوحيدة التي يستخدمونها للقتال ونشر شائعاتهم. لقد تعرضنا للهجوم، تعرضنا للإهانة، تعرضنا للتهديد مرات عديدة، وقررنا القيام بشيء ما".
وأضاف "عبدالعزيز" إنه تلقى رسالة من السعودية مفادها أن المسؤولين الحكوميين كانوا على علم بمشروعهما على الإنترنت. ومرر تلك الأخبار إلى خاشقجي.
"كيف عرفوا؟".. يسأل خاشقجي في رسالة.
يقول عبد العزيز: "يجب أن تكون هناك ثغرة".
تمر ثلاث دقائق قبل أن يكتب خاشقجي: "الله يساعدنا".
تم اختراق الهاتف من قبل برامج التجسس من الدرجة العسكرية
تحدث "عبدالعزيز" لأول مرة علنا عن اتصاله مع خاشقجي الشهر الماضي بعد أن ذكر باحثون في Citizen Lab بجامعة تورونتو أن هاتفه قد تم اختراقه من قبل برامج التجسس من الدرجة العسكرية.
ووفقًا لبيل ماركزاك، وهو زميل أبحاث في Citizen Lab، فإن البرنامج كان يخص شركة إسرائيلية تحمل اسم NSO Group، وتم نشره بإيعاز من الحكومة السعودية.
وقال ماركزاك إن "اثنين على الأقل من المعارضين السعوديين قد استُهدفا باستخدام أدوات منظمة الأمن القومي: ناشط يدعى يحيى عسيري وموظف شارك في عمل بمنظمة العفو الدولية في المملكة العربية السعودية".
وقالت دانا إنغلتون، نائب مدير برنامج منظمة العفو الدولية، إن "خبراء التكنولوجيا درسوا هاتف الموظف، وأكدوا أنه مستهدف ببرامج التجسس".
هذا الأسبوع، جاء اسم عبدالعزيز ضمن دعوى قضائية رفعت بالفعل في "إسرائيل" وقبرص. وتزعم الدعوى، التي رفعها المواطنون في المكسيك وقطر في الأصل، أن منظمة NSO قد خرقت القوانين الدولية عن طريق بيع برمجياتها إلى "أنظمة قمعية"، مع علمها أنه يمكن استخدامها في "انتهاك" حقوق الإنسان.
يقول خاشقجي عن الأمير محمد بن سلمان: "إنه يحب القوة والظلم ويحتاج إلى إظهارهما، لكن الاستبداد لا منطق له".
وفي إشارة إلى مدى علمهما بالحالة الأمنية المحيطة بهما وهما في المنفى، فقد كان خاشقجي وعبدالعزيز يتنقلان جيئة وذهابا بين المكالمات الهاتفية والرسائل الصوتية والدردشات على الـWhatsApp وغيرها من المنصات المشفرة.
وكما كان تخمين خاشقجي بشأن مستقبل الأمير محمد بن سلمان، كان عبد العزيز بالفعل يقع تحت نظر ولي العهد السعودي، وكان على وشك الحصول على زيارة برسالة مباشرة من الأعلى.
رسالة من محمد بن سلمان
في مايو/ أيار الماضي، قال "عبد العزيز" إن اثنين من مبعوثي الحكومة السعودية طلبا الاجتماع معه في مونتريال. ووافق على ذلك وقال إنه سجل سرا 10 ساعات من محادثاتهما على مدار إقامتهما التي استمرت 5 أيام. وقد شاركها مع CNN.
يتحدث الرجلان بالعربية، ويشار إليهما فقط باسم عبدالله ومالك، ويخبراه بأنهم قد أرسلا بناء على أوامر من ولي العهد نفسه، متجاوزين القنوات المعتادة مثل وزارة الداخلية.
يراه الأمير محمد بن سلمان على موقع تويتر، كما يقول، ويريد أن يعرض عليه وظيفة.
"لقد جئنا إليك برسالة من محمد بن سلمان وتأكيده لك".. يقول أحدهما.
بشكل مثير للإعجاب، ذكر الرجلان أيضاً اسم سعود القحطاني، المستشار بالديوان الملكي السابق، الذي تمت الإطاحة به والتحقيق معه في السعودية، وسط مزاعم من تركيا بأنه العقل المدبر لعملية قتل خاشقجي.
يقول رجل آخر: "إذا سمع سعود القحطاني نفسه اسمك، فسوف يعرف، ويمكنك مقابلة الأمير محمد مباشرة".
ثم يوصي الرجلان "عبدالعزيز" بزيارة السفارة السعودية لاستلام بعض الأوراق.
بشكل مؤثر، يقول "عبد العزيز" إنه من المحتمل أن تكون نصيحة خاشقجي هي التي أنقذت حياته، موضحا: "أخبرني ألا أذهب؛ فقط ألتقي بهم في الأماكن العامة".
في 2 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، فعل خاشقجي عكس ذلك. كانت هذه هي آخر مرة قام فيها بفحص رسائل WhatsApp الخاصة به.