العالم _ مقالات وتحليلات
مطلع كانون الأول القادم من المقرر أن يبدأ الدبلوماسي النرويجي، غير بيدرسون، مبعوثاً أممياً خاصاً جديداً إلى سوريا، خلفاً للدبلوماسي السويدي ستيفان دي ميستورا، إلا أن خلافة دي ميسورا لا تعني السير على خطاه بل على المبعوث الأممي الجديد أن يدرك أخطاء سلفه ويبتعد عنها فلا يقع في شراك الطرق الملتوية التي سار بها.
تناقلت وسائل الإعلام البيانات الشخصية للمبعوث الأممي الجديد، المولود في أوسلو عام 1955، وقد عُين سفيراً للنرويج لدى الصين في 9 حزيران 2017، وكان في وقت سابق، الممثل الدائم للنرويج لدى الأمم المتحدة في نيويورك، بين 2012 و2017، وشغل قبل ذلك منصب المدير العام لإدارة الأمم المتحدة والسلام والشؤون الإنسانية، في وزارة الخارجية النرويجية.
كذلك خدم بيدرسن كمنسق خاص للبنان على مستوى وكيل الأمين العام للأمم المتحدة بين 2005 و2008، وبين 1998 و2003، شغل بيدرسون، منصب ممثل النرويج لدى السلطة الفلسطينية.
وأعلن المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، في وقت سابق، نيته الاستقالة عن منصبه، نهاية شهر تشرين الثاني الجاري، لينهي بذلك أربعة أعوام من عمله على خط الحل السياسي للأزمة السورية، التي حملت الكثير من الملاحظات على عمل الدبلوماسي السويدي، وجعلت منه شخصاً غير مقنع وغير مرغوب فيه، وتحول إلى معوق للحل أكثر منه ميسر له، حتى انتهى الأمر بإعلان الاستقالة.
وانطلاقاً من الخشية من إخفاق مهمة المبعوث الأممي الجديد، ومن الحرص على نجاحه في دوره كميسر للحل السياسي للأزمة السورية، لا بد أن نمارس دورنا كصحفيين متابعين للحدث وأن نقدم له مجموعة من النصائح التي ربما تساعده في تجاوز الكثير من المعوقات التي قد تعترض طريقه وتعينه على النجاح في مهمته الأممية.
أولاً، على المبعوث الأممي الجديد أن يدرك أن نجاحه مرتبط بشكل مباشر برضى الدولة السورية عن عمله خصوصاً أن لدمشق الدور الأكبر في الموافقة على تعيينه، فهي الطرف الرئيس الذي سيتعامل معه خلال مهمته ومن ثم عليه أن يقدم خطوات بناء ثقة نحو دمشق تجعل منه شخصاً مقبولاً ويمكن التعامل معه.
ثانياً، على المبعوث الجديد أن يكون مدركاً لطبيعة الوضع الحالي للأزمة السورية وأنها اختلفت عن عهد سابقه، بعد الانتصارات التي حققها الجيش العربي السوري والقوات الحليفة على التنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة في مختلف المناطق السورية، وأن يكون مدركاً لحقيقة أن الدولة السورية هي من تمتلك مفاتيح الحل والربط في الأزمة السورية وليس لها شريك في ذلك.
ثالثاً، من أجل إيجاد حل سياسي للأزمة جرت العديد من الاجتماعات الدولية في جنيف وسوتشي وأستانا وأخيراً جهود تشكيل اللجنة الدستورية التي انبثقت فكرتها عن اجتماع سوتشي الذي ضم شرائح من الشعب السوري وشكل حواراً سورياً سورياً، وكل تلك الاجتماعات السابقة شاركت فيها الدولة السورية بحثاً عن حل للأزمة، إلا أن اجتماع جنيف بات بحكم الميت سريرياً، وستكون محاولة إعادته للحياة من المبعوث الأممي الجديد بمنزلة ضياع للوقت، وانحرافا عن المهمة الأصلية في البحث عن الأدوات الفعالة التي تمكن من المضي قدماً في الحل السياسي للأزمة السورية.
رابعاً، على المبعوث الأممي الجديد أن يتذكر دائماً أن دوره كوسيط في البحث عن حل سياسي للأزمة السورية، وألا يكرر خطأ سلفه دي ميستورا بأن يتحول إلى طرف في الأزمة، ومن ثم يصبح غير مقبول ويضع مهمته على حافة هاوية الفشل.
خامساً، يجب بل لا بد على المبعوث الجديد أن يقتنع بل يؤمن بأن الدولة السورية جادة وماضية بتحقيق هدفها الرئيس إلا وهو الحفاظ على وحدة وسيادة واستقلال سوريا، وأن يأخذ العبرة من الانتصارات التي حققتها سوريا على الإرهاب وداعميه حتى الآن بغية تحقيق هذا الهدف، ومن ثم عليه أن ينطلق من هذه الخلفية في ممارسة مهامه، بحيث إن كل ما يجعل مهمته تحيد عن تحقيق هذا الهدف يعرضه للفشل.
سادساً، حاول المبعوث الأممي السابق إلى سوريا، أن يقوم بتشكيل قائمة ممثلي المجتمع الأهلي في اللجنة الدستورية والمكونة من 50 اسماً واضعاً نفسه والأمم المتحدة على قدم المساواة مع الدولة السورية الأمر الذي رفضته سوريا وأكدت أن الدستور شأن سيادي وطني يجب أن يلبي طموحات الشعب السوري من دون أي تدخل خارجي، وهذا ما على المبعوث الجديد أن يعلمه بدقة وألّا يزج بنفسه في الشأن السيادي الوطني لسوريا.
سابعاً، أكدت الدولة السورية مراراً وتكراراً أن القرار فيما يتعلق بالحل السياسي للأزمة هو سوري سوري، وأنها لن تسمح لأحد بالتدخل في شأنها الوطني، وهذا الأمر وغيره خطوط حمراء تجاوزه يحكم بالفشل على عمل المبعوث الأممي الجديد، فلم يعد للبعد الخارجي دور ملموس رئيسي ومباشر في الأزمة السورية بل تحول الدور الخارجي إلى دور ثانوي مرتبط بتفرعات الأزمة السورية.
ثامناً، يجب على المبعوث الأممي الجديد أن يشير في أول إحاطة له حول مهمته في مجلس الأمن الدولي، إلى أن وجود جيش الاحتلال التركي في شمالي سورية، ووجود قوات «التحالف الدولي» اللاشرعية في شرقي وشمالي شرقي سوريا، تعوق إمكانية الوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية.
تاسعاً، أن دي ميستورا أقر في السابق بوجود أكثر من 10 آلاف إرهابي في شمالي البلاد وأن هؤلاء يجب أن يخرجوا من المنطقة حتى يتثنى التوصل إلى حل سياسي فيها، وعلى المبعوث الأممي الجديد أن يعود ليؤكد الأمر ذاته.
عاشراً، عملت الدولة السورية منذ بدء الأزمة على إيلاء الأولوية للحل السياسي عبر اعتماد نموذج المصالحات والتسويات وما زالت حتى الآن تسير على هذا المبدأ، إلا أنها تعود وتذكر دائماً أن الجيش العربي السوري والقوات الرديفة والحليفة مستعدة للذهاب باتجاه الحل العسكري، ومن ثم على المبعوث الأممي الجديد أن يدرك أن الوقت ليس لمصلحته وأن يقنع الطرف الآخر بالذهاب إلى التسوية والمصالح وإلا فستكون نهايته على يد الجيش بعملية عسكرية على غرار سابقاتها في باقي المناطق السورية.
أخيراً، لا بد أن المبعوث الأممي الجديد سيتعرض للكثير من الضغوط الغربية من داعمي المعارضة وراعي تنظيماتها المسلحة، وحتى قد يتعرض لضغوط من المنظمة الأممية تدفعه إلى أن يحيد عن مهمته الأساسية كميسر لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية، إلا أن عليه أن يتأكد ومن خلال تجربة سلفه دي ميستورا أن النصائح العشر السابقة قد تقوده في حال الأخذ بها إلى تحقيق إنجاز لم يسبقه إليه أحد، وأن يتأكد في الوقت ذاته أن عدم لحظ ما تم ذكره في النصائح السابقة سيعوق عمله ويكتب لمهمته الفشل.
الوطن