العالم - مقالات وتحليلات
اذا اردنا ان نرى سوريا من منظور عام فهي بلد منهك يخرج من حرب مدمرة اتت على كل شيء، خصوصا ان هذه الدولة المتوسطة الحجم نوعا ما، نسبة كبيرة من سكانها قد هاجروا منها لعدة اسباب، ولفضل الله عليها فان النسبة الاكبر من سكانها هم من شريحة الشباب اي من ستعول عليهم في مرحلة اعادة الاعمار بعد مرحلة شديدة المرارة من الدمار.
اولا - اذا ارادت سوريا اعادة اعمار نفسها بنفسها اي بشبابها يجب اولا ان تستقدم من هم في الخارج وتقدم لهم تسهيلات العودة خصوصا الذين هاجروا الى اوروبا واكتسبوا خبرات عملية ومهنية وعقلية كبيرة من القارة المتقدمة، وهذه التسهيلات من الضروري ان تعيد الثقة بين الحكومة والمواطن، اهمها مسألة الخدمة العسكرية، اليس من الضروري تخفيض مبلغ البدل النقدي للخدمة من 8 الاف دولار، خصوصا ان معظم من هاجر لا يمتلك هذا المبلغ الذي يشكل في سوريا مبلغا مهما في تأسيس الحياة لاي شاب. على سبيل المثال هناك زملاء كثر في مجال الصحافة والاعلام في المغترب لا يملكون هذا المبلغ الذي قد يكون تافها وبسيطا لدى البعض، ولكن لدى الاخرين هو ثروة وشقى العمر في المغترب. ومن بعدها من الضروري فتح صفحة جديدة بين المغترب والدولة خصوصا الذين يتخوفون من العودة لاسباب امنية، لا انكر ان دمشق تعمل على ذلك ولكن يجب ان تكون هناك خطوات ملموسة ليشعر بها المغترب، فلن يقبل الشاب ان يعود الى بلده ويقوم مسؤول او ابن احد المسؤولين بتوجيه الاتهامات له والتهديدات.
ثانيا - من الضروري اعادة بناء الثقة بين الصناعيين والتجار الذين هجروا البلاد اثناء الحرب، وان يتم التأكيد لهم بان اموالهم لن تذهب الى جيب فلان والحساب البنكي لدى فلان، وبان البلاد قد دخلت مرحلة جديدة على راسها انهاء ملف الفساد ومحاربته من الاعلى الى الاسفل اي ما نسميه في الاعلام “الهرم المقلوب” البداية بالاهم والاكبر مركزا وشئنا والانتهاء بما هو ادنى من ذلك.
ثالثا - اذا اردنا اعادة الاعمار يجب ان نحافظ على من هم في الداخل من شريحة الشباب ولا يصدر ضدهم قرارات تجعلهم يحلمون بالهجرة، مثلا قبل ايام كان هناك قرار حول ما يسمى بالتكميلية، لطلاب الجامعات وتم الغاء هذا الفصل، بحجة ان الحرب قد انتهت. وفعليا الحرب انتهت ولكن لا ننسى ان الطلاب قد قدموا الامتحانات اثناء فترة الحرب خصوصا في العاصمة وريفها او ريف حمص، وهو ما يجعلهم يشعرون بالظلم لالغاء هذا الفصل الذي كان من الممكن ان يساعدهم لانهم درسوا في ظل الحرب. اضافة الى ان عددا كبيرا منهم يستطيع ان يخدم البلد بغير مجال الجيش، فلماذا لا يكون هناك قرار البدل العسكري الداخلي يستطيع فيه المواطن دفع البدل وهو يعمل ويساعد البلد من موقعه العلمي او المهني.
رابعا - اعادة الطمأنينة الى الشارع السوري خصوصا في ظل الانفلات الامني من قبل ما يسمى باللجان الشعبية في حلب ودمشق والمحافظات التي عاد اليها الامن والامان، مثلا قبل ايام استشهد ضابط في الامن الجنائي في مدينة حلب نتيجة اشتباكات مع اللجان الشعبية التي كانت قد حاولت خطف فتاة والاعتداء عليها، وهو حادث من حوادث كثيرة وقعت في المدن السورية، وطبعا من هذا الضابط وغيره المئات ممن استشهدوا على ايدي اللجان الشعبية ليسوا اقل ممن استشهدوا في المعارك امام “داعش” و”النصرة”.
نحن الان امام مرحلة مهمة ومفصلية لسوريا بعد مرحلة دمرت البشر والشجر والحجر، واتت على التاريخ والحاضر، ولكن يبقى هناك المستقبل لنحميه وندافع عنه، لان الماضي كتب والحاضر يكتب والمستقبل سنكتبه ونأمل ان نكتبه بنجاح وليس بدماء جديدة.
ابراهيم شير
كاتب واعلامي سوري