جاء ذلك بحسب قراءة اقتصادية للبيانات الرسمية المتمثلة بالمجموعة الإحصائية 2017 التي نشرها المكتب المركزي للإحصاء مؤخراً، علماً بأن صافي التحويلات الجارية الخارجية يمثل الفرق بين التحويلات الداخلة إلى سورية من دول العالم، والخارجة منها، وتضم تحويلات المغتربين وتحويلات رأس المال عبر الأقنية الرسمية، وهو المكون الأكبر، إلى جانب بعض التحويلات الأخرى مثل المساعدات والمنح.
أما بتحويل مبالغ التحويلات إلى الدولار الأميركي؛ فتختلف الصورة بشكل ملحوظ، إذ بلغ صافي التحويلات في عام 2016 نحو 2.37 مليار دولار أميركي (على أساس وسطي سعر صرف رسمي بنحو 455 ليرة للدولار)، بوسطي يومي نحو 6.5 ملايين دولار أميركي، في حين بلغ صافي التحويلات 1.22 مليار دولار أميركي، بوسطي يومي نحو 3.3 ملايين دولار أميركي، أي بزيادة نحو الضعف فقط، وبالتالي يظهر أثر انخفاض قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأميركي في تضاعف قيمة التحويلات بالليرة.
إلا أن اللافت في الأمر ليس تضاعف رقم التحويلات الخارجية التي يتصدرها تحويلات المغتربين، بل ارتفاع نسبة مساهمتها في الدخل القومي من 1.9% عام 2011 إلى 19% عام 2016، وهو رقم كبير، ويفوق مساهمة الصناعة السورية في إجمالي الناتج المحلي (18% عام 2016)، وهذا يكشف مدى اعتماد السوريين على التحويلات الخارجية في تمويل متطلبات حياتهم الاستهلاكية اليومية، علماً بأن الرقم الحقيقي للدخل القومي وللتحويلات يفوق الأرقام الرسمية، نظراً لوجود نشاط ملحوظ للتحويل النقدي عبر الأقنية غير الرسمية، عبر صيارفة غير مرخصين، وباستخدام تطبيقات الموبايل «واتس آب» و«فايبر»، إضافة إلى صحبة المسافرين لأهاليهم ومعارفهم، وإلى أنشطة اقتصاد الظل والنشاط الاقتصادي الأهلي غير المسجل.
مقارنات
بالمقارنة مع أرقام الموازنة العامة للدولة لعام 2016 التي بلغت 1980 مليار ليرة (منها 973.25 مليار ليرة للدعم الاجتماعي) يلاحظ أن صافي التحويلات الخارجية يعادل نحو 110.6% لإجمالي مبالغ الدعم الاجتماعي، أي زاد صافي التحويلات بنحو 11% عن الدعم الاجتماعي المفترض الذي تلقاه المواطنون من الحكومة خلال 2016 في جميع مجالات إنفاق الدعم المخططة في الموازنة العامة للدولة.
يشير ذلك إلى أن التحويلات الخارجية، وخاصة تحويلات المغتربين؛ تشكل مصدر دخل مهماً للأسر خلال الحرب، وقد ساهم في نمو التحويلات باتجاه سوريا؛ زيادة أعداد المغتربين والمهاجرين في مختلف دول العالم بسبب تداعيات الحرب.
في المقابل، فإن تقديرات البنك الدولي لتحويلات المغتربين باتجاه سوريا في عام 2016 بلغ نحو 1.62 مليار دولار أميركي، أي نحو 737 مليار ليرة سورية على أساس سعر صرف 455 ليرة للدولار الأميركي، أي بمعدل وسطي قدره 4.5 ملايين دولار يومياً، وهو الرقم ذاته الذي يستخدمه البنك الدولي منذ عام 2010، وحافظ عليه دون تغيير حتى عام 2017.
الاستفادة من التحويلات
لفت مركز دمشق للأبحاث والدراسات «مداد» في دراسة سابقة عن الآثار الاقتصادية لتحويلات المغتربين؛ إلى إمكانية تعزيز مشاريع التنمية على نطاق أوسع، بالاعتماد على التحويلات، حيث رأى بإمكانية أن تنظر الحكومة في وضع آليات مبتكرة، لذلك فعلى سبيل المثال، يمكن بيع سندات للمغتربين، تضمن حصولهم على معدل عائدات معقولة، وإتاحة الحصيلة في الوقت نفسه لتمويل المشاريع الإنمائية.
ومن الطرق الأخرى لزيادة إمكانات استثمار التحويلات؛ استخدامها من أجل تقليل تكلفة الاقتراض، لأن الحكومة يمكنها استخدام المتحصلات كضمان، لذا يمكن أن تعمل التحويلات على أنها هي تلك المتحصلات.
وأشارت دراسة «مداد» إلى بعض السياسات العامة للتشجيع على استثمار التحويلات، مثل تيسير الخدمات المصرفية والتدريب المالي الأساس للأسر المتلقية للتحويلات، وتشجيع التحويلات للأغراض الإنمائية، واستخدام التحويلات كضمان لتقليل تكاليف الاقتراض.. إلا أن تحقيق ذلك مشروط بعدم اعتماد الحكومة السورية على التحويلات كمسوغ للسياسة التقشفية، من دون إطلاق برامج إنعاش اجتماعي طارئة على مستوى القطر، مع ضرورة تجاوب السياسة النقدية مع ضرورة استقطاب أكبر نسبة ممكنة من التحويلات عبر الطرق الرسمية، وتوخي الحذر حيال فرض أي ضريبة على الحوالات، وتصميم مسح خاص بالتحويلات ومكوناتها في سورية لتوفير مؤشرات داعمة للقرار الحكومي، على أساس العدالة في تأثيره الاجتماعي.