العالم - مقالات وتحليلات
لم يخرج عن قمة هلسنكي وعن المؤتمر الصحافي التقليدي مفاجآت غير متوقعة بشأن موضوعات المباحثات التي تناولها الرئيسان الروسي والأميركي في أول قمة بينهما وُصفت بأنها قمة تاريخية وقد يكون هذا التوصيف دلالة على تغيير مقاربة ترامب من العدائية التقليدية الغريزية لروسيا إلى إمكانية التعاون بينهما في الملفات القابلة للتعاون من دون مواقف وأحكام مسبقَة. فالبلدان هما أكبر قوتين نوويتين وليس من الجيّد أن يكون بينهما خلافات، بحسب ما يراه ترامب.
الحملة العاصفة التي سبقت القمة ورافقتها، تكشف أن ترامب يرمي حجراً في مستنقع آسن بات عبئاً ثقيلاً على أزمات الولايات المتحدة التي تتهاوى عن مركز الصدارة في التوازنات الدولية بالمقارنة مع صعود قوى جديدة كالصين وغيرها. فأعضاء الحزب الديمقراطي الذين اتهموا ترامب بتقديم هدية مجانية إلى بوتين، لم يكشفوا عما وصفوه بأنه تنازلات سوى رفضهم لاستئناف الحوار الذي أوقفه باراك أوباما مع روسيا في العام 2014.
الصحافة الأميركية والغربية الكبرى لعبت على التخويف النفسي من اللقاء، فوصفت “نيويورك تايمز” ترامب بأنه ضعيف أمام بوتين، وذهبت صحيفة “الغارديان” البريطانية إلى التحذير مما سمته “حيَل بوتين” استناداً إلى أقوال رئيسة جمهورية لاتفيا السابقة فيرافيك فرينبيرغا المعروفة بكراهيتها الشديدة للاتحاد السوفياتي السابق وتعاطفها مع بوريس يلتسين الذي سلّم روسيا لعصابات المافيا بذريعة الانتقال إلى الواحة الغربية.
في المباحثات الموسّعة وفي المؤتمر الصحافي الذي تلاها، حرص الرئيسان على عرض العموميات لمنع تغذية الحملات بوقود الحريق المشتعل في وجه ترامب “حتى إذا أخذنا موسكو يعيبون علينا أننا لم نأخذ بطرسبورغ أيضاً” بحسب تعبيره.
لكن المحادثات الثنائية التي سبقت الاجتماع الموسّع استغرقت أكثر من ساعتين للتفاهم على بعض الملفات الحسّاسة على الأرجح وكانت بداية جيّدة للجميع وفق تعليق ترامب، وقد يكون في طليعتها الحل الروسي للأزمة السورية والانسحاب الأميركي.
في هذا الصدد ترى صحيفة “اندبندت” البريطانية أن موسكو ستتولى العمل على سحب القوات الإيرانية من الحدود السورية مقابل الانسحاب الأميركي من المنطقة. فترامب وإدارته المؤلفة من مايك بومبيو وجون بولتون المتعلقيْن بـ “إسرائيل” حتى النخاع الشوكي، يشغلهم في المقام الأول والأخير العداء لإيران التي تشكّل الخطر الأكبر على “إسرائيل” في دعمها للمقاومة وفي رفضها الاعتراف بوجود الاحتلال. وفي هذا الإطار يأمل ترامب وإدارته أن تتولى موسكو مهمة انسحاب إيران من سوريا.
لكن موسكو لا تعترف بوجود قوات إيرانية في سوريا، كما يؤكّد الكسندر لافرينتييف أمام الصحافيين في قمة هلسنكي. وهي تؤكد على لسان بوتين أن واشنطن تعرف موقفها المبدأي من إيران وهو لم يتغيّر.
فموسكو وإيران يتجهان إلى بناء علاقات استراتيجية بحسب رسالة قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي خامنئي مع مستشاره علي أكبر ولايتي. ولعلّ جلّ ما تستطيع تقديمه من أجل خفض التوتر وعدم التصعيد بين إيران و “إسرائيل” هو عدم تدخلها المباشر في الصراع الاستراتيجي ضد “إسرائيل” في المنطقة.
أمام هذه الوقائع لا يرهن ترامب تعاونه مع موسكو لحل الأزمة والانسحاب من سوريا، بشرط الضغط الروسي لانسحاب إيران. فقد أعلن أنه سيؤيد أي عدوان تقوم به “إسرائيل” ضد إيران ومحور المقاومة في سوريا.
لكنه لن يخوض معركة في هذا السبيل بل يحاول خوضها ضد إيران بالعقوبات الاقتصادية التي يراها ستكون فعّالة في طلب الإيرانيين المفاوضات المباشرة يوماً ما.
لم يحصل ترامب على كل مبتغاه من الدول الخليجية في دفع تكاليف الوجود الأميركي في سوريا. ولا يزال يلحّ لأن تتولّى الدول الخليجية ما يسمى “إعادة الإعمار” في الشمال السوري. لكنه في أغلب الظن يعتمد على الحليف التركي في توسّع النفوذ الأطلسي في سوريا وتقويض الدولة السورية والجهود الإيرانية والروسية. فالرئيس التركي يهدّد بأن محاولة استعادة إدلب والشمال إلسوري ستنهي التهدئة وتفاهمات مسار آستانة.
قاسم عزالدين - الميادين