العالم - تقارير
ولكن ...
منذ ما قبل بدء مناسك الحج بشكل رسمي تقوم السعودية باستغلال موسم الحج في السياسة لتحقيق مآرب معينة سواء لجهة الانفتاح على بعض الدول أو لجهة التضييق ومعاقبة أطراف أخرى، حتى يبدو الأمر وكأنه ملك خاص لهذه السلطة أو لهذا الحاكم!...
بينما حقيقة الأمر هي أن السلطة في الحج يجب أن تكون سلطة إدارة وإشراف لا استئثار وتملك على رغم من أن الواقع يمنح الجهات الراعية الكثير من الصلاحيات على الأرض.
و من هذا المنطلق، نواجه الترويج الإعلامي الكبير الذي تقوم به السعودية في موسم الحج وشرح تفصيل عن الجزئيات التي ترتبط بالحجاج من اداء فرائضهم في هذا الموسم!،والتأكيد على الجهد المبذول من قبل الجهات المعنية والسلطات العامة في نجاح التنظيم وعدم الحديث عن أي ثغرات في الإجراءات سواء كانت أمنية أو تلك المتعلقة بالنقل والمواصلات وصولا للإشادة بخدمات الكهرباء وتوزيع المياه على الحجاج وخدمة ضيوف الرحمن، حتى أن الكثير من الحجاج وجدوا أنفسهم يوقعون على جدارية ضخمة وضعت في مكة لشكر السلطة والملك وولي العهد!وتدوين كل ما يرغب به الحاج من عبارات الثناء على الأداء الكبير للمنظمين وجهود العاملين في هذا التجمع الإسلامي المهيب.
بالرغم من أن تنظيم الخدمات والإشراف على توفير وتقديم هذه الخدمات للحجاج هو من البديهيات والواجبات على السلطات السعودية وقيادتها، فالأجر ماتقوم به يرجع أولا وأخيرا الى رب البيت الحرام لا على العباد من حجاج بيته.
فمن الواضح أن مسالة "جدارية الشكر "هي مبادرة فردية من بعض المسؤولين المحليين الذين دفعوا بمواطنينالى هذا العمل، وهي إستغلال إعلامي لإضاءة على ما تقوم بها السعودية في ظل الضغط الذي تقع تحته في قضايا عديدة لا سيما مع بروز الأزمة القطرية وبالتحديد أزمة الحجاج القطريين التي تضاف الى منع الرياض الحجاج من اليمن وسوريا وحتى من ليبيا ممن يؤيدون فصائل مناهضة للرياض.
في حين يعمد الإعلام السعودي الى التركيز على وجود الحجاج الإيرانيين للإشارة إلى "كرم الضيافة"، لكن من ينسى ما حصل من سوء ادارة في الحج قبل سنتين عندما وقعت كارثة منى وفقد مئات الحجاج ارواحهم.
وهنا داخل قوسين:
(لا بد من الإشارة إلى أن موسم الحج يعتبر من أهم مصادر الإيرادات المالية للدولة السعودية ورافعة اقتصادية ضخمة لما يؤمنه من أموال يدخلها الحجاج إلى البلاد عبر ما ينفقونه بطرق وأشكال مختلفة، فقد أشارت المعلومات إلى أن “عدد الحجاج في عام 2016 بلغ 2.350 مليون حاج منهم 1.750 مليون حاج من 168 جنسية قدموا من خارج السعودية”.
وبالسياق، تحدثت مصادر سعودية الى أن “نفقات الحجاج من الداخل والخارج خلال ذاك العام يمكن أن تبلغ 20 – 26 مليار ريال سعودي(5.33 إلى 6.67 مليارات دولار) مقابل 14 مليار ريال ( 3.73 مليارات دولار) العام الماضي”، ولفتت إلى أن “ارتفاع الزيادة سببه ارتفاع في عدد الحجاج بنسبة 20 % .”).
الدوافع السياسية والمعايير المزدوجة!
وبالنسبة الى عدد الحجاج وغياب حجاج بعض الدول فإن ذلك يعود الى تذبذب العلاقات السياسية بين الرياض ودول العالم الاسلامي.
وهذا هو الحال اليوم مع الحجاج من إيران الذي توافدوا بأعداد كبيرة، بينما غابوا منذ موسم العام 2015 جراء حادثة منى الشهيرة.
وكذلك الحال مع حجاج قطر وسوريا واليمن والعراق، حتى أن البعض يشير إلى حادثة منع إحدى الشخصيات التونسية في السابق من دخول المملكة لأداء مناسك العمرة بينما تعود نفس الشخصية لأداء مناسك الحج في الضيافة الملكية، والمعيار دائما هو الرضا السياسي للقيادة السعودية، ما يعني أن البعض يشير بوضوح إلى اعتماد المملكة معايير مزدوجة لإعطاء تأشيرات الحج والدوافع سياسية بامتياز.
وتشير بعض المصادر إلى أن سفارات المملكة وقنصلياتها تعطي تأشيرات على سبيل المسايرة والمجاملة لمسؤولين محليين(في بعض الأحيان يكون هؤلاء من غير المسلمين) لتوزيعها بناء على مصالح انتخابية أو سياسية في بلدانهم على مسلمين يرغبون بأداء فريضة الحج!...
ما يؤكد أن المملكة تساير الحلفاء في تأشيرات الدخول للحج بينما تمنع ذلك عن الخصوم أو تضع لهم العراقيل وتتشدد في تطبيق القوانين والأنظمة وتضطر لإرجاع حجاج إلى بلدانهم في بعض الأحيان بحجج مخالفة الشروط أو الواصفات وغيرها من الأسباب.
كما يؤخذ على السلطات المعنية تاريخيا وقوع أعداد كبيرة من الضحايا بين الحجاج، الأمر الذي يحاول الإعلام التغاضي عنه في محاولة لعدم تشويه الصورة الناصعة التي ترسم عن مواسم الحج، و القول الذي لابد منه هو تسليط الضوء على هذه القضية من باب المحاسبة لمن يكون مسؤولا عن إزهاق حجاج أبرياء ولرفع المستوى التنظيمي والإداري للسعودية، والهدف هو التأكيدعلى أن الحج ولا مجال للتسييس أو للمتاجرة المصلحية بالفرائض الدينية.
حيث أكدت الهيئة الدولية لمراقبة إدارة السعودية للحرمين أن السعودية “تستغل مكرمات الحج والعمرة وفق أهوائها ومواقفها السياسية مجددة استنكارها لما اسمته تمادي الرياض في تسييس الشعائر الدينية.
ونبهت إلى مسلسل طويل من استغلال السعودية لتأشيرات الحج والعمرة لدعم أهدافها وطموحاتها السياسية وشراء ذمم السياسيين والإعلاميين المسلمين عن طريق اعطائهم تأشيرات حج وعمرة بالمجان وبشكل غير قانوني للوقوف إلى جانب الإدارة السعودية في قراراتها السياسية.
كما لفتت الهيئة التي تتخذ من جاكرتا مقرا لها إلى استخدام السعودية المشاعر الإسلامية خاصة الحج كورقة ضغط سياسية للضغط على عدة حكومات لابتزازها سياسيا، كما حصل مع عدة دول خاصة من قارة إفريقيا ومع شخصيات معروفة بمعارضتها للسلطات السعودية.
وسبق أن رصدت الهيئة الدولية لمراقبة إدارة السعودية للحرمين في فبراير الماضي مراسلات سعودية رسمية مسربة تظهر أن سفير السعودية يوزع يومياً العديد التأشيرات المجانية على الإعلاميين والسياسيين المؤيدين لسياسة السعودية وبعض الفنانين في مصر!...
وكشفت الهيئة بأن السعودية منحت كل سفير لها في الخارج 3 آلاف تأشيرة لاستخدامها تحت بند المجاملة والاستغلال السياسي.
وأكدت الهيئة العالمية لمراقبة إدارة السعودية للحرمين مرارا أن فشل السعودية الذريع في إدارة الحج يستلزم وقفة وصحوة اسلامية حقيقية تعمل على نصح وإرشاد المملكة لكيفية تطوير أدائها بما يخدم ملايين المسلمين الذين يقصدون المشاعر الإسلامية.
ووعدت الهيئة بأن تأخذ على عاتقها العمل من أجل صحوة إسلامية من خلال مشاركة الدول الإسلامية في إدارة المشاعر المقدسة وتحسين البنية التحتية في مكة والمدينة، مشيرة بهذا الصدد إلى أنها ستعقد لقاءات ومؤتمرات وورش عمل لتقديم المشورة والنصح للمملكة.
وتم إنشاء الهيئة الدولية لمراقبة إدارة السعودية للحرمين مع بداية عام 2018 بهدف الضغط لضمان قيام السعودية بإدارة جيدة للمشاعر المقدسة والحفاظ على المواقع التاريخية الإسلامية، وعدم تسييس مشاعر الحج والعمرة.
"اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ تَكْتُبَنِا مِنْ حُجَّاجِ بَيْتِكَ الْحَرَامِ الْمَبْرُورِ حَجُّهُمْ الْمَشْكُورِ سَعْيُهُمْ الْمَغْفُورِ ذُنُوبُهُمْ الْمُكَفَّرِ عَنْهُمْ سَيِّئَاتُهُمْ"
ف . رفيعيان