العالم - مقالات وتحليلات
ما استدعى مباشرة الجيش السوري لعملية عسكرية يمكن وصفها بالأعنف عبر تاريخ الحرب لجهة القصف الجوّي والصاروخي، وهو ما أدّى مُجدّداً إلى إتمام اتفاق تم التوصّل إليه تحت الضغط الناري سيُسفر عن خروجِ إرهابيي "جيش الإسلام" وتحرير آلاف المخطوفين من قبضةِ هذا الجيش خلال أيامٍ قليلة.
موافقة "جيش الإسلام" على الرحيل إلى جرابلس كانت بالنسبة إليهم أهون الشرّين
لم يخرج مسار العملية العسكرية في الغوطة الشرقية عن التوقّعات التي أوردناها في مقالةٍ سابقةٍ حيث سارت الأمور نحو الخاتمة المتوقّعة سواء في أبعاد العملية العسكرية أو بما يرتبط بالتسويات التي انتهت منذ أيام في القطاع الجنوبي للغوطة الشرقية، وتحديداً في جوبر وعين ترما وزملكا وعربين، وبدأت في دوما ضمن القطاع الشمالي للغوطة حيث بدأت مجموعات “جيش الإسلام” بالخروج من المدينة باتجاه مدينة جرابلس في الريف الشرقي الشمالي لمحافظة حلب.
خروج "جيش الإسلام" لم يتم بشكلٍ كاملٍ حيث كنّا أمام اندلاع للاشتباكات بين الجيش السوري، استمرت منذ مساء يوم الجمعة السادس من الشهر الجاري وحتى فجر الأحد الثامن منه بسبب العديد من التعقيدات المُرتبطة بخلافات داخلية بين عناصر وقيادات "جيش الإسلام"، ما استدعى مباشرة الجيش السوري لعملية عسكرية يمكن وصفها بالأعنف عبر تاريخ الحرب لجهة القصف الجوّي والصاروخي، وهو ما أدّى مُجدّداً إلى إتمام اتفاق تم التوصّل إليه تحت الضغط الناري سيُسفر عن خروجِ إرهابيي "جيش الإسلام" وتحرير آلاف المخطوفين من قبضةِ هذا الجيش خلال أيامٍ قليلة.
وفي حين خرجت مجموعات “فيلق الرحمن” و “جبهة النصرة” من القطاع الجنوبي للغوطة نحو محافظة إدلب حيث البيئة المُلائمة لهذه الجماعات، وصلت المفاوضات الجديدة إلى الاتفاق على إجلاء إرهابيي “جيش الإسلام” إلى مدينة جرابلس بسبب العديد من التعقيدات المُرتبطة بالمعارك الطاحِنة التي حصلت بين "جيش الإسلام" وجبهة النصرة في الغوطة على مدى سنوات، وعدم وجود بيئة حاضِنة لـ"جيش الإسلام" في محافظة إدلب، ما يعني الاستفراد به هناك خصوصاً أن مُسلّحيه يخرجون بسلاحهم الفردي من دون ذخيرة.
موافقة "جيش الإسلام" على الرحيل إلى جرابلس كانت بالنسبة إليهم أهون الشرّين، حيث من المؤكّد أنهم سينتقلون من مرحلةِ الرعايةِ السعودية إلى مرحلةِ الرعايةِ التركية، وهو أمر مفصلي حيث تفقد السعودية أحد أكبر أوراقها الضاغِطة في سوريا، في حين سيتم العمل على ضمّ مُسلّحي "جيش الإسلام" إلى قوات درع الفرات بعد تفكيك بُنيتهم التنظيمية الحالية، ودمجهم في مهامٍ مختلفة ترتبط بالمصالحِ التركيةِ في الشمال السوري.
في المرحلة الأولى من المفاوضات مع "جيش الإسلام" طرح قادته الخروج إلى منطقةِ القلمون الشرقي بكاملِ أسلحتهم بما فيها الأسلحة الثقيلة، والتي تضمّ لواء دبّابات وأعداداً كبيرة من ناقلات الجُند والرشاشات الثقيلة المحمولة ومنظومات مُضادّة للدروع متطوّرة، إضافة إلى عددٍ كبيرٍ من المدافع والراجمات المُتنوّعة وصواريخ ثقيلة ومنظومة دفاع جوّي محمولة من طراز OSA، وهو الأمر الذي رفضته الدولة السورية رفضاً قاطِعاً ليطرح قادة "جيش الإسلام" الخروج باتجاه المنطقة الجنوبية وبكاملِ أسلحتهم، وهو طرح تمّ رفضه أيضاً لتصل الأمور إلى الاتفاق بإجلاء إرهابيي "جيش الإسلام" مع عائلاتهم حاملين أسلحتهم الفردية فقط ومن دون ذخيرة بعد إعلان القيادة السورية إنها ستستأنف العملية العسكرية.
أما لماذا رفضت القيادة السورية إجلاء إرهابيي "جيش الإسلام" إلى القلمون الشرقي والمنطقة الجنوبية، فلأن الأمر مُرتبط بأولويات الجيش السوري ما بعد الغوطة الشرقية، حيث من المؤكّد أن أولوية الجيش السوري بعد خروج آخر إرهابي من "جيش الإسلام" هي تطهير منطقة جنوب دمشق التي تبلغ مساحتها حوالي 12 كلم مربع، وتضمّ بلدات “يَلدا، بيت سحم، الحجر الأسود، مخيّم اليرموك، بَبيلا، القدَم”، وهي منطقة يسيطر فيها تنظيم داعش على أقسامٍ كبيرةٍ من مخيّم اليرموك والحجر الأسود وأجزاء من حيّ الزين، في حين تسيطر فصائل أخرى على المناطق المذكورة أعلاه.
تُعتبر المناطق المذكورة أعلاه في جنوب دمشق الجيب الأخير الذي يُهدّد العاصمة دمشق بقذائف الهاون، وهو ما يضعه على رأس أولويات الجيش السوري سواء بالحسم العسكري أو بالتوصّل إلى تسويةٍ على غِرارِ التسويات التي حصلت في أكثر من مكان في سوريا.
بإنهاء وضع جيب جنوب دمشق تخرج العاصمة السورية نهائياً من دائرة التهديد بالقذائف، وتنتقل أولويات الجيش إلى منطقتين أساسيّتين هما القلمون الشرقي والتي تضمّ بلدات الضمير وجيرود والرُحَيبة والناصرية والتي تبلغ مساحة سيطرة الجماعات الإرهابية فيها حوالي 800 كلم مربع، تضمّ إضافة إلى البلدات المذكورة هضاب وتضاريس مُعقّدة أهمها جبل خيمور، جبل زبيدي، جبل الأفاعي، جبل النقب وجبل البتراء.
إضافة إلى سلسلةِ الهضاب تُعتَبر منطقة القلمون الشرقي عقدة ربط مع قاعدة التنف ومحيطها التي تسيطر عليها القوات الأميركية ومجموعات قريبة من “أسود الشرقية” و”قوات أحمد العبدو”، حيث تبعد مناطق سيطرة هذه الجماعات عن خط تموضع القوات الأميركية في قاعدة التنف حوالي 40 كلم، وهو أحد الأسباب التي جعلت الدولة السورية ترفض خروج إرهابيي "جيش الإسلام" إلى القلمون الشرقي، حيث سيشكّل ذلك إضافة كبيرة لأعداد الإرهابيين الموجودين في القلمون الشرقي، حيث يبلغ عددهم حوالي الـ 3000 إرهابي والذين دخلوا في هدنة في شهر أيلول سنة 2017 برعاية مركز المُصالحة الروسيا، والمتوقّع أن تنتقل الأمور بعد حسم جنوب دمشق من الهدنة إلى حسم الملف بالتسوية، وهو ما يُفسّر النشاط الإستثنائي للجان المُصالحة ووفود الوجهاء والفعّاليات القادمة إلى دمشق من القلمون الشرقي.
بموازاة القلمون الشرقي أو بعده، وهو أمر خاضع لخطط الجيش السوري، من المؤكّد أن حسم منطقة شمال حمص (الرستن وتلبيسة) والقرى المحيطة بهما، وُضِع على نارٍ حامية وهو ما يُفسّر إلقاء الحوّامات السورية منشورات فوق المنطقة تدعو الجماعات الإرهابية هناك إلى الدخول في تسوية تُنهي الوضع، مع الإشارة إلى أن مساحة المنطقة تُقارب 750 كلم مربع، ويُعتبر تحريرها إعادة ربط حمص بحماه عبر الطريق الدولي، وإنهاءً لملف المنطقة الوسطى ومحيط دمشق بحيث ينتقل الجيش السوري إلى حسم معارك الأطراف في المنطقتين الشمالية والجنوبية، والتي أرجّح أن تنتهي في أغلب مناطق الجنوب عبر التسويات، في حين سيتم التعامل مع ملفات المنطقة الشمالية بالحسم العسكري في مناطق والتسوية في مناطق أخرى.
ويبقى أن ما يحصل وسيحصل يُشكّل انتقالاً من مرحلةٍ إلى مرحلةٍ سيترك بصمته بنتيجة حسم المعارك الحالية واللاحقة على مُجملِ الوضعِ السياسي المُرتبط بالحربِ على سوريا.
عمر معربوني - شام تايمز
2-4