العالم - مقالات وتحليلات
المحطات الجديدة المعلنة في هذا الإطار الكشف عن زيارة سرية لرئيس الاستخبارات الروسية، سيرغي ناريشكين، إلى تل أبيب ولقائه بالعديد من المسؤولين، وكذلك عن زيارة مرتقبة لرئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية اللواء هرتسي هليفي إلى واشنطن، على أن يلحقه أيضاً رئيس مجلس الأمن القومي مئير بن شابات، وصولاً إلى كلام وزير الأمن أفيغدور ليبرمان عن عدم وجود قوة عسكرية إيرانية في سوريا، بل مستشارون وخبراء، وأيضاً إعلان رئيس أركان الجيش غادي آيزنكوت أن ما يهم "إسرائيل" ليس عدد الكيلومترات التي سيبتعد بها الإيرانيون عن الحدود، بل أصل وجودهم في سوريا وانعكاسه على المنطقة.
وأتت زيارة رئيس الاستخبارات الروسية بعد لقاء سوتشي، ويمكن أن يروا فيها في تل أبيب أنها مؤشر جديد على أن رسائلهم تلقى بعض الأصداء في موسكو… لكن من دون نتائج فعلية تجسّد طموحاتهم حتى الآن. وتُظهر الزيارة أيضاً أن الروس يبذلون جهودهم للحؤول دون مغامرات تستند إلى تقديرات غير صائبة قد تتدحرج نحو ما لا يريدها أي من الأطراف في المرحلة الحالية، إضافة إلى أن الروس يحاولون طمأنة الإسرائيلي ضمن هامش لا يمس بتحالفاتهم واستراتيجيتهم على الساحة السورية.
وما قيل في تل أبيب عن أنهم قالوا للمسؤول الروسي إن "إسرائيل" غير ملزمة بأيّ من اتفاقات خفض التوتر في جنوب سوريا وقمة سوتشي، وإنها ستتحرك في مواجهة أي تهديد يحدق بها، يعبّر عن التوجه الرسمي التقليدي في تل أبيب، ويهدف أيضاً إلى محاولة رفع مستوى القلق في موسكو من وجود إمكانية جدية لحدوث صدام عسكري واسع، وهو ما لا تريده موسكو.
على خط واشنطن، تؤشر الزيارة المرتقبة لرئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية إلى استمرار المساعي الإسرائيلية مع إدارة الرئيس دونالد ترامب لتبنّي السقف الإسرائيلي في الساحة السورية، إدراكاً منها لمحدودية التأثير الإسرائيلي، بمعزل عن احتضان ودعم جدي من الولايات المتحدة.
تأتي المواقف والرسائل الإسرائيلية المتواصلة امتداداً للجهود التي بدأتها قبل أكثر من عام، التي يبدو حتى الآن أنها لم تحقق نتائجها المرجوة، ولو بصيغة الحد الأدنى. فهي لم تتمكن من إيجاد شرخ بين موسكو وطهران، ولا يتوقع أن تنجح في ذلك. ولم تنجح في إحداث تحول جذري في توجهات إدارة ترامب ودفعها إلى التحرك العملاني المباشر في سوريا، الذي تضطر معه الأطراف المقابلة إلى التراجع والالتزام بخطوط حمراء محددة.
نقطة الارتكاز في الاستراتيجية الإسرائيلية المعتمدة في التواصل مع موسكو وواشنطن هي أنه في حال لم تتحرك الدول الكبرى لإخراج إيران من سوريا، ستجد نفسها مضطرة إلى المبادرة إلى خيارات عسكرية، حاولت تجنّبها، وبالتالي دفع المنطقة إلى حافة الصدام الواسع. وهي استراتيجية سبق أن اتبعتها في مواجهة البرنامج النووي الإيراني، وأنتجت في نهاية المطاف تكيّف العالم مع حقيقة كون إيران باتت دولة نووية، بل عقدت معها السداسية الدولية اتفاقاً تراجعت فيه طهران عن مستويات تخصيب محددة، وأخرى تتصل بكميات التخصيب.
في المقابل، سلَّم العالم بحق إيران في التخصيب على أرضها، واستمراره بما يلبّي حاجاتها واحتفاظها بالبنية التحتية كافة المتعلقة بالبرنامج النووي، إضافة إلى حقها في استمرار تطوير الأجهزة ذات الصلة، وهو أكثر ما أغضب "إسرائيل" في ما يتعلق بالقضية النووية، إضافة إلى فشل محاولات الضغط على إيران في انتزاع تنازلات إقليمية تتصل بالموقف من "إسرائيل" ودعم المقاومة في لبنان وفلسطين… وكافة سياساتها الإقليمية.
في هذه الأجواء، أتى موقف وزير الأمن الإسرائيلي الذي أعلن عدم وجود قوات عسكرية إيرانية في سوريا، وإنما يقتصر الأمر على مستشارين وخبراء. وهو موقف هدَفَ في البداية إلى تهدئة الأجواء الداخلية، بعد الشعارات والعناوين التي راجت في تل أبيب عن أن الإيرانيين على الجدار.
ومن جهة أخرى هو يُوصِّف واقعاً تتخوّف تل أبيب من مآلاته، ومن موقع إيران في مستقبل سوريا. وفي النتيجة، لا يتعارض هذا الموقف مع الحملة الإسرائيلية على خطى واشنطن وموسكو.
وسبق أن أوضح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو هذا الأمر لدى زيارته الأخيرة لموسكو، بالقول إن ما تخشاه إسرائيل هو «لبننة سوريا»، في إشارة إلى بناء قدرات محددة في سوريا تحاكي استراتيجية حزب الله بما يؤدي إلى بلورة قوس شمالي يطوّق "إسرائيل" ويقيّدها ويفرض معادلات جديدة في مستقبل الصراع.
إلى ذلك، أكد رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، ورئيس «معهد أبحاث الأمن القومي»، اللواء عاموس يادلين، أن مصلحة "إسرائيل" العليا تكمن في أن لا يكون الرئيس بشار الأسد في مستقبل سوريا. وفي هذه الحالة، يضيف أنه لن يكون هناك شرعية للوجود الإيراني، وهذه طريقة أخرى لإخراجهم.
وأكد أن إيران الآن ليست على السياج مع "إسرائيل"، لافتاً إلى أن هناك طريقتين لإبعاد الإيرانيين من سوريا: الأولى هي الطريقة الدبلوماسية، عبر الحديث مع روسيا وليس الولايات المتحدة، مؤكداً وجود روافع لدى "إسرائيل" مهمة جداً، عبر القول للروس «نحن يمكننا أن نتسبّب» لمشروعكم بالفشل. وشدد على ضرورة القول للروس أيضاً إننا لسنا ضد “بلورة سوريا”، ولكن غير مقبول بالنسبة إلينا أن يكون ذلك على يد إيران، ملوّحاً بأنه في حال لم تتم تلبية هذا المطلب، يمكن لإسرائيل اللجوء إلى سلاح جوّها أو أيّ قدرات أخرى لديها.
الطريقة الثانية عبر بلورة تحالف يضم الولايات المتحدة والسعودية، وإلى حدّ معيّن الأتراك الذين هم عامة في الطرف الآخر الآن. وأوضح أن هناك ما يكفي من الدول في الشرق الأوسط لا تحبّ الوجود الإيراني في سوريا أكثر من "إسرائيل".
علي حيدر - شام تايمز
2-4