العالم - سوريا
إلا أن مدير المركز الوطني لتطوير المناهج في وزارة التربية “الدكتور دارم طبّاع” لديه وجهة نظر مختلفة تماماً عن تلك المتداولة.
إذ أوضح أن أغلفة المنهاج الجديد تحمل قيمة فنية عظيمة، للأسف يجهلها جيل اليوم، وقد “تم تطوير المناهج للصفوف (الأول-الرابع-السابع- العاشر) وفق استراتيجية معتمدة عالمياً، بالتعاون مع منظمة تُعنى بالتربية وهي اليونسكو.
أغلب الصور المنتشرة “محرّفة” :
وقد نوّه أن هناك من تناقل صوراً محرّفة وغير صحيحة عن أغلفة المناهج المطوّرة، وحتى الغلافين المتداولين انطرحا بصورة سيئة وهما في الواقع أجمل بكثير .. فقد أصبح الموضوع نوعاً من الدعابة عند البعض واخترع أغلفة من وحي خياله.
تطوير المنهاج وفق المهارات اللازم اكتسابها:
وفي تفاصيل الحديث يقول د. طباع إن المركز “وضع إطاراً عاماً للمنهاج قبل تطويره، محدداً السياسة التربوية، وفلسفة التربية، وطرائق التعلّم الجديدة، وكفايات المجتمع السوري والمهارات اللازمة للمُتَعلّم في القرن الواحد والعشرين.
مضيفاً أن تلك النقاط، أدت لوضع معايير حددت المطلوب من الخريج في كل عام، والمهارات التي يجب أن يتعلمها، وكذلك المعارف والسلوكيات والقيم التي لابد وأن يكتسبها خلال المرحلة المدرسية..
كما تم وضع معايير لقياس مؤشرات الأداء، ثم تشكيل اللجان المفتوحة التي ضمت مديريات التربية في المحافظات وخبراء من الجامعات ومراكز البحوث وعدد من المهتمين.
مناهج تعتمد على الأنشطة دون الحفظ والتلقين:
المناهج الجديدة تعتمد في أغلبها على الأنشطة، وتبتعد عن الحفظ والتلقين، هذا ما يؤكده د. طبّاع لـ دمشق الآن، كما أنها تعتمد مهارات التعلم الحديثة المرتبطة بالتعلم النشط، والتعلم من خلال اللعب والتعلم من خلال التجربة أو من خلال المشاريع والمناظرات والتعلم التعاوني وغيرها من النظريات الحديثة في التعلم.
مشيراً إلى أن الأمثلة الواردة في الكتب مرفقة بمصادر أخرى تسمح للطالب باختيار المثال الأقرب إليه ضمن الموضوع المحدد.
مثلاً أدرجنا قصيدة للشاعر نزار قباني في موضوع معين، وأرفقناه بعناوين قصائد ديوان الشاعر الأخرى، فأصبح باستطاعة الطالب اليوم البحث عن مصادر أخرى للموضوع المطلوب ونحن وفرنا له في الكتاب الحد الأدنى.
المعلومات في المناهج الجديدة مفيدة في حياة الطالب:
يضيف د. الطبّاع “حاولنا الاستفادة من تجارب العالم كله في مجال تحديد الكتب، بحيث تكون في مستويات متناسقة، أفقية وعمودية، بمعنى أن تكون منسقة في جميع المراحل المدرسية، ومنسّقة على مستوى الكتاب نفسه من الصف الأول حتى البكالوريا..
على مبدأ أن المعلومة والمهارة تبدأ من مراحل مبكرة متناسبة مع عمر المتعلم ثم تتطور إلى أن يصل إلى مرحلة البكالوريا ويكون قد أتقن هذه المهارة وحقق هذه القيمة طور هذا السلوك وبالتالي المعرفة التي استنبطها من هذه المناهج هي معرفة مفيدة له في حياته.
وفق هذه الأسس وضعنا كل مناهجنا:
ولعلّ الأسس الأربع التي تُبنى عليها سياسة تطوير المناهج الجديدة تُلخّص ما سيكون عليه الجيل الجديد.
إذ يقول د. طبّاع إن الأساس الأول هو تقدير الذات والثاني مهارات التواصل والثالث تعزيز المواطنة سواء المحلية الفعالة والانتماء أم المواطنة العالمية (أن يكون مواطناً محترماً في كافة أنحاء العالم) والأمر الأخير التنمية المستدامة.. وفق هذه الأسس وضعنا كل مناهجنا.
إذاً ما هي حكاية الأغلفة المثيرة للجدل؟
يقول د. طبّاع إن الأغلفة الموضوعة على الكتب الجديدة ليست مرعبة، بل المرعب هو عدم الدراية بهذه الكنوز السورية التي تزخر بها بلادنا ويقدرها الناس في كل أنحاء العالم وبعضنا يراها مرعبة.
من هو بطل كتاب قضايا تاريخية؟
وضح د. طباع أن أغلفة الكتب التاريخية حملت تحفاً ولقىً أثرية عالمية من التراث السوري، وكمثال فإن كتاب قضايا تاريخية للصف الأول الثانوي حمل تمثال ملك ماري ايتور شماكين الذي بَنى قبل 2500 من ميلاد السيد المسيح في شرق سورية.
أول مدينة صناعية في التاريخ، استغرق العلماء الأوربيون أكثر من ربع قرن في دراسة هذا الإنجاز الحضاري الهام لشعوب المنطقة.
لوحات لتشكيليين سوريين على كتب اللغة العربية:
يضيف د. طبّاع أن أغلفة كتب اللغة العربية تمثل لوحات فنية تعزز الثقافة الفنية والتذوق الجمالي لدى المواطن الذي يركز عادةً على العلوم والرياضيات والفيزياء والكيمياء واللغة العربية كونها ستدخله إلى الجامعة، وهذا خطأ لا يبني الإنسان.
لذا نتوجّه اليوم لتعزيز الموسيقى والفنون التشكيلية والرياضة. مشيراً إلى أن الكثير من الناس لم يسمع برواد الفن التشكيلي في سورية..
لذا وضعنا لوحات الفنانين التشكيليين السوريين المعروفين على مستوى العالم أغلفةً لكتب مادة اللغة العربية، حيث بدأنا في الرواد الأوائل ممن رحلوا أمثال أدهم إسماعيل، ممدوح قشلان، لؤي كيالي، نصير شورى وغيرهم..
ولنعزز المواطنة يجب أن نعطي وجهة الغرب تجاه بلادنا فوضعنا على أغلفة الكتب الإسلامية لوحات لفنانين أجانب؛ أميركيين، انكليز، هولنديين، طليان، ممن رسموا سورية وأوابدها التاريخية والدينية في القرون الماضية من 200-300 سنة وهي لوحات فنية أيضاً وكتبنا على كل غلاف ما هو المحتوى.
تعزيز مفهوم التنوع الحيوي على كتب العلوم:
في العلوم أردنا تعزيز مفهوم التنوع الحيوي، فوضعنا على الكتب مجموعة من النباتات والحيوانات والحشرات والطيور الموجودة في سورية، وفق رؤية فنية.
وكتبنا على كل غلاف ما هو المحتوى؛ فعندما وضعنا طائر الشحرور كتبنا اسمه الشحرور الشامي، وكتبنا اسمه باللاتيني، ووضعنا لمحة عنه.
وكذلك الأمر عندما وضعنا الصنوبر البروتي أو الصنوبر المثمر كتبنا عنه. وعندما وضعنا صورة السوسن السوري كتبنا عنه. وعندما وضعنا القط البري، شرحنا عنه..
وبالمناسبة لا أحد يعلم أن لدينا في سورية أنواع من القطط البرية وهذا من الأشياء النادرة على مستوى العالم. وضعنا حيوان المرموط البري، وطائر النواق أو أبو منجل الذي اكتُشف في العالم وكان يُعتَقَد أنه انقرض على مستوى العالم، وبهذه الطريقة عززنا مفهوم التنوع الحيوي من خلال أغلفة كتب العلوم.
وبالنسبة لـ كتب الرياضيات كان هناك تعاون مع فنانة تشكيلية تعد “رسالة ماجستير في أغلفة الكتب” في كلية الفنون الجميلة هي التي صممت سلسلة كتب الرياضيات.. إذاً هناك تفاعل أساسي لجعل هذا الغلاف واجهة للمناهج السورية.
ما هي الفكرة الأساسية من هذا التغيير؟
يضيف د. طبّاع هذه الكتب “قد تُعجب البعض وقد لا تعجب البعض الآخر ونحن نفتح المجال أمام جميع الناس لكي تساهم وتوافينا بملاحظاتها، وعملياً نقوم بذلك من خلال صفحتنا على فيس بوك، مشيراً إلى أنه تم عرض الأغلفة ومحتواها خلال عملية تطوير المناهج، على الموقع الإلكتروني، وذلك قبل الطباعة.
الفكرة الأساسية والهدف من تغيير أغلفة الكتب المدرسية بهذا الشكل، هو تعزيز ثقافة الانتماء عند الطالب، إذ يوضح د. طبّاع “أردنا أن يكون للكتاب مدلولات وطنية.
فكان التغيير من منطلق أن الغلاف المدخل الدال على المنتج، بمعنى أنني عندما أمسك كتب التاريخ يجب علي أن أعرف من الغلاف أنها سوريّة، وأنها موضوعة ضمن منهجية معينة، تناقش قضايا تبدأ من المحلي وتبدأ بالعالمي، بما ينسجم مع المتطلبات المحلية.
هل الكادر التدريسي مؤهل للمناهج الحديثة؟
تأهيل الكادر التدريسي في المدارس كان من أولويات خطة تطوير المناهج، يوضح د. طبّاع، مشيراً إلى أن وزارة التربية بالتعاون مع المركز الوطني لتطوير المناهج أقامت دورات تدريبية لمدربين مركزيين، تبعها تدريب 500 مدرّب محلي.
درّبوا جميع معلمي صفوف الأول والرابع والسابع والعاشر، الذين طُوّرت مناهجهم على مستوى سورية، حيث استهدفوا 40 ألف مشارك، شارك أغلبهم بفعالية وحضروا جميع الجلسات، ومنذ أول يوم في الدوام نرصد كيف طبّقوا ما تدربوا عليه، وسنبقى وعلى تواصل دائم لمعرفة النتائج، ومن يُتابع صفحتنا على الفيس بوك يشاهد الصور.
ردود أفعال المدرسين على المنهاج الجديد:
يتابع د. طبّاع، بعد الرصد تبين لدينا أن المنهاج الجديد أعطى راحة للكادر التدريسي، إحدى المعلمات قالت إنها كنت متعبة من التحضير للدروس.
والآن أصبحت أكثر حرية لأنها تُشارك الطلاب شرح الدرس، وأصبح لديها الوقت للتعرف على الطلاب ومقدراتهم العقلية وأنماط حياتهم وعلى خصائصهم وأصبحت مهنة التعليم أكثر متعة وبالتالي أصبح هناك علاقة أكبر بين المعلم والمتعلم.
الزوبعة التي حدثت طبيعية:
ويختم د. طبّاع حديثه بأن هذه الزوبعة التي حدثت عن الأغلفة هي طبيعية جداً. فأحد أهداف المنهاج الجديد، هي أن نتعلم إبداء الرأي واحترام الرأي الآخر، واحترام الثقافات المتعددة وهذا لا يمنع أن يكون هناك اختلافات بالرأي نأمل من المساهمات أن تكون أكثر جديّة سواء بالنقد أم التشجيع.
المصدر : دمشق الآن