العالم - مقالات
واسرد الکاتب بالقول ان العملية لافتة من زوايا عدة:
ميدانياً، نفذ العدو الغارة وهو في ذروة الاستنفار العسكري على الجبهة الشمالية، حيث تخوض جميع أذرع جيشه واحدة من أكبر المناورات في تاريخه، وحيث لديه جاهزية التعامل مع أي تفاعلات ميدانية للغارة. وهو جعل طيرانه يتقدم من الأجواء اللبنانية.
ميدانياً أيضاً، نفذت الغارة من خلال عملية جوية تقليدية، ما يعني مغامرة العدو بتعريض طائراته للإسقاط من جانب منظومة الدفاع الجوي الروسية المنتشرة في المنطقة الوسطى من سوريا، وهذا يعني أن العدو إما يستفز روسيا، أو أنه حصل منها على «غضّ طرف» عن هذا السلوك، علماً بأن موسكو قد تصمت في حال كان العدو يوجه ضربة الى حزب الله في سوريا وليس الى منشأة تخص الجيش السوري نفسه.
العدو فشل في حماية مصالحه بواسطة حلفائه فقرر وضع نفسه بنفسه أمام الجدار الأخير
سياسياً، اتخذ العدو قرار العملية، في نهاية محاولات سياسية شملت جميع المعنيين في المنطقة والعالم، وتلقيه خلاصة وحيدة: لا يوجد من يستعد للعمل عندك أو عنك.
سورياً ايضاً، جاءت الغارة متزامنة مع إقرار العالم كله بالانعطافة الحاسمة لمسار الحرب هناك، حيث خسرت المجموعات المسلحة على اختلافها، كما المجموعات المعارضة، فرصتها في القضاء على نظام الرئيس بشار الأسد.
سورياً أيضاً وأيضاً، جاءت الغارة بالتزامن مع قرار أميركي بسحب غالبية المجموعات المسلحة المنتشرة في الجنوب الشرقي لسوريا إلى داخل الاردن، والتسليم بنقل الادارة من جديد الى الحكومة السورية بضمانة روسيا، وحيث بات من الغباء استمرار مراهنة إسرائيل على جميع المسلحين المنتشرين في الجنوب للقيام بدور مانع لعودة الجيش السوري إلى المنطقة، ومعه، علناً أو تمويهاً، حلفاؤه، وخصوصاً حزب الله.
خلال الساعات الـ24 الماضية، انتشرت في أوساط خصوم الاسد وحزب الله مناخات أن إسرائيل تريد القيام بعمل عسكري كبير، هدفه تعديل كامل قواعد اللعبة، بما في ذلك التدخل في مسار الامور القائمة في سوريا. وبمعزل عن خلفية هذا الكلام، وما اذا كان مجرد تقدير على اثر الغارة أم انه معلومات سابقة لها، فإن النتيجة واحدة، وهي أن العدو وجد نفسه في حالة «عدم القدرة على الانتظار»، فقرر المبادرة الى العمل مباشرة. وراجت أيضاً الافكار حول ان هدف المناورة الكبيرة التمهيد لحرب أكبر، وان اسرائيل معنية بالضربة الاولى. وهو كلام تردد في إسرائيل أيضاً، وكتبه اسرائيل هرئيل في «هآرتس»، داعياً الى الضربة الاستباقية الاولى حتى لا يكون الفشل حتمياً. وقال: «السؤال هو ما إذا كان الجيش سيتلقى أمراً بالهجوم أولاً، أي قبل أن تحوّل إيران وحزب الله مدننا إلى أكوامٍ من الخراب وضرب بنى تحتية أمنية واقتصادية. بنيامين نتنياهو كان غامضاً حيال هذا السؤال الحاسم، كذلك لا يتوقع أن يوصي رئيس رئيس الأركان بخطوة كهذه».
على انه يمكن ملاحظة ان هدف العدو من غارة أمس تحقيق نتائج لم تتم جبايتها خلال السنوات الماضية، رغم كل ما حصل في سوريا. وهو وجّه رسائل الى القريب والبعيد والى العدو والصديق، قاصداً:
أولاً: القول لأميركا، ولروسيا ولأوروبا، إنه حاول الرهان على دورهم في تنفيذ خطوات توفر له ضمانة اكيدة بأن مسار الامور في سوريا لن يكون على حسابه.
ثانياً: القول إن عملية إقصائه عن المسار السياسي والميداني القائم في سوريا اليوم، هي عملية مضرّة له استراتيجياً، وبالتالي، فهو لن ينتظر حتى يتم الانتهاء من «داعش» ليرى أين يكون موقعه. بل هو يقول، من خلال مغامرة عسكرية، إنه سيفرض نفسه، وبالقوة، شريكاً أو لاعباً في رسم المشهد السياسي والميداني لسوريا ما بعد الحرب على الارهاب.
ثالثاً: تقول إسرائيل إنها لن تقبل أن تعيد سوريا ترميم نفسها كدولة، ولن تقبل أن يعاد بناء الجيش السوري بقدرات تأخذ بعين الاعتبار ما قام به خلال السنوات الماضية. وهي تعرف هنا أن نتائج المواجهة القائمة بين محور المقاومة وخصومها في سوريا ولبنان والعراق، إنما تقود الى معادلة تجعل الجيش السوري جزءاً من منظومة عسكرية استراتيجية تمتد من جنوب لبنان حتى طهران.
رابعاً: ان اسرائيل تريد إفهام ايران وسوريا وحزب الله أنها مستعدة للجنون، وأنها مستعدة للأسوأ في حالة استمر تجاهل مصالحها، وعدم تحقيق خطوات عملية ستصب حتماً في خدمة هدف إزالتها.
هذا وتوقع الکاتب انه وبحسب حسابات الدقائق الحساسة، يمكن لإسرائيل ان ترفع وتيرة استنفارها إن كانت تتوقع رداً سورياً على الغارة. لكن الاخطر، هو أن تفهم عدم حصول ردّ بأنه دعوة لها لممارسة المزيد، فتنفّذ اعتداءات جديدة، وفي هذه الحالة، تنتقل الامور من صراخ مهزوم يريد من المنتصر التوقف، الى فوضى وضياع يقودان الى حرب، لا يوجد في اسرائيل من يضمن أفقها ومساحتها ونتائجها.
وفي هذا السياق، من المفيد إعادة نشر بعض المقاطع من نصوص لكبار المعلقين الاسرائيليين في صحف أمس. جلّهم ممن لديه صلة قوية بمراكز القرار الأمني والعسكري والسياسي. وهم في غالب الاحيان يعكسون الهواجس والمخاوف، بقدر ما يحاول آخرون بث الحماسة لدى الجمهور. وفي هذه المقاطع:
«عندما ينفخ الجيش العضلات على الحدود الشمالية ويتحدث عن هزيمة حزب الله في حملة عسكرية، نوصي بالعودة إلى عام 2006 كي نحصل على بعض التوازن بالنسبة للفجوة التي بين الخطاب وقدرة التنفيذ».
«ليس عبثاً يسمّونه جيش «الاحتواء» الإسرائيلي. فعلى مدى سنواتٍ طويلة، الجيش لم يطمح فعلاً إلى هزيمة العدو. وهذه المرة، الجميع قال إن الهدف واضح: هزيمة العدو. فهل اننا نقف بالفعل أمام تحول استراتيجي، ام سنكتفي، كما في الجولات السابقة، بحسم يؤدي إلى هدوءٍ مؤقت؟.
المصدر - شام تایمز