الطفولة المغتصبة..

الطفولة المغتصبة..
السبت ٢٢ يوليو ٢٠١٧ - ١١:٣٠ بتوقيت غرينتش

في الحروب يكون الحجر والشجرة من اسهل الاشياء التي يمكن اعادة اعمارها، لكن المعضلة الحقيقية تكمن في البشر، حيث تشرد الحروب الملايين ويكون للاطفال نصيب الاسد منها، وبعد كل حرب تعاني الدول من جيلين الى ثلاثة من التي تربت او نشأت في ظل المعارك والفلتان الامني وانعدام الامن الغذائي والدراسي والصحي، ويكون الاطفال بيئة خصبة لتبني جميع الافكار والمعتقدات الخاطئة قبل الصالحة ويكونوا ايضا بركان طاقة وحيوية لرفد اي فكرة عسكرية سواء ارهابية او عصابات للسرقة وغيرها.

العالم - مقالات

سوريا والعراق والسودان وجنوبها والصومال واليمن وليبيا، جميعها دول باتت الطفولة فيها مهددة او ما تبقى منها، لان ملايين الاطفال هم الان في الملاجئ والمخيمات وفي جبهات الصراع، فعندما نعود بالتاريخ لقبل ستة اعوام، نرى ان نسبة كبيرة من الاطفال الذي كانوا في عمر العشر سنوات في بداية ما يسمى بالربيع العربي، هم الان يحملون السلاح وجلهم لا يجيدون القراءة والكتابة.

وان استمرت هذه الحروب المندلعة بتلك الدول لخمسة اعوام اخرى سنرى الاطفال الذين نشتري لهم الالعاب اليوم، يحملون علينا السلاح في الغد، لاننا لم نمنحهم المقدار الكافي من الشعور بالطفولة، وقد خندقناهم معنا بحُفرٍ وخنادق ولدنا ووجدنا انفسنا بها، فمنذ ان يبدأ الطفل باجادة قول بابا وماما، نبدأ نحن هنا بزرع افكار التطرف الديني او القومي بعقله، واول شيء يسمعه "سني وشيعي وعلوي ومسيحي وعربي وكردي وامازيغي ومصري وسوري ولبناني وسعودي وابيض واسود" ويبدأ احساس التفرقة والعنصرية يكبر فيه كلما زاد بالعمر ساعة، وطبعا مع انعدام الامن والغذاء والطموح والامل بالنجاة، تكون هذه الامور عوامل لانفجار الطفل اول ايام مراهقته ويتحول لشخص اخر لا نعرفه ابدا.

اوروبا الشرقية عاشت حالة مماثلة مع بداية حروبها بعد انهيار الكتلة الشيوعية، اندلعت فيها العديد من الحروب الاهلية وهو ما اثر سلبا على الاطفال وجعل منهم على علم ودراية كافية بالاسلحة والمعارك بالاضافة الى الجهل بكل شيء والتطرف الديني والقومي ايضا وعن جهل، وتحول عدد كبير منهم الى عصابات مافيا وتهريب اسلحة ومرتزقة وقتلة ماجورين. وهذا الامر حدث بمنطقتنا فعلا ولكن نستطيع الان ان نسيطر على هذا التسونامي، الذي يهدد مستقبلنا لعدة عقود.

الحلول لن تكون بيد الدولة فقط، لانها ستكون منهكة اثناء الحرب وبعدها، ويجب هنا على منظمات المجتمع المدني ان تتحرك لتنقذ مجتمعها ولا يكتفي الاشخاص بحماية ابنائهم فقط، فظاهرة اطفال الشوارع التي خرجت بعدد من الدول العربية قبل "الربيع العربي" اثرت على المجتمع ككل وليس على فئة واحدة فقط، لذلك يجب علينا العمل بصدق لكي لا نرى انفسنا بعد عقدين من الزمن نهدم ما اعدنا اعماره بعد هذه الحروب المدمرة.

انتظروا الجزء الثاني من هذه السلسلة الذي سنتحدث فيه عن تجارب دول معينة مع الحروب الاهلية وكيف نهضت الطفولة بها وساعد المجتمع الدولي بذلك، وكيف دولا اخرى بقيت الى الان تعاني تحت انظار العالم الدولي ايضا.

الطفولة سلاح ذو حدين.

بقلم : ابراهيم شير

109-3