العالم - العالم الاسلامي
ليست سوى سراب ستبتلعه رمال البادية السورية التي صارت حباتها لظىً يحرق جنود العدوان وزبانيته الإقليميين…
ولكن كيف يقرأ المتابعون الغربيون الحرب على الإرهاب في بادية الشام:
أولاً: تُجمع القيادات العسكرية والأمنية كافة في الولايات المتحدة على أن القيادة السياسية والعسكرية الإيرانية تتقن تماماً فن المناورة وتضليل العدو في خطواتها السياسية والعسكرية كلها. كما تجمع تلك القيادات على أن الدهاء الذي تتمتع به القيادة السورية لا يقل خطورة عن فن المناورة والتضليل الإيرانيين. وإذا ما أضيف لهما دهاء الدب الروسي وبرودة أعصابه وصعوبة تقدير توقيت ومدى قفزته القادمة، فإن الكارثة تكون مؤكدة على أعداء هذا التحالف الحيوي والمتين.
ثانياً: وهذا بالضبط ما أثبته الميدان في البادية السورية خلال الأيام القليلة الماضية.
فبعد أن قامت الطائرات الأميركية بقصف رتل للجيش العربي السوري والقوات الحليفة وما تبعه من صدور بيان غرفة العمليات المشتركة في سوريا، والذي أبلغ العدو الأميركي وأذنابه من «إسرائيليين» وأردنيين وغيرهم، يوم السابع من الشهر الحالي في الوقت الذي كانت قيادة العدو في واشنطن وغرفة عمليات الموك، التي هي فرع لوزارة الحرب «الإسرائيلية» في الأردن، يفكّرون بأن الحليف الإيراني مشغول عن الجبهة السورية، بسبب متابعة جريمة طهران الأميركية «الإسرائيلية» السعودية، كانت توافقات بين أطراف غرفة المشهد الدمشقي قد وضعت اللمسات الأخيرة لإطلاق مراحل الهجوم الاستراتيجي للجيش العربي السوري والقوات الحليفة بقيادة نخبة جنرالات الأركان السوريين، وقائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني…
وقد بدأت هذه المرحلة بمناورة تضليل في غاية الذكاء والدهاء، حيث أرسلت قيادة الميدان يوم 8/6/2017 طائرة مسيرة إيرانية الصنع من طراز شهيد 129 لتقوم بالتعرّض لنقاط قوات الاحتلال الأميركية في منطقة التنف وإطلاق بعض الصواريخ باتجاهها بهدف المشاغلة ليس إلا….!
ثالثاً: في هذه الأثناء بالذات صدرت الأوامر للوحدات المدرعة والقوات الخاصة المحمولة، وكذلك قوات الإنزال الجوي بالبدء في تنفيذ عملية أخرى تماماً هدفها السيطرة على قاطع الحدود العراقية السورية شمال شرق التنف.
القيادة الميدانية العليا، وفي مقدمتها الجنرال قاسم سليماني، قامت عملياً بالتمويه على العدو ومشاغلته وتسميره في نقطة التنف عندما باشرت بتوجيه وحدات قتالية باتجاه القوات الأميركية ومرتزقتها هناك الى الحد الذي تقدّمت فيه باتجاههم حتى مسافة كيلومتر واحد للإيحاء بأن الهجوم الرئيسي سيقع على هذا القاطع بالذات من دون غيره…! هنا أطلقت الأوامر في اللحظة نفسها لقوات الحلفاء الرديفة المكلفة بالوصول الى نقطة الحدود المطلوبة بالتحرّك في سهم هجومي على قاطع البديع – الهلبا باتجاه رجم الضبعة فالحدود العراقية، تاركة عملياً القوات الأميركة وعملائها المتسمّرين في التنف لقمة سائغة في فم الأسد يقضمها متى شاء أو يلفظها إلى مجمع القمامة في الأردن بعد أن أصبحت محاصرة وفي عزلة تامة…!
وبالتالي، فإنه وعلى عكس ما كان يتمنّى وزير الحرب الأميركي، الجنرال جيمس ماتياس بأن تتمكّن قواته مع المرتزقة الذين تشغّلهم عندها من منع الجيش العربي السوري والعراقي من السيطرة والتواصل على الحدود، فقد قامت الوحدات السورية وحلفاؤها بعملية اندفاع صاعقة باتجاه الحدود التي وصلتها طلائعهم في وقت قياسي لتجعل تمنيات الجنرال الأميركي تذهب أدراج الرياح…
وكانت صلاة الشكر التي أقامتها قوات الفاطميين الرديفة ومستشاري الحرس الثوري الإيراني بإمامة الجنرال قاسم سليماني في تلك النقطة بمثابة المقتل الذي أصاب الأميركيين في قلوبهم…!
رابعاً: خيبة الجنرال الأميركي ماتياس لم تقف عند هذا الحد، بل إنها تجاوزته بكثير عندما اكتشفت القيادة العسكرية الأميركية في سورية والعراق، أن الجهود الديبلوماسية التي بذلتها روسيا والتي أثنى عليها الناطق باسم البنتاغون، الكابتن البحري جيف ديفيس، لم تكن إلا جزءاً من المناورة الاستراتيجية القاتلة التي نفّذتها القيادة العسكرية السورية…
نقول إن خيبة ماتياس تجاوزت ذلك بكثير عندما اكتشف وصول وحدات النخبة من الحشد الشعبي العراقي الى نقطة الحدود نفسها التي وصلتها الوحدات السورية على بعد ٥٦ كم شمال شرق التنف. تلك الوحدات العراقية التي تحرّكت الى الهدف من جنوب غرب العراق، أي من شمال غرب الرطبة، في عملية منسقة بدقة مع القوات السورية المتقدّمة، مما سبّب صدمة كبرى لدى القيادة الاميركية التي كانت تتبجّح بخطوطها الحمراء في التنف، بينما تقوم القوات السورية بتنفيذ عملية التفاف وعزل وتطويق للكتل السرطانية الأميركية في النقطة إياها والتي لن يطول الزمن حتى يتمّ اجتثاثها وتحرير هذا الجزء من الاحتلال الأميركي ومرتزقته تماماً.
خامساً: وفي إطار البحث عن مبررات الضربة الموجعة التي تلقّاها البنتاغون يقوم الخبراء فيها بـ"تحليل الدور الروسي في هذه المناورة الكبرى ودورها في الحرب الالكترونية التي رافقت عملية الاندفاعة السورية العراقية الصاعقة باتجاه الحدود بين البلدين والسيطرة عليها".
وهنا نرى أنه من المفيد تذكير الجنرال الأميركي بأن إمكانيات الجيش الروسي في الحرب الالكترونية تفوق مثيلاتها لدى الجيشين السوري والعراقي والحلفاء بعشرات المرّات.
هذا كما يجب تذكيره بأن وحدات الحرب الالكترونية لدى حزب الله المشارك في هذا التحالف الكبير هو نفسه الذي كانت وحداته الذكية قد سيطرت على أنظمة الاتصال في الطائرات المسيرة «الإسرائيلية» في العام 1997، اي قبل عشرين عاماً، حيث تمكنت آنذاك من رصد عملية وحدة متكال «الإسرائيلية» ليلة 5/8/1997 ونصبت لها كميناً في بلدة انصارية بجنوب لبنان أسفر عن إبادة تلك القوة بشكل كامل وتحويل جنودها أشلاء.
كما أن من المفيد أيضاً تذكير هذا الجنرال الخائب بأن الجيش السوري يملك إمكانيات في غاية الفعالية على صعيد الاستطلاع والتنصّت والحرب الالكترونية، بالرغم من التدمير الممنهج، الذي مارسته العصابات المسلحة التي يديرها فرع وزارة الحرب «الإسرائيلية» في عمان، ضد قواعد الدفاع الجوي والحرب الالكترونية في المناطق السورية كلها.
ومن نافل القول تذكيره كذلك بالنجاح الإيراني الأكبر في عمليات الحرب الالكترونية عندما تمكّنت وحدات الحرب الالكترونية الإيرانية بالسيطرة على طائرة الاستطلاع الأميركية من دون طيار من طراز R Q 170، التي كانت في طريقها لتنفيذ عمليات تجسس في الأجواء الإيرانية، يوم 4/12/2011 والسيطرة عليها وإنزالها في الأراضي الإيرانية من دون تعرضها لأية أضرار…
سادساً: وعليه فإن نتائج التحليلات التي يقوم بها خبراء البنتاغون وفرع وزارة الحرب «الإسرائيلية» في عمان، أي غرفة الموك، هو ما يفسّر عصبية مرتزقة النظام الأردني وسيّدهم الأميركي وقيامهم بقتل خمسة عناصر سوريين بالقرب من التنف ظناً منهم بأن هؤلاء هم من عناصر القوات السورية وحلفائها…!
نقول ذلك، لأن معركة التنف قد حُسمت لصالح الجيش العربي السوري بعد نجاحاته المهمة في الأيام الماضية، وما تعنيه هذه النجاحات من تغير استراتيجي في وضع ذنبيه اليتيمين «الإسرائيلي» والأردني على حد سواء.
فبعد نجاح الجيش العربي السوري بعزل الأميركي في التنف عن شمال بادية الشام، وتمكّنه من قطع خطوط إمداد داعش بين الشمال السوري ودير الزور، نستطيع القول للأميركي وأذنابه:
Bye bye Tanaf…. See you in Deir ezzor
محمد صادق الحسيني - أوقات الشام