رفع العقوبات.. تٌعرفُ الاشياءُ باضدادها

رفع العقوبات.. تٌعرفُ الاشياءُ باضدادها
الثلاثاء ١٩ يناير ٢٠١٦ - ١٢:٥٣ بتوقيت غرينتش

بعد اكثر من عقد من المفاوضات المضنية واكثر من ثلاثة عقود من الحظر المفروض على ايران، جاء الاتفاق النووي مابين ايران و5+1 في العام الماضي، ليؤكد ان كل تلك الجعجعات حول البرنامج النووي الايراني انما كانت كذبة لاغير.. وانها كانت تصب في خانة حرب شرسة تأمل يائسة من تركيع الجمهورية الاسلامية في ايران، لصالح الغرب وعلى رأسه الشيطان الاكبر امريكا واذياله في المنطقة ..

وعلى الرغم من تقبل الغرب الذي يسميه المنبطحون من الحكومات العربية بالمجتمع الدولي وهو لايتجاوز الخمس دول من مجموع 193 دولة عضوة في الامم المتحدة والتي اعترفت بها امريكا نفسها.. على الرغم من تقبل الغرب فشله في الاملاء على ايران، واعترافه بمخاطر المواجهة العسكرية مع ايران، وسلمية البرنامج النووي الايراني.. سرعان ما خرج من الغربال من هو مع، ومن هو ضد هذا الاتفاق.. والطريف في الامر هو نوع الاصطفاف الحاصل، والدول التي انزعجت من هذا الاتفاق.

فبينما اقترح (كارل بيلت) رئيس الوزراء السويدي السابق، منح جائزة نوبل للسلام للعام 2015 للمتفاوضين، ووصف الرئيس الاميركي (باراك أوباما) ان الاتفاق يؤكد نجاح الجهود الدبلوماسية المضنية، واعتبرت المستشارة الالمانية (انجيلا ميركل) الاتفاق نجاحا مهما للدبلوماسية الدولية"، ورحب وزير الخارجية البريطاني (فيليب هاموند) بالاتفاق، وصرح رئيس الوزراء الايطالي (ماتيو رينزي) بان الاتفاق يظهر امكان حل الازمات بالسبل السلمية"... ووووو...

انتقدت كندا التي تبعد عشرات الالاف عن المنطقة، الاتفاق معتبرة ان ايران لا تزال تشكل "تهديدا للسلام"... ولم يكن ذلك غير متوقع، فان رئيس وزراء كندا السابق (ستيفين جوزيف هاربر) كان صهيونيا اكثر من الصهاينة انفسهم.. الى درجة ردد خلال حفل تورينتو السنوي للصندوق القومي اليهودي، ردد كلمات ثيودور هرتزل، مؤسس الصهيونية السياسية، امام 4000 من الحضور بأن "إسرائيل" هي "نور الحرية والديمقراطية وغير ذلك منطقة الظلام"!

وكل ذلك أملاً في استمالتهم لدعمه في الانتخابات ضد (جاستن ترودو) من الحزب الليبرالي.. ولا غرابة ايضا حين وصف رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتانياهو الاتفاق "بالخطأ التاريخي معلنا ان كيانه"غير ملزم بهذا الاتفاق مع ايران.. لان ايران وحسب تعبيره "ما زالت تسعى لتدميرنا"، لكن الغريب هو الموقف السعودي الموازي لهذه المواقف منذ انتصار الثورة الاسلامية في ايران.. وسعيها الدؤوب لاستمرار الحظر على ايران.. في وقت لطالما روجت لضرورة اظهار حسن الجوار من قبل ايران.. ولطالما سمعنا بدأ من مسؤوليها وليس انتهاءا باكاديمييها الذين تخشبت رقابهم في الفضائيات خوفا من ان يتزحزح العقال فوق رؤوسهم لانه رمز لعروبيتهم.. مدعين انهم اكاديميين وانهم اصحاب شهادات من خارج السعودية.

واليوم حين اعلن عن البدء في تنفيذ الاتفاق ورفع العقوبات عن ايران لازال الموقف نفسه.. فنتنياهو وخلال زيارته يوم السبت لمدينة فلورنسا الإيطالية زعم أن "إيران ستحصل على مئات مليارات الدولارات من رفع العقوبات والاستثمارات لدعم سياستها العدوانية والإرهاب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وما وراءهما".. ونحن نعلم ان المقصود هي المقاومة الاسلامية في غزة ضد الاحتلال وحزب الله في لبنان لاستعادة مزارع شبعا والحكومة السورية التي تقاتل من سمتهم امريكا واوربا نفسها بالارهابيين، وكذلك العراق وحربها ضد داعش المدعومة من المثلث الشيطاني (تركيا – السعودية – قطر) والمصنفة من الغرب على لائحة الارهاب...

لكن لماذا السعودية؟
وصل عادل الجبير من الوقاحة بمكان اعلن فيه خلال حوار مع قناة "سكاي نيوز" الإخبارية قائلا: "جميع دول العالم قلقة من هذه المسألة، أعتقد أن سجل إيران في أذهاننا جميعا ملئ بالحروب والدمار وإشاعة الفوضى والتدخل في شؤون الآخري."

ولايمكن وضع هذا التصريح سوى في خانة استغباء العقل العربي والاسلامي في حرف الوقائع.. ولو عدنا الى الوراء لوجدنا السعودية وبعض دول مجلس التعاون هي التي خدعت صدام في غزو الاراضي الايرانية.. وان الملك حسين هو الذي اطلق قذيفة المدفع باتجاه ايران.. وان السعودية هي التي مدت صدام حتى بطائرات الاواكس، وان غزو الكويت جاء بسبب الاموال الكويتية التي اعطيت لصدام ليقتل الشعب الايراني، وان السعودية وصدام هم الذين شكلوا ماسموه بجيش التحرير العربي في جنوب ايران لزعزعة امنها الداخلي.. كل ذلك بحجة "المد الفارسي".. لكن الظروف اختلفت بعد غزو صدام للكويت خلال اربع ساعات لمطالبة الاخيرة بقروضها التي دعمت من خلالها الحرب التي فرضت على ايران...

اذ تغير الاسلوب والخطاب، من "المد الفارسي" الى "المد الشيعي الصفوي" وتهميش السنة وبقية الترهات.. واستمرت الوقاحة في التروييج المستمر للتدخل الايراني في الشؤون العربية.

فاما هو غباء، او هو استغباء.. وكما اسلفنا من قبل، نحن لانعيش احداث الفيلم الامريكي "حرب النجوم".. والايرانيين قادمون من المريخ ليهاجموا الدول العربية، والسعودية تتصدى لها.. ولا احد يقول لهؤلاء: ايها السادة ان انتم تجهلون الجغرافيا فافتحوا الخرائط، وحينها سترون ان الحدود البحرية والبرية لايران مع الدول التي تسمي نفسها عربية، هي اطول باضعاف من الحدود بين العرب انفسهم، وان هذه الدول هي التي بدئت التدخل في ايران خدمة لمصالح امريكا والكيان الصهيوني، وان علاقات الدول ليست احادية الجانب، بل هي ثنائية.. وان ايران في اوج ضعفها قاومت الغزاة البعثيين ومن ورائهم انتم والدول الغربية وامريكا.. ولم تتمكنوا من ان تستقطعوا شبرا واحدا من الاراضي الايرانية او تغيير النظام.. فعلى ماذا تراهنون اليوم، وقد اعترفت القوى العظمى بفشلها في تركيع ايران؟!

ولربما خرج من هنا وهناك من قال: ان ايران تقاتل بالنيابة في المنطقة.. وانها لم تطلق رصاصة واحدة ضد الكيان الصهيوني.. وهذه ايضا ذر للرماد في عيون الشعوب العربية لو بقيت هنالك شعوب عربية.. لاننا يجب ان نسال هؤلاء: هل هذا يعني ان كل من لم يطلق رصاصة ضد الكيان هو موافق لها؟ ولو كان الجواب نعم، فيمكن القول ان مجلس التعاون برمته متعاطف مع ذلك الكيان وخاصة السعودية التي احتل الكيان الصهيوني جزيرتين من جزرها.. ثم هل تسمح دول مجلس التعاون وعلى رأسها السعودية للقوات الايرانية من اجتياز الاراضي الكويتية والسعودية للاشتباك مع الكيان الصهيوني.. وهل تسمح على اقل تقدير للطيران الايراني في قصف تل ابيب.. كما سمحت سرا للاخيرة بالعبور من اجوائها في حال ارادت قصف ايران؟!

نفاق ما بعده نفاق، اودى بحياة الشعوب العربية ويريد اليوم ان يودي بحياة بالامة الاسلامية.. لكن يأبى الله الا ان يتم نوره ولو كره الكافرون.. وهو القائل عز وجل: "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين".

• رائد دباب