ان الإمام العسكري هو أكبر ابناء الإمام علي بن محمد الهادي عليهما السلام. وُلد في العاشر من شهر ربيع الثاني في السنة الثانية والثلاثين بعد المئتين للهجرة في المدينة المنورة واستشهد في الثامن من ربيع الأول من السنة الستين بعد المئتين للهجرة عن عمر يناهز الثمانية و العشرين عاماً ودُفن في بيته في سامراء في البيت الذي دفن فيه والده الإمام علي الهادي (ع). كنيته "أبو محمد" وكان يكنّى أيضاً "بابن الرضا". وترك الإمام الحسن العسكري (ع) بعده، ابنه الحجة المنتظر المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) هو ابنه الوحيد الذي سينشأ دولة العدل ويمليء الارض عدلا وقسطا بعد ان ملئت ظلما وجورا.
وتولی الإمام العسكري مهامَ الامامة بعد أبيه واستمرت إمامته نحو من ست سنوات، مارس فيها مسؤولياته الکبری في أحرج الظروف وأصعب الايام علی اهل بيت الرسالة بعد أن عرف الحکام العباسيون أن المهدي من أهل بيت رسول لله (ص) ومن ولد علي ومن ولد الحسين (عليهم السلام) فکانوا يترصدون أمره وينتظرون أيامه کغيرهم، لا ليسلَموا له مقالد الحکم بل ليقضوا علی آخر أمل للمستضعفين. وعاصر الإمام عليه السلام، مدة امامته القصيرة جدا کلا من الخليفة المعتز والمهتدي والمعتمد العباسي، ولاقی منهم أشد العنت والملاحقة والإرهاب کما تعرض للاعتقال عدة مرات. لقد کان الإمام العسکري (ع) استاذ العلماء وقدوة العابدين وزعيم المعارضة السياسية والعقائدية في عصره، وکان يُشار إليه بالبنان وتهفو إليه النفوس بالحب والولاء، کما کانت تهفو إلی أبيه وجده اللذين عُرف کل منهما بابن الرضا (ع) کل هذا رغم معاداة السلطة لأهل البيت عليهم السلام وملاحقتها لهم ولشيعتهم.
لقد کان الإمام ابو محمد الحسن العسکري (ع) في معالي اخلاقه نفحة من نفحات الرسالة الإسلامية فقد کان علی جانب عظيم من سمو الاخلاق يقابل الصديق والعدو بمکارم اخلاقه ومعالي صفاته، وکانت هذه الظاهرة من ابرز مکوناته النفسية ورثها عن آبائه وجده رسول الله (ص) الذي وسع الناس جميعا بمکارم اخلاقة. لم يسلم الإمام العسكري (ع) كأجداده من شر الملوك العباسيين وملاحقتهم له، وقد فرضت السلطة العباسية الاقامة الجبرية علی الامام الحسن العسکري (ع) واجبرته علی الحضور في يومين من کل اسبوع في دار الخلافة العباسية.
وقد لاحقت السلطة العباسية الإمام العسکري عليه السلام واحاطته بالرقابة وأحصت علی کلَ تحرکاته لتشل نشاطه العلمي والسياسي وتحول بينه وبين ممارسة دوره القيادي في أوساط الامة. ومن هنا کان الإمام مهتما کآبائه عليهم السلام بالعمل السرَي غاية الاهتمام بالاضافة إلی احکامه الجهاز الوکلاء ليکون قادرا علی أداء دوره القيادي بشکل تام وفي ظل تلك الظروف العصيبة حين استطاع ان يقضي علی محاولات الابادة لنهج اهل البيت (ع). لقد خاض الإمام الحسن العسکري (ع) کآبائه الکرام (ع) ملحمة الکفاح السياسي لمواجهة الظلم والإرهاب والتلاعب بالسلطة ومقدرات الامة ومصالحها فحافظ علی أصول الشريعة والقيم الرسالية، ومهَد بذلك خير تمهيد لعصر الغيبة الذي اخبر النبي (ص) والائمة من اهل بيته (ع) من حتميته وضرورته.
وقد زخرت مدرسة اهل البيت (ع) في عصر الإمام العسکري (ع) بالعلم والدعوة إلی خط أهل البيت والدفاع عن الشريعة الإسلامية من خلال کوکبة أصحاب الإمام ورواة حديثه وطلاب مدرسته. وکان الإمام حسن العسکري عليه السلام، بالرغم من حراجة ظروفه السياسية، جادا في الدفاع عن الشريعة ومحاربة البدع وهداية المترددين والشاکين وجذبهم إلی حضيرة الدين.
وازداد غيض المعتمد، من إجماع الامة -سنة وشيعة- علی تعظيم الامام (ع) وتبجيله وتقديمة بالفضل علی جمع العلويين والعباسيين في الوقت الذي کان المعتمد خليفة غير مرغوب فيه لدی الامة. فأجمع رأيه علی الفتك بالإمام واغتياله فدسَ له السمَ، وقضی نحبه صابرا شهيدا محتسبا، في الثامن من ربيع الاول عام 260 للهجرة، وعمره الشريف دون الثلاثين عاما.
فسلام عليه يوم ولد ويوم جاهد في سبيل رسالة ربه ويوم استشهد ويوم يبعث حيَا.
من حكم ووصايا الإمام الحسن العسكري عليه السلام:
*1- أوصيكم بتقوى الله والورع في دينكم وصدق الحديث وأداء الأمانة إلى من ائتمنكم من برّ أو فاجر، وطول السجود وحسن الجوار.
*2- ليس العبادة كثرة الصيام والصلاة وإنما هي كثرة التفكر في أمر الله.
*3- بئس عبد يكون ذا وجهين وذا لسانين. يطري أخاه شاهداً ويأكله غائباً. إن أعطي حسده وإن ابتلي خذله.
*4- الغضب مفتاح كل شر. وأقل الناس راحة الحقود، وأزهد الناس من ترك الحرام.
*5- الإلحاح في الطلب يسلب البهاء ويورث التعب والعناء. فاصبر حتى يفتح الله لك باباً يسهل الدخول فيه، فلا تعجل على ثمرة لا تدرك، فاعلم أن المدبر لك أعلم بالوقت الذي يصلح حالك فيه فثق بخبرته في جميع أمورك.
*6- كفاك أدباً تجنبك ما تكره من غيرك. خير إخوانك من نسي ذنبك وذكر إحسانك إليه.
*7- وقال عليه السلام لشيعته: اُوصيكُم بِتَقوَى اللّه، وَالوَرَعِ في دينِكُم، وَالاِجتِهادِ للّه ِِ، وصِدقِ الحَديثِ، وأداءِالأَمانَهِ إلى مَنِ ائتَمَنَكُم مِن بَرٍّ أو فاجِرٍ، وطولِ السُّجودِ، وحُسنِ الجِوارِ، فَبِهذا جاءَ مُحَمَّدٌ صلي الله عليه و آله. صَلّوا في عَشائِرِهِم، وَاشهَدوا جَنائِزَهُم، وعودوا مَرضاهُم، وأدّوا حُقوقَهُم، فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنكُم إذا وَرَعَ في دينِهِ وصَدَقَ في حَديثِهِ وأدَّى الأَمانَةَ وحَسَّنَ خُلُقَهُ مَعَ النّاسِ قيلَ: هذا شيعِيٌّ، فَيَسُرُّني ذلِكَ. اِتَّقُوا اللّه َ وكونوا زَينًا ولا تَكونوا شَينًا، جُرّوا إلَينا كُلَّ مَوَدَّةٍ وَادفَعوا عَنّا كُلَّ قَبيحٍ، فَإِنَّهُ ما قيلَ فينا مِن حَسَنٍ فَنَحنُ أهلُهُ، وما قيلَ فينا مِن سوءٍ فَما نَحنُ كَذلِكَ. لَنا حَقٌّ في كِتابِ اللّه ِ وقَرابَةٌ مِن رَسولِ اللّه ِ وتَطهيرٌ مِنَ اللّه، لا يَدَّعيهِ أحَدٌ غَيرُنا إلاّ كَذّابٌ. أكثِروا ذِكرَ اللّه ِ وذِكرَ المَوتِ وتِلاوَةَ القُرآنِ وَالصَّلاةَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله، فَإِنَّ الصَّلاةَ عَلى رَسولِ اللّه عَشرُ حَسَناتٍ. اِحفَظوا ماوَصَّيتُكُم بِهِ، وأستَودِعُكُمُ اللّه َ، وأقرَأُ عَلَيكُمُ السلام.