المعلومات التي جاءت في كتاب غيتس هي معلومات في غاية الدقة صادرة عن رجل كان من صناع القرار الامريكي لسنوات طويلة، فهو كان يشغل منصب وزير الدفاع خلال ولاية الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش واحتفظ بمنصبه بعد فوز الرئيس الحالي باراك اوباما بالرئاسة لعدة سنوات قبل تركه منصبه، وكان قبل ذلك مديرا لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، ومسؤولاً في مناصب اخرى ومقربا من الرئيس جورج بوش الأب ووزير خارجيته جيمس بيكر.
أخطر المعلومات التي تضمنها كتاب غيتس الذي جاء تحت عنوان، "الواجب..ذكريات وزير دفاع"، وتحديدا في الفصل الخامس من الكتاب "ما بعد العراق:عالم معقد"، حيث تحدث غيتس عن لقائه الأول كوزير دفاع مع الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز وكانت برفقته وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك كوندوليزا رايس. وقد تمّ هذا اللقاء في صيف عام 2007 بعد مؤتمر شرم الشيخ في مصر.
يقول غيتس ان "هذا اللقاء مع الملك السعودي شكّل أحد أهم لقاءاته مع مسؤولين وقادة طوال عمله السياسي، وكان الوحيد الذي فقد فيه تحكمه باعصابه. والسبب ان الملك عبدالله طالبه كوزير دفاع لأمريكا بأن تشن واشنطن هجوما عسكريًا شاملا على أهداف عسكرية في ايران وليس فقط على الأهداف الايرانية التي تحوم الشكوك حول كونها مصانع للتسلح النووي. وهدد الملك السعودي، خلال هذا اللقاء، بانه اذا لم تشنّ أمريكا هذا الهجوم العسكري فان السعودية ستتخذ الأجراءات من جانبها وباستقلال عن القرار الأمريكي، للدفاع عن مصالحها، كما رآها العاهل السعودي".
ورأى غيتس ان الملك السعودي "كان يطلب من أمريكا ان ترسل شبابها الى الحرب مع ايران لحماية الموقف السعودي والسياسات السعودية في الخليج الفارسي والمنطقة وكأن الأمريكيين مرتهنون لهذه المواقف من دون جدل".
وحسب غيتس، وصف العاهل السعودي أمريكا في اللقاء بأنها "تحولت الى دولة ضعيفة بنظر حكومات المنطقة العربية".
وأشار غيتس الى انه "غضب أزاء مواقف الملك السعودي في هذا الشأن، وردّ بقوله انه طالما لم تشن ايران حربا على أمريكا أو حلفائها فاذا قرر رئيس الجمهورية الأمريكي شن حرب عليها فانه سيتم اقصاؤه من منصبه خصوصا بعد تورطه في العراق عام 2003، وان الاستخدام العسكري للقوات الأمريكية سيتم فقط لدى التعدّي على أمريكا وشعبها ومصالحها".
اقول اذا كان هذا هو الموقف السعودية من ايران كما ذكر غيتس، فيما الظروف الاقليمية كانت حينها اقل تعقيدا مما هي عليه اليوم، ترى كيف سيكون حال هذه السياسة السعودية الان والمنطقة برمتها تشهد غليانا لم تشهده من قبل، لاسيما ان هذه السياسه خرجت اليوم، تحت قيادة صقور ال سعود من امثال الاخوين تركي وسعود الفيصل والاخوين بندر وسعود سلطان، من مرحلة العمل في الخفاء الى مرحلة المواجهة والتحدث وحتى الصراخ في العلن، كما حدث عندما رفضت السعودية مقعد مجلس الامن، ورفض وزير خارجيتها القاء كلمة امام الجمعية العامة للامم المتحدة، احتجاجا على الاتفاق النووي الذي توصلت اليه مجموعة 5+1 مع ايران، وكذلك احتجاجا على عدم شن امريكا هجوما عسكريا على سوريا!!، فمن المؤكد، ان الاسرار التي ستكشف عنها امريكا في السنوات والعقود المقبلة، عن السياسة والمواقف السعودية من مجمل ما يجري الان، ستكون حتما في غاية الخطورة وحتى كارثية بكل ما للكلمة من معنى، فمثل هذا النظام الذي يستجدي اقوى قوة في العالم لتشن هجوما على جار له يعتبر اقوى قوة اقليمية، فمثل هذا الاستجداء يعكس مدى ضحالة وسخف وعدم مسؤولية هذا النظام ازاء المنطقة وشعوبها وازاء الشعب السعودي نفسه، ويكشف مدى كذب ونفاق هذا النظام بشان الحرص على الاسلام والمسلمين.
الشيء الملفت في المعلومات التي كشف عنها غيتس هو وجود بقايا عقل في القيادة الامريكية، التي لم تستجب لهذيان وجنون قادة السعودية، فبقايا هذا العقل حال دون ان تقع امريكا في الفخ السعودي، وتدخل في حرب لا يعرف الا الله حدودها وكيف تنتهي.
نبيل لطيف - شفقنا