بات واضحا للجميع ماهية وطبيعة الاعلام الممول خليجيا لاسيما الاعلام السعودي والقطري، فهذا الاعلام يحمل ليس نفسا طائفيا مقيتا فحسب، بل هو اعلام طائفي بامتياز ويعمل على ترويج روح التشرذم والتفكك والتصارع والانبطاح والانكسار والتبعية والخنوع، وقد بات واضحا موقف هذا الاعلام من الصراع مع الكيان الصهيوني وحروب المقاومة في لبنان وفلسطين ضد هذا العدو، فقد جند هذا الاعلام كل امكانياته لخدمة العدو الصهيوني ضد المقاومين في لبنان وفلسطين، ويكفي مراجعه سريعة لتغطية هذا الاعلام لحرب تموز عام 2006 بين حزب الله والعدو الصهيوني، وحرب عامي 2008 و 2012 بين حماس واسرائيل للوقوف على الاداء المخزي لهذا الاعلام.
ولكن وفي هذه الايام التي يتعرض لها العراق لغزو من زمرة داعش الارهابية التكفيرية، تجاوز هذا الاعلام حتى حدود الطائفية الى العبثية والضحك على الناس واضحاك الناس ايضا، في مشهد سوريالي يجمع بين متناقضات لا تجتمع في الحالات الطبيعية، فالمشاهد لقناة "العربية" السعودية، وهي تغطي احداث الهجمات الارهابية التي تنفذها زمرة داعش الارهابية التكفيرية في العراق، يشعر انه يتابع فيلما مقتبسا من الخيال الجامح، يريد القائمون عليه ان تصدق ما يقولونه وتكذب عقلك وعينيك.
صحيح ان قناة "العربية" هي سعودية، وصحيح ان سياسة السعودية لا ترى في اسرائيل عدوا، بل في ايران، ولا ترى في القاعدة وداعش والنصرة والتكفيريين عدوا، بل في الشيعة وحزب الله والحوثيين والشعب البحريني المظلوم، وصحيح ان تاريخ ال سعود يتناقض بالمرة مع نضال الشعوب العربية في التحرر والانعتاق من الاستعمار والاستبداد، وصحيح ان الوهابية القائمة على تكفير المسلمين وكل ما يخالفها في عقيدتها، هي الاساس الذي قام عليه ملك ال سعود، كل ذلك صحيح و واضح، ولكن ان يحاول الاعلام السعودي ان يجعل من الاسود ابيض ومن الابيض اسود، ويطلب من المشاهد ان يصدق ما يقول، فاهذا امر في غاية البلادة والوقاحة.
من سوء حظ الاعلام الخليجي وخاصة قناة "العربية" ان الحرب الدائرة على العراق اليوم من قبل داعش متزامنة مع حرب داعش على سوريا، فهذا التنظيم الارهابي في العراق وسوريا هو تنظيم واحد ويعمل تحت قيادة واحدة ويحمل ذات الافكار ويستخدم ذات الاساليب الوحشية لتحقيق اهدافه، والقاعدة الكلية التي يقام عليها كل هذا البناء العبثي هي الوهابية، الافة الاخطر التي تنخر في جسد الامة الاسلامية، الا ان قناة "العربية" السعودية، تريد منا ان نصدق ان "داعش" في سوريا ارهابية تكفيرية، ولكنها في العراق "سنية ثورية" !!، بينما "الداعشان" هما داعش واحد وان عناصره تتنقل بين سوريا والعراق، بدعم سعودي قطري تركي واضح وفاضح.
انه بمجرد انتقال الف عنصر من عناصر داعش من سوريا، حيث صنفتهم السعودية هناك، اي في سوريا، بانهم ارهابيون لانهم يحاربون الفرع الرسمي للقاعدة في سوريا الا وهي "جبهة النصرة" وباقي المجموعات التكفيرية الاخرى، وترفض الحلول الوسط التي طرحتها السعودية وقطر عبر مشايخ الوهابية، نقول بمجرد انتقال عناصر داعش الى الجانب الاخر من الحدود اي الى العراق، يتحولون الى "مقاتلين سنه" و "ثوار سنة" و "معارضة سنية مسلحة" ، بقدرة قناة "العربية".
اما كيف يمكن للمشاهد ان يهضم هذا الهذيان الاعلامي السعودي؟، فهذا امر لم يفكر به دهاقنة وخبراء الاعلام في هذه القناة السيئة الصيت، لانهم بصراحة لا يقفون امام هذه الامور كثيرا، فالحياء كما يقال قطرة، فالقائمون على هذه القناة تبخر كل ما لديهم من حياء عندما طعنوا المقاومة اللبنانية من قبل في الظهر وهي تصارع اشرس عدو للامتين العربية والاسلامية، وتصف المقاومة بانها ميليشيا، بينما تصف "النصرة" و"القاعدة" ب"الثوار"، وتصف حماس بابشع الصفات بينما تصف التكفيريين في سوريا ب"المقاومة"، لذا ليس غريبا ان تتحول زمرة من الوهابية المجرمة المتطرفة تكفر وتقتل من يخالفها وتاكل لحم الموتى وتنهتك الحرمات وتغتصب المسلمات وتهدم اضرحة الانبياء والصحابة والاولياء وتهدم الجوامع والكنائس ودور العبادة وتاتي بافعال لا تاتي بها الكواسر، مثل داعش الى "ثوار سنة" يجاهدون لاسقاط رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي "الشيعي" !!، فهل بعد هذا الجهاد جهاد!!، الا تعسا لهذه القناة المفضوحة ولكل من يعمل فيها وهو يعرف اهدافها.
ندعو كل انسان عربي يحترم عقله ، الى ان يقتطع من وقته دقائق ليتابع هذه القناة السعودية وتغطيتها لفظائع زمرة داعش في سوريا والعراق ، فهو سيرى على شاشتها داعشي شيشاني وهابي تكفيري يقوم بذبح مواطن سوري من الوريد الى الوريد على صيحات الله اكبر، وبعد ساعات ينتقل الى العراق فيذبح مواطنا عراقيا من الوريد الى الوريد على صيحات الله اكبر، في هذه الحالة ان عقل الانسان العربي المسلم يقول له ان الجريمتين وحشيتان وان فاعلهما واحد وهو مجرم، ولكن قناة "العربية" السعودية تريد وبكل وقاحة ان تصادر عقوله، وتطلب منه ان يعتبر الاول "تكفيري ارهابي" والثاني "ثوري سني"، بينما القاتل واحد.
تراب تراب - شفقنا