الإمام الحسين عليه السلام هو أحد اثنين نسلت منهما ذرية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأحد الاربعة الذين باهل بهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نصارى نجران، ومن اصحاب الكساء الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، ومن القربى الذين أمر الله بمودتهم، وأحد الثقلين اللذين من تمسّك بهما نجا ومن تخلّف عنهما ضلّ وغوى.
أكد أغلب المؤرخين أنه عليه السلام ولد بالمدنية المنورة في الثالث من شعبان في السنة الرابعة من الهجرة. ولد الإمام الحسين عليه السلام في بيت كان محطّ الملائكة ومهبط التنزيل، في بقعة تتصل بالسماء طوال يومها بلا انقطاع، وتناغم مع أنفاسه آيات القرآن الكريم التي تتلى آناء الليل والنهار، وترعرع بين شخصيات مقدسة تجلّلت بآيات الله ونهل من نمير الرسالة عذب الارتباط مع الخالق وصاع لبنات شخصيته نبي الرحمة صلى الله عليه وآهل وسلم بفيض مكارم اخلاقه وعظمة روحه. كان مثالا للانسان الرسالي الكامل، وتجسيدا حيا للخلق الرفيع في الصبر على الاذى في ذات الله والسماحة والجود والرحمة والشجاعة وإباء الضيم والعرفان والتعبّد والخشية لله تعالى والتواضع للحقّ والثورة على الباطل ورمزا شامخا للبطولة والجهاد في سبيل الله والامر بالمعروف والنهي عن المنكر واسوة مثلى للايثار والتضحية لاحياء المُثل العليا التي اجتمعت في شريعة جدّه سيّد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم، حتى قال عنه جدّه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم "حسين منّي وأنا من حسين" معبرا بذلك ابلغ التعبير عن سمو هذه الشخصية العظيمة التي ولدها ورباها بيديه الكريمتين.
بقي الامام الحسين عليه السلام بعد جدّه في رعاية الصدّيقة الزهراء سيّدة نساء العالمين فاطمة عليها السلام وفي كنف أبيه المرتضى سيّد الوصيين وامام المسلمين الذي عاش محنة الانحراف في قيادة الاُمة المسلمة بعد رحيل رسول الله صلى الله علية وآله وسلم وقد حفّت بابيه واُمه نكبات هذه المحنة والصراع مع الذين صادروا هذه الإمامة الكبرى بكل صلف ودون حجّة او برهان.. لقد عاش ابو عبد الله الحسين مع اخية الحسن وأبيه عليّ واُمه الزهراء هذه المحنة وتجرع مرارتها وهو لايزال في سن الطفولة، ولكنه كان يعي جيدا عمق المحنة وشدّة المصيبة.
شب الإمام الحسين عليه السلام أيام خلافة الخليفة الثاني عمر بن خطاب وانصرف مع أبيه وأخيه عن السياسة والتصدي للحكم في ظاهر الامر، وأقبل على تثقيف الناس وتعليمهم معالم دينهم في خطّ الرسالة الصحيحة والذي كان يتمثل في سلوك والده عليّ بن ابي طالب عليه السلام ومواقفه المبدئية المشرّفة.
ووقف الإمام الحسين عليه السلام الى جانب أبيه واخيه الحسن عليهما السلام، في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان، وهو في عنفوان شبابه يعمل مخلصا لاجل الاسلام ويشترك معهما في وضع حدّ للفساد الذي اخذ يستشري في جسم الاُمة والدولة معا في ظل حكم الخليفة عثمان ولم يتعدّ مواقف ابيه عليه السلام طيلة هذه الفترة، بل عمل كجندي مخلص للقيادة الشرعية التي أناطها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأبيه المرتضى عليه السلام.
وفي عهد الدولة العلوية المباركة وقف الحسين الى جانب ابيه في جميع مواقفه وحروبه ولم يتوان عن قتال الناكثين والقاسطين والمارقين، بينما كان أبوه حريصا على حياته وحياة أخيه الحسن عليه السلام خشية انقطاع نسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بموتهما، وبقيا الى جانب أبوهما المرتضى عليه السلام حتى استشهد في بيت من بيوت الله وفاز بالشهادة وهو في محراب العبادة بمسجد الكوفة وفي اقدس لحظات حياته اي لحظة العبادة والتوجه الى ربّ الكعبة حيث خرّ صريعا شهيدا مظلوما وهو يقول "فزتُ وربّ الكعبة".
ثم وقف الى جانب أخيه الإمام الحسن المجتبى عليه السلام بعد ان بايعه بالخلافة كما بايعه عامة المسلمين في الكوفة من المهاجرين والانصاروالتابعين لهم باحسان ولم يتعدّ مواقف اخيه الذي نص على امامته كلّ من جدّه وابيه بالرغم من كلّ المغريات التي كان يستعملها معاوية لاسقاط الإمام الحسن عليه السلام وتفتيت قواه والقضاء على حكومته المشروعة.
لقد كان الحسين عليه السلام يعي مواقف أخيه الحسن عليه السلام بشكل تام والنتائج المترتبه على تلك المواقف لانه كان يدرك حراجة الظرف الذي كان يكتنف الامة الاسلامية آنذاك وبعد استشهاد الإمام عليّ عليه السلام بشكل خاص، حيث انطلت ألاعيب معاوية وشعاراته الزائفة على جماعة كبيرة من السذج والبسطاء ممن كانوا يشكّون ويشكّكون في حقانية خط الإمام عليّ ابن ابي طالب عليه السلام بعد ذلك التضليل الاعلامي الذي قام به معاوية وبطانته وعمّاله في صفوف الجيش المساند للإمام ولم يستطيع الامام الحسن عليه السلام بكل ما اُوتي من حنكة سياسية وشجاعة أدبية ورصانة منطقية ان يقنع تلك القاعدة الشعبية، ويوقفها على زيف الشعارات الأموية في عدم صحّة الخضوع لشعار السلم الذي كان قد تسلح به معاوية لنيل الخلافة بأبخس الاثمان، مما اضطر الإمام الحسن عليه السلام للاقدام على الصلح من موقع القوة بعد نفذ جميع الخطط السياسية، وبذلك افلح الإمام الحسن عليه السلام بعد ان اختبر الطرق الصعبة وتحمّل ما تحمّل من الاذى والمكروه من أقرب شيعته فضلا عن اعدائه حيث استطاع ان يكشف حقيقة الحكم الاموي الجاهلي الذي ارتدى لباس الاسلام ورفع شعار الصلح والسلم ليقضي على الاسلام باسم الاسلام وبمن ينتسب الى قريش قبيلة الرسول الاكرم صلى الله وعليه وآله وسلم، وبعد ذلك سولت لمعاوية نفسه ان يدس السم الفاتك الى الإمام الحسن عليه السلام ليستطيع توريث الخلافة الاسلامية لابنه الفاسق يزيد.. ولكنه لم يع نتائج هذا التنكر للشروط ولنتائج هذه المؤامرة القذرة.. وقد ايقن المسلمون- بعد مرور عقدين من الحكم الاموي- بشراسة هذا الحكم وجاهليته مما جعل القواعد الشعبية الشيعية تستعد لخوض معركة جديدة ضد النظام الحاكم وبذلك تهيأت الظروف الملائمة بموت معاوية ومجيء يزيد الفاسق شارب الخمر والمستهتر بأحكام الدين الى سدّة الحكم والاقدام على اخذ البيعة من وجوه الصحابة وعامة التابعين والاصرار على اخذها من مثل أبيّ الضيم إبي عبدالله الحسين عليه السلام سيّد أهل الإباء وإمام المسلمين.
لقد حكم معاوية بن أبي سفيان مايقارب عشرين سنة متبعا سياسة التجويع والارهاب والخداع والتزوير، مما ادى الى انكشاف حقيقته للامة من جهة ، في حين انها كانت قد ابتليت بداء "موت الضمير" و"فقدان الإرادة" من جهة ثانية، وهكذا استيقظت الامة من سباتها وزال شكها بحقانية خط اهل البيت عليهم السلام بعد ان ارتفع جهلها بحقيقة الامويين ولكنها لم تقو على مقارعة الظلم والظالمين، كما قال الشاعر فرزدق للإمام الحسين عليه السلام حين كان متوجها الى العراق ومستجيبا لدعوة الكوفيين: "قلوبهم معك وسيوفهم عليك".
ومن هنا تأكد الموقف الشرعي للإمام الحسين عليه السلام بعد ان توفرت كل الظروف اللازمة للقيام في وجه الامويين الجاهليين بينما لم تكن النهضة مفيدة للامة في حالة الابتلاء بمرض الشك والترديد التي كانت تعاني منه في عصر الإمام الحسن عليه السلام.
لقد تمت الحجة على الإمام الحسين عليه السلام حينما راسله أهل العراق وطلبوا منه التوجه نحوهم بعد ان اخرجوا عامل بني اُمية من الكوفة وتمردوا على الامويين حيث كان هذا احد مظاهر رجوع الوعي الى عامة شيعة أهل البيت عليهم السلام.
فاستجاب الامام الحسين لطلبهم وتحرك نحوهم بالرغم من علمه بعدم ثباتهم وضعف إرادتهم أمام إغراءات الحاكمين واضطهادهم وارهابهم، وذلك لانه كان لابد له من معالجة هذا المرض الجديد الذي يؤدي باستشرائه الى ضياع معالم الرسالة، واعطاء المشروعية لمثل حكم يزيد وامثاله من الجاهليين الذين تستروا بستار الشريعة الاسلامية لضرب الشريعة وتمزيقها.
وبعد ان استجمعت ثورة الامام الحسين عليه السلام كل الشروط الازمة لنجاحها وبلوغ اهدافه نهض مستنفرا كل طاقاته وقدراته التي كان قد اعدها وهيأها في ذلك الظرف التأريخي في صنع ملحمتة الخالدة، فحرك ضمير الامة واعادها لتسلك مسيرة رسالتها وبعث شخصيتها العقائدية من جديد وسلب المشروعية من حكام الطغاة، ومزّق كلّ الأقنعة الخدّاعة التي كانوا قد تستروا بها، واوضح الموقف الشرعي للامة على مدى الاجيال. ولم يستطع الطغاة ان يشوهوا معالم نهضته كما لم يستطيعوا ان يقفوا بوجه المدّ الثوري الذي احدثه على مدى العصور، ذلك المدّ الذي اطاح بحكم بني امية وبني العباس ومن حذا حذوهم.. فكانت ثورته عليه السلام مصدر إشعاع رسالي لكل الامم كما كانت القيم الرسالية التي طرحها وأكد عليها محفزا ومعيارا لتقييم كل الحكومات والانظمة الساسية الحاكمة.. فسلام والف سلام عليك يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيا.