من بين اهم الملامح في الصورة الجديدة والتي تباينت كليا مع ملامح الصورة القديمة ، هي تلك الخاصة بتركيا ، التي بهتت حتى تلاشت ، على اثر الاتفاق الكيميائي ، وعلى وقع الغاء الضربة العسكرية الامريكية ، وصدمة فرار الوية "الجيش الحر" المدعوم من انقرة ، لاسيما لواء عاصفة الشمال ، امام مسلحي دولة العراق والشام الاسلامية ، الذين اقاموا إمارة "إسلامية" على الحدود مع تركيا.
صعود نجم القاعدة في سوريا جاء بالتزامن مع افول نجم المجموعات المسلحة التي تدعمها تركيا والمحسوبة على الائتلاف المعارض كالجيش "الحر" الذي اخذ يتآكل ، حيث أعلنت نحو 70 مجموعة مسلحة في محافظة درعا سحب اعترافها بالائتلاف، بالاضافة الى اعلان 13 مجموعة مقاتلة في شمال سوريا عن تأليف تشكل جديد يضم جبهة النصرة.
وفي تطور خطير ينذر بتغيير قواعد اللعبة بين تركيا والمجموعات المسلحة المرتبطة بالقاعدة التي تسيطر على اجزاء من شمال سوريا ، اعلن الجيش التركي انه قصف مواقع لجماعات مرتبطة بدولة العراق والشام الاسلامية داخل الأراضي السورية ، ردا على قصف لموقع عسكري تركي عند الحدود مع سورية.
ان ظهور إمارة داعش في خاصرة تركيا ، لم يكن مفاجئا للكثير من المراقبين الذين حذروا كثيرا قادة حزب العدالة والتنمية ، من سياسة الابواب المفتوحة التي اعتمدتها في التعامل مع المجاميع المسلحة القادمة من مختلف انحاء العالم للقتال في سوريا ، وكذلك من صعوبة السيطرة عليها فيما بعد ، مستشهدين بالخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبته باكستان في نهاية سبعينيات وبداية ثمانينيات القرن المنصرم عندما انتهجت سياسة الابواب المفتوحة امام المقاتلين القادمين من جميع انحاء العالم و آوتهم ودعمتهم وسلحتهم للقتال في افغانستان ، فارتدوا بعد عقود الى الداخل
الباكستاني على انماط واشكال شتى، حيث مازال الشعب الباكستاني يدفع ثمن تلك السياسة الى اليوم من امنه ودمه واستقراره.
الفارق الوحيد بين السياسة التركية و نظيرتها الباكستانية يكمن في عدم وجود المدارس الدينية في تركيا والتي كانت تقوم بمهمة أعداد الوافدين الى باكستان عقائديا قبل ارسالهم الى افغانساتان ، صحيح ان الغالبية العظمى من هؤلاء كانوا من الافغان الذي لجأوا الى باكستان ابان الغزو السوفيتي لبلادهم ، الا ان هناك الكثير من الباكستانيين والعرب والاجانب من مختلف الجنسيات انخرطوا في هذه المدارس.
من الاشياء التي تتقاسمها تركيا مع باكستان كانت معسكرات التدريب ، حيث اقامت تركيا مثل هذه المعسكرات للمعارضين السوريين ولمن يريد قتال النظام السوري، ظنا منها ان بالامكان الفرز بين المقاتل الجيد والمقاتل السيىء ، وهو خطا كبير وقعت فيه حكومة انقرة التي وصلتها اخيرا تهديدات في غاية الخطورة مصدرها تنظيم القاعدة ردا على اغلاق معبري باب الهوى و باب السلامة بعد سيطرة داعش عليهما.
فقد كشفت صحيفة جمهوريت التركية في عددها الصادر يوم الاربعاء الثاني من شهر تشرين الاول/ اكتوبر عن مضمون رسالة أرسلها تنظيم القاعدة لرئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان ، هدد فيها بشن هجمات انتحارية في تركيا لتنظيفها من "كفارها" ما لم تكف تركيا عن مساندة "الجيش الحر" في سوريا وتقوم بإعادة فتح الحدود التركية مع سوريا ولاسيما باب الهوى وباب السلامة، بعد ان اغلقتهما تركيا امام رجال ابي بكر البغدادي.
اما ناقوس الخطر الاخر فدقته صحيفة طرف التركية التي نقلت عن تقرير للمخابرات كشف: أن نحو 500 تركي يقاتلون ضمن 1200 جماعة معارضة في سوريا أغلبها تحمل اسم الجهاد في حين يعمل آخرون كمرتزقة يتقاضون 1500 دولار شهريا، واصفا التقرير الحدود التركية بالهشة جدا ، مشددا على انه لن يتحرك احد دياره في منطقة الأناضول ليقاتل من أجل الديمقراطية في سوريا ، فالجهاديون ، كما يقول التقرير ، يذهبون لقتال الكفرة وهذا هو الخطر الذي تواجهه تركيا.
الدعم اللامحدود لتركيا لمقاتلي الجيش الحر وباقي المجموعات المسلحة التي دخلت في صراع دموي مع الاكراد في شمال سوريا ، يبدو انه اثار جرحا قديما ونازفا في جسد تركيا وهو الجرح الكردي ، حيث اعتبر زعيم الجناح السياسي في حزب العمال الكردستاني جميل بايك إن مقاتليه مستعدون لدخول تركيا من جديد من شمال العراق مهددا باشعال القتال مرة اخرى ما لم تعمل أنقرة على احياء عملية السلام قريبا.
الجانب المهم في تهديد بايك هو اتهامه لتركيا بشن حرب بالوكالة علي الأكراد في سوريا بدعمها للمسلحين المعارضين للحكومة السورية الذين يحاربونهم ، وان حزب العمال الكردستاني من حقه الرد.
وامام كل هذه التهديدات التي تواجه تركيا ، وامام المشهد السوري الذي اخذت تتضح موازين القوة فيه ، وامام المشهد الاقليمي الذي مالت كفته لصالح المحور الداعي للحل السياسي ، وامام المشهد الدولي الباحث عن مخرج للتخلص من السلفيين والتكفيريين الذين لا هم لهم في سوريا سوى تأسيس إمارة تكون لهم قاعدة انطلاق الى باقي الدول الاخرى، لم يبق امام رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان من خيار الا ان يتحمل مسؤوليته التاريخية ازاء شعبه وبلاده ، عبر إعادة حساباته في التعامل مع الازمة السورية برمتها ، ليُبعد بذلك عن ان تركيا شبح التجربة الباكستانية.
*ماجد حاتمي