وقال آية الله خامنئي في نداء تمت قراءته اليوم الاثنين في مراسم البراءة من المشركين التي أقيمت في صحراء عرفات، أن الاضطراب السياسي وانتشار الإرهاب في المنطقة هو نتاج المخططات الأجنبية وعملاء الاستكبار، موضحاً أن الأوضاع المزرية قد تدفع المسلمين لنسيان قضايا أساسية كإنقاذ فلسطين والشعوب الإسلامية من المؤامرات الأميركية والصهيونية.
وأكد قائد الثورة بأن أي قول أو عمل يشعل نار الاختلاف بين المسلمين ويهين مقدساتهم فانه يخدم معسكر الكفر وهو خيانة للإسلام ومحرّم شرعا.
وفيما يلي نص نداء آية الله خامنئي:
“بسم الله الرحمن الرحيم”
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين وعلى آله الطيبين وصحبه المنتجبين
حلول موسم الحج يعد عيدا كبيرا للامة الإسلامية. وهو فرصة ثمينة توفرها هذه الأيام الكريمة كل عام لمسلمي العالم. ووصفة معجزة لو عُرفت قيمتها ووُظفت بالشكل المناسب فانها ستعالج الكثير من الأضرار ونقاط الضعف في العالم الاسلامي.
الحج نبع متدفق للفيض الالهي. وكل واحد منكم أيها الحجاج السعداء حالفه الحظ لتطهير القلب والروح بالشكل المناسب من خلال هذه الاعمال والمناسك المفعمة بالصفاء والمعنوية، ولتتزودوا من نبع الرحمة والعزة والقدرة لجميع عمركم، من خلال الخشوع والتسليم في مقابل الله الرحيم. والالتزام بالواجبات التي وضعت على عاتق المسلمين، والنشاط والفعالية والمبادرة لاعمال الدين والدنيا. والتراحم والعفو في التعامل مع الاخوان، والتحلي بالجرأة والثقة بالنفس في مقابل الحوادث الصعبة والأمل بعون الله ومساعدته في كل مكان وفي كل شيء، وبعبارة وجيزة، يمكنكم العمل على صناعة واعداد أنفسكم كانسان على الطراز الاسلامي في هذه الساحة الالهية للتعليم والتربية وتزيين أنفسكم بهذه الخصال والاستفادة من هذه الذخائر لوطنكم وامتكم وبالنتيجة أخذها كهدية للامة الاسلامية.
إن الامة الاسلامية احوج ما تكون اليوم الى أناس يتمتعون بالفكر والعمل المشفوع بالايمان والصفاء والاخلاص والمقاومة في مقابل الأعداء الحاقدين إلى جانب الاعداد المعنوي والروحي. وهذا هو الطريق الوحيد لنجاة المجتمع الاسلامي الكبير من المصائب التي تلم به جهارا من قبل الأعداء أو بسبب ما علق بهم في الأزمان السالفة من ضعف الارادة والايمان والبصيرة.
لا شك أن العصر الحاضر هو عصر الصحوة واكتشاف الهوية بالنسبة للمسلمين. وهذه الحقيقة يمكن استنتاجها بوضوح من خلال التحديات التي تواجهها الدول الاسلامية. وفي هذه الظروف بالذات فإن العزم والإرادة المرتكزة على الإيمان والتوكل والبصيرة والتدبير يمكنها أن تخرج الامم الاسلامية من هذه الازمات منتصرة مرفوعة الرأس وتجعل مصيرها العزة والكرامة.
إن الجبهة المقابلة التي لا تطيق يقظة وعزة المسلمين استنفرت جميع وسائلها الأمنية والنفسية والعسكرية والاقتصادية والدعائية لإرباك المسلمين وقمعهم وإلهائهم بأنفسهم. نظرة واحدة على وضع دول غرب اسيا من باكستان وافغانستان الى سورية والعراق وفلسطين ودول الخليج الفارسي، ودول شمال افريقيا ايضا من ليبيا ومصر الى السودان وبعض الدول الاخرى توضح كثيرا من الحقائق: الحروب الداخلية، العصبيات الدينية والطائفية العمياء، الاضطرابات السياسية، انتشار ظاهرة الارهاب القاسي، وظهور مجموعات وتيارات متزمتة تقوم على طريقة الاقوام المتوحشين في التاريخ بشق صدور البشر وتمزق قلوبهم بأسنانها، والمسلحون الذين يقتلون الاطفال والنساء ويقطعون رؤوس الرجال ويعتدون على اعراضهم. وفي بعض الحالات يتم ارتكاب هذه الجرائم المخجلة والمثيرة للاشمئزاز باسم الدين وتحت رايته.
إن كل ذلك هو نتاج المخططات الشيطانية والاستكبارية للأجهزة الامنية الأجنبية وعملاء الحكومات العميلة لها في المنطقة. وهي تحصل في الدول التي تتوفر فيها الأرضيات الخصبة، وتحول حياة شعوبها إلى جحيم وتذيقهم المرارة. ومن المؤكد انه في مثل هذه الاوضاع والظروف لا يمكن توقع ان تقوم الدول الاسلامية بتلافي النواقص المادية والمعنوية وتحقيق التقدم العلمي والاقتدار الدولي الذي هو من بركات الصحوة واستعادة الهوية.
هذه الاوضاع المزرية يمكن أن تؤدي الى عقم الصحوة الاسلامية واهدار الاستعدادات الروحية التي تفجرت في العالم الاسلامي، وتعيد الامم الاسلامية مرة اخرى الى حالة من الركود والانزواء والانحطاط وتدفع الى زوايا النسيان قضاياها الاساسية والمهمة كإنقاذ فلسطين والامم الاسلامية من المؤامرات الامريكية والصهيونية.
إن العلاج البنيوي والأساسي يمكن تلخيصه في جملتين وكلاهما من ابرز دروس الحج:
الأولى: اتحاد وتآخي المسلمين تحت لواء التوحيد.
الثانية: معرفة العدو والتصدي لمخططاته وأساليبه.
إن تعزيز روح الاخوة والتآخي هو درس الحج الأكبر. الجدال والتهكم على الآخرين ممنوع في الحج. واللباس واحد والمناسك واحدة والحركات واحدة. والتعامل الرؤوف هنا يعنى المساواة والاخوة بين جميع الاشخاص الذين يعتقدون ويؤمنون بمحورية التوحيد. وهذا هو رد الاسلام الصريح لكل فكر وعقيدة ودعوة تدعو لاخراج فرقة من المسلمين المؤمنين بالكعبة والتوحيد من دائرة الاسلام.
إن العناصر التكفيرية اليوم هي ألعوبة بيد الساسة الصهاينة الغدارين وحماتهم الغربيين وتقوم بجرائم رهيبة وتسفك دماء المسلمين والابرياء. وليعلم الدعاة والمتزييين بلباس رجال الدين الذين ينفخون في نار الفتنة بين الشيعة والسنة وأمثالها، ليعلموا أن نفس مراسم الحج تبطل مدعاهم.
انني ككثير من علماء الاسلام والحريصين على الامة الاسلامية اعلن مرة اخرى ان اي قول او عمل يؤجج نار الاختلاف بين المسلمين، وأيضا اي اهانة لمقدسات اي من الفرق الاسلامية او تكفير احد المذاهب الاسلامية هو خدمة لمعسكر الكفر والشرك وخيانة للاسلام ومحرم شرعا.
ان معرفة العدو واساليبه هي الركن الثاني. فاولا لا يجوز الغفلة عن وجود العدو الحاقد او نسيانه. ومناسك رمي الجمرات في الحج هي علامة رمزية على هذا الاستحضار الذهني الدائم لعدم الغفلة عن العدو.
ثانيا لا يجوز الوقوع في خطأ تحديد العدو الاساسي الذي هو اليوم نفس جبهة الاستكبار العالمي والشبكة الصهيونية المجرمة.
وثالثا يجب تشخيص اساليب هذا العدو اللدود والمتمثلة بإيقاع الفرقة بين المسلمين وترويج الفساد السياسي والاخلاقي وتهديد وتطميع النخب والضغط الاقتصادي على الشعوب والتشكيك في العقائد الاسلامية. كما يجب معرفة المرتبطين به وأياديهم سواء ارتبطوا به عن قصد أو غير قصد.
إن الدول المستكبرة وفي مقدمتها امريكا، تقوم بمساعدة وسائلها الاعلامية الواسعة والمتطورة باخفاء وجهها الحقيقي، كما تقوم بخداع الرأي العام للامم والشعوب من خلال التظاهر بحماية حقوق الانسان والديمقراطية. إن هؤلاء يتظاهرون بالدفاع عن حقوق الشعوب في الوقت الذي تكتوي فيه الشعوب الاسلامية بكل كيانها بنار فتنهم كل يوم اكثر من الماضي.
إن نظرة واحدة الى الشعب الفلسطيني المظلوم الذي يتلقى يوميا طعنات جرائم الكيان الصهيوني وحماته على مدى عشرات السنين او الى بلدان افغانستان وباكستان والعراق حيث حول الارهاب الذي هو وليد سياساتهم الاستكبارية وأياديهم الاقليمية حياة شعوبها الى جحيم.
او نظرة الى سورية التي تتعرض بجرم دعم تيار المقاومة ضد الصهيونية إلى امواج حقد المتسلطين الدوليين وعملائهم في المنطقة ، حيث أضحت اسيرة حرب دموية (داخلية)
أو نظرة الى البحرين أو ميانمار حيث يتم التعامي عما يتعرض له المسلمون من المحن ويتم دعم أعدائهم.
أو نظرة الى الشعوب الاخرى التي يتم تهديدها عسكريا باستمرار من قبل امريكا او حلفاؤها او تحاصر اقتصاديا أو تهدد امنيا. إن كل ذلك يظهر الوجه الحقيقي لقادة النظام السلطوي.
يجب على النخب السياسية والثقافية والدينية في جميع انحاء العالم الاسلامي أن تلتزم ببيان هذه الحقائق. وهذا واجب اخلاقي وديني يقع على عاتقنا جميعا.
إن دول شمال افريقيا التي هي تعاني اليوم اكثر من المناطق الاخرى من الاختلافات العميقة، يجب أن تنتبه الى هذه المسؤولية العظيمة -أعني معرفة العدو وأساليبه وحيله. إن استمرار الاختلافات بين التيارات الوطنية والغفلة عن خطر الحرب الداخلية في هذه البلدان،خطر كبير لا يمكن تلافي اضراره الكبيرة على الامة الاسلامية في المدى القريب.
نحن بالطبع لا شك لدينا بأن الشعوب التي نهضت في تلك المنطقة وجسدت الصحوة الاسلامية لن تسمح -بإذن الله- بعودة عقارب الساعة الى الوراء وعودة الزعماء الفاسدين والعملاء والديكتاتوريين. لكن الغفلة عن دور القوى الاستكبارية في اثارة الفتن والتدخل المخرب ستزيد من صعوبة عملهم. وستؤخر عصر العزة والامن والرفاه لسنوات. نحن نؤمن بقدرة الشعوب وبالقدرة التي اودعها الباري الحكيم في ارادة وايمان وبصيرة جماهير الشعب. ونؤمن بها من اعماق القلب ورأينها بأم العين قبل ثلاثة عقود في الجمهورية الاسلامية في ايران وعايشناها بكل كياننا.
إن عزمنا هو دعوة جميع الشعوب الاسلامية الى النظر في تجربة اخوانهم في هذا البلد الابي الذي لا يعرف الكلل.
أدعو الله تعالى أن يصلح حال جميع المسلمين وأن يدفع كيد أعدائهم. ويقبل حجكم يا حجاج بيت الله الحرام. وأسأله السلامة لكم في الجسد والروح وأن يفيض عليكم من خزائن رحمته.
والسلام عليكم ورحمة الله
السيد علي خامنئي
"ذي الحجة 1434 ، تشرين الأول / اكتوبر 2013م"