وبالتالي وبالنسبة لما يعنينا مباشرة في لبنان لا يمكن ان ننتظر تحقيق الامن الاقليمي حتى نصنع امننا كجزء منه وتبعا له رغم ان تاريخنا القريب جدا يشهد باننا نجحنا يوما في ذلك حيث صنف لبنان في اذار 2003 بانه احدى الدول الاكثر امنا في العالم كما ورد في تقارير الانتربول . اما اليوم ومع نار في سورية تنتسب الى «الحريق العربي « ومع سعي حثيث من قبل المسؤوليين عن النار الارهابية هذه و اصرار منهم على الحاق لبنان بدائرة النار تلك و بعد التفجيرين الاخيرين في الضاحية الجنوبية لبيروت حيث مجتمع المقاومة بات السؤال الملحّ الذي يطرق الاذهان ويؤرق المعنيين يتمحور حول امكانية قطع الطريق على الارهابيين وقادتهم وسادتهم ومنعهم من متابعة جرائمهم في الضاحية وسواها من مناطق احتضان المقاومة ومنها الى كل لبنان فهل يمكن ذلك ؟
نعود ونؤكد ومن منطلق اهمية الامن الاقليمي وارجحيته على القطري و بالتالي قبل ان يعود الاستقرار الى سورية وتنطفئ النار الارهابية المشتعلة هناك يبقى لبنان عرضة و بشكل اكيد لتداعيات تلك النار ومفاعيلها ولكن هذا لا يعني ان نستسلم للواقع
والقدر و ننتظر ...لان بالامكان خفض سقف المخاوف و تعقيد مهمة الارهابيين المجرمين الى الحد الذي يجعل مخاطر العمليات الارهابية من الحجم الذي يحتمل ويمكن استيعابه في مرحلة اولى ثم تطوير الجهد الى الحد الذي يجعل اصحاب المشروع ومنفذيه يدركون عدم جدوى المتابعة نظرا لعدم التناسب بين الجهد المبذول والنتائج المحققة .
وتحقيقاً لتلك الاهداف ينبغي ان يكون العمل لتفعيل دوائر الامن الاساسية الثلاثة المعتبرة لارساء اي امن وطني قطري كما هو معتمد في علم الامن ومكافحة الجريمة المنظمة او الارهابية وهي :
الدائرة الرسمية العامة : وتشمل اجهزة الدولة القضائية و الامنية والعسكرية التي عليها ان تعمل جميعها وفقا لاستراتيجية امنية وطنية واضحة ومحكمة وبذهنية التنافس والتعاون و التكامل في الان ذاته وان يكون القرار السياسي الحاسم و الواضح مظلة متينة لعمل الجميع كما تكون الرقابة الرسمية يقظة على الدوام للتدخل للتصحيح و المحاسبة على اي انحراف او تلكؤ او تساهل .
الدائرة السياسية بمختلف مكونانها الرسمية وغير الرسمية بما في ذلك الاحزاب والهيئات والمنظمات الاهلية التي عليها ان تتخذ كل بمفردها وعلى صعيدها التدابير التي تمنع تشكل البيئة الحاضنة للارهاب وان تمتنع عن تشكيل غطاء سياسي للارهابيين او تضع العوائق والحواجز التي تحول دون تعقبهم و ملاحقتهم . و هنا لا بد من التنويه بدور الاعلام و خطورة ما ينتج عن المواقف السياسية التي يطلقها هذا السياسي او ذاك في معرض التحريض الطائفي و الغرائزي وتشنيج الاجواء لان كل موقف من هذا القبيل هو دعوة لارتكاب جريمة .
الدائرة الشعبية ويعنى بها مجموع افراد الشعب الذين عليهم العمل وفقا لقاعدة « كل مواطن خفير» و يكون هؤلاء الى جانب الاجهزة الامنية و العسكرية الرسمية من اجل عرقلة تنفيذ الجرائم والمساعدة على اكتشافها قبل تفيذها واخيرا تمكين الاجهزة من ملاحقة الفاعلين المرتكبين باسرع الطرق و اقصر الاوقات. هذا فضلا عن وجوب تقبل الاجراءات الامنية المتخذة من قبل المختصين رغم انها ترهق الشعب في حركته و نشاطه اليومي .
وعلى هذا الاساس واذا اردنا امنا وطنيا موثوقا لا بد من العمل على الدوئر الثلاث معا لكننا وللاسف الشديد نجدنا في الحالة اللبنانية وبكل موضوعية وواقعيية غير قادرين على الوثوق بفاعلية الدائرة الثانية اي الدائرة السياسية مع وجود انقسام لبناني عامودي ووجود فئة لبنانية التزمت كليا مع المشروع الغربي و ترى ان استهداف حزب الله والمقاومة وبيئتها الحاضنة هو جزء من مهامها في تنفيذ هذا المشروع كما انها وبفجور واضح لا تستنكف عن المجاهرة في دعم الارهابيين وتقديم العون كما الغطاء السياسي لهم وتحول دون ملاحقتهم .....لقد اثرت هذه الفئة المتمثلة بتيار «مستقبل الحريري» المرتبط عضويا وبنيويا بالسعودية ومعها التنظيمات السلفية اثرت في الدائرة الثانية الى حد جعلها عبئا على الامن اللبناني وهو عبء لا يبدو ان التخفف منه سهل في المستقبل المنظور .
اما على الصعيد الدائرة الاولى فاننا نجد تمددا لـ «تيار المستقبل» ذاته للحد من فعالية هذه الدائرة حيث ان هذا التمدد احدث التناقض المريع بين الاجهزة الرسمية فبقيت الاجهزة التي لم تصل اليها يد «تيار المستقبل» اجهزة موثوفة تعمل من اجل امن وطني للجميع و تبذل قصارى جهدها في سبيل ذلك و ياتي في طليعتها الجيش و مخابراته كما والامن العام اما الاجهزة الاخرى من امنية او قضائية حيث تسرب اليها النفس الحريري فقد باتت غير ذلك وباتت لا تبدي الاهتمام نفسه بالامن ان لم تكن هي الاخرى عبئا عليه .. ما جعل المعنيين حذرين منها مكتفين بالاستفادة مما هو وطني موثوق ويتجاوزون ادوار الباقين بالمقدار المتاح مع استمرار الحذر منه .
ويبقى اخيرا الدائرة الشعبية وهي اليوم ما يعول عليه كثيرا الى جانب بعض الاجهزة الامنية والعسكرية والقضائية الموثوقة كما ذكرنا .ويكون مطلوبا من فئات الشعب والافراد المساهمة في العملية الامنية بتدابير سلبية او ايجابية كلّ وفق استطاعته و لكن هذا كما يبدو يزعج «تيار المستقبل» الذي لا يرتضي امنا للمقاومة و بيئتها ولهذا نجد محاولة حريرية جديدة لتعطيل هذه الدائرة ايضا و شلها او الحد من فعاليتها بذريعة رفض» الامن الذاتي « و رفض اقامة الغيتوات والمربعات الامنية االمقفلة و هو كلام حق يراد منه باطل خاصة واننا اذا راجعنا مساحة المناطق المقفلة على الامن الذاتي الحريري و ملحقاته من الاتباع لتوصلنا الى مساحة تربو على مساحة الضاحية الجنوبية كلها .
وهنا يجب ان يكون من البديهي ان نذكر برفضنا الدائم لفكرة «الامن الذاتي» لاي فئة او منطقة لكن ينبغي ان يترافق هذا الرفض مع رفض عجز الدولة وتلكئها عن حفظ امن المواطنيين كما و رفض اصرار فريق من اللبنانيين في طليعتهم تيار المستقبل - على التحريض على الفتنة الطائفية و تشكيل بيئة حاضنة للارهاب و غل يد الدولة عن قمعه و ملاحقة الارهابيين . اما ان نكتفي برفض فرع من هذه المرفوضات و العمل بالباقي فيكون الامر بمثابة من يسهل القتل و يشجع عليه. و هذا ما يفهم اليوم من مواقف سياسيين في تيار المستقبل . فهل يعي هؤلاء مغبة عملهم و مخاطره و يعملون مع شركائهم في الوطن لمنع سفك الدماء على ايدي الارهابيين وتعطيل حركة الحياة و تعقيد مسائل المواطنيين في معرض الحد من الجرائم الارهابية ؟ ام انهم مستمرون في الاضطلاع بمهامهم و استباحة امن المقاومة وبيئتها الحاضنة من اجل الضغط عليها خدمة للمشروع الصهيوـ اميركي الذي تجندوا له منذ العام 1992 سراً و منذ العام 2005 علانية؟ ولكن هل يعلم تيار المستقبل انه من المستحيل الاستمرار في سياسة «النار المطوقة»؟
*العميد د. أمين محمد حطيط - البناء