آن الأوان لفهم حقيقة إسرائيل

آن الأوان لفهم حقيقة إسرائيل
الثلاثاء ٠٦ أغسطس ٢٠١٣ - ٠٥:٥٦ بتوقيت غرينتش

عادت المفاوضات بين السلطة الفلسطينية والجانب الإسرائيلي . جرت اجتماعات قليلة في واشنطن وسيجري استئنافها في المنطقة .

تأتي المفاوضات مقابل تراجع السلطة الفلسطينية عن وعودها وفي ظل التعنت الصهيوني برفض الحقوق الوطنية الفلسطينية! بالمعنى الواقعي لو تساءلنا: ماذا ستستفيد السلطة من العودة للمفاوضات؟ الجواب باختصار: لن تستفيد شيئاً بالمعنى العملي على صعيد إقامة الدولة الفلسطينية العتيدة . لكنها في الوقت نفسه تضررت كثيراً، إذ ضربت مصداقيتها ووعود رئيسها، وما سيلحقه ذلك من ضرر بالقضية ومشروعها الوطني، ومخالفة لقرارات المجلس المركزي الفلسطيني، والآثار المدمّرة لها على المصالحة والوحدة الوطنية، رغم سير العدو في استيطانه وكل جرائمه وموبقاته، وإصراره على الاستيطان وتهويد القدس، ومصادرته لأراضي النقب وتهجير أهله وتدمير قراه وبلداته، وانتزاع مواطنة المقدسيين الفلسطينيين وإعطائهم هويات إقامة مؤقتة محدودة بعشر سنوات، وفي ظل زيادة فرض اشتراطاته التعجيزية .

وأيضاً تجري المفاوضات وسط لاءات “إسرائيلية” مسبقة للحقوق الوطنية الفلسطينية، إن بالنسبة لحق العودة، أو للانسحاب من مناطق 67 كافة، أو للانسحاب من القدس، أو لسحب التجمعات الاستيطانية الكبيرة، أو بالنسبة إلى سيادة الدولة العتيدة، وذلك بدواعي العقيدة الأمنية “الإسرائيلية”، التي تُصِر على التحكم في معابر هذه الدولة، وحركة الداخلين إليها والخارجين منها، وعلى حق دخول القوات “الإسرائيلية” أراضي هذه الدولة كلما شعرت “إسرائيل” بالحاجة إلى ذلك . وتصر أيضاً على إبقاء قوات “إسرائيلية” في منطقة غور الأردن (المنطقة الحدودية بين الدولة العتيدة والأردن)، وبالطبع لدواع أمنية “إسرائيلية” . “إسرائيل” وكما يعتقد قادتها لها نصيب في مياه الدولة الفلسطينية .أما بالنسبة إلى الأجواء في هذه الدولة وكذلك مياهها الإقليمية البحرية، فهي أيضاً تحت إشراف “إسرائيلي” . هذا ما لا نقوله نحن، ولكن كما ورد في تصورات وبرامج الأحزاب “الإسرائيلية” الأكبر: كاديما والليكود والعمل . أما الأحزاب الأخرى الدينية، واليمينية الفاشية: شاس، “إسرائيل” بيتنا، أجودات هاتوراة وغيرها، فهذه لا تؤمن بوجود الشعب الفلسطيني من الأساس، فكيف ستعمل على إنجاز تسوية معه ومعظمها يشارك في الائتلاف الحكومي الحالي؟ . الملاحظ أن هذه الأحزاب تتمدد أفقياً في الشارع “الإسرائيلي”، ويزداد ثقلها ووزنها السياسي، تماماً مثلما يشارك حزب “إسرائيل” بيتنا بزعامة ليبرمان وغيره في الائتلاف الحكومي الحالي . هذه الأحزاب لا تزال تطمح إلى إنشاء دولة “إسرائيل” الكبرى من الفرات إلى النيل . ونحن لا نبالغ في هذه المسألة، فأرض “إسرائيل” في برامجها ليست مقتصرة ومحصورة في أرض فلسطين التاريخية .

لا شك أن الصهيونية وتمثيلها السياسي “إسرائيل”، باعتبارهما كلاً واحداً لا يتجزأ، هو عدو استثنائي في التاريخ، لا يماثل الحركات الاستعمارية التي جرت خلاله، قديمه وحديثه . هذا العدو يشكل نمطاً جديداً في حركة الصراع بين الشعوب المحتلة وبين محتلي إرادتها واستقلالها .

هذا العدو اقتلاعي (يقوم على اقتلاع أصحاب وسكان البلد الأصليين من وطنهم، ليحل محلهم)، عقيدي توراتي(تحكمه الأساطير التوراتية)، تبريري في استعمال كل وسائل العنف، المعهود وغير المعهود، بما في ذلك ارتكاب المجازر وتنفيذ عقائد القتل للآخر، بالاتكاء على التعاليم الدينية . ترى “إسرائيل” هذا الآخر في صورة دونية من منظار استعلائي، شوفيني، عنصري، باعتباره مُسَخّراً لتنفيذ رغبات اليهود (الذين أكرمهم الله وأعادهم إلى أرضهم التاريخية) .

كل هذه الاعتقادات تشكّل الخلفية الأيديولوجية العقيدية لغالبية “الإسرائيليين”، والتي هي مزج بين تعاليم توراتية،  ووسائل عصرية حديثة، تجيز استعمال كل الأساليب في تحقيق هذه الأهداف، إضافة إلى نزعة استعمارية اضطهادية للآخر . . . هذه الخلفية تشكل الأساس النظري للقادة السياسيين والعسكريين “الإسرائيليين” (وبالضرورة لمعظم الإسرائيليين)، إن في ما يتعلق بمعتقداتهم الاستراتيجية في كافة المجالات: السياسية، الاقتصادية، العسكرية- الأمنية، الاجتماعية، أو في ما يخوضونه من تكتيكات سياسية، تتبلور في مختلف السياسات التي تنتهجها “إسرائيل” عامة منذ قيامها وحتى اللحظة، من خلال رؤى وممارسات عملية، ومنها ما يتعلق بالتسوية مع الفلسطينيين ومع العرب بشكل عام .

هذا الوضع “الإسرائيلي” الشائك، المتشابك والمعقّد ليس مرشحاً لإحداث تغيير نوعي فيه على المدى القريب والمنظور، فما يزيد على ستة عقود من عمر هذه الدولة، لم يكن قادراً على إنتاج سوى المزيد من التطرف في الطرح السياسي، والمزيد من الانغماس في الرؤى الأيديولوجية .

هذا الوضع “الإسرائيلي” (الذي نصوّر في هذه المقالة جزءاً يسيراً من تعاليمه وشوفينيته) لا يمكنه إنتاج سلام حقيقي مع الفلسطينيين والعرب، سلام قائم على العدل والمساواة والتكافؤ وغيرها من التعابير والمفاهيم الإنسانية . هذا الوضع غير قادر على إنتاج حل الدولتين، أي قيام دولة فلسطينية كاملة السيادة مثل دول العالم الأخرى، لأن ذلك يتناقض بالكامل مع ما جرى طرحه من سمات لطبيعة هذا العدو .أما في ما يتعلق ببعض الأصوات “الإسرائيلية” التي تنادي بحل الدولتين فهي أصوات قليلة، لا تتخذ سمة الظاهرة، وبالتالي لا تشكل مظهراً ضاغطاً .

انطلاقاً مما تم ذكره، “إسرائيل” بمفاهيمها الآنفة الذكر، قادرة فقط على إنتاج صيغة واحدة في التسوية مع الفلسطينيين على المدى المنظور، وهي الحكم الذاتي على القضايا الحياتية، حتى لو تم تسمية منطقة هذا الحكم، بدولة أو إمبراطورية لا فرق، المهم أنها حكم ذاتي ليس إلا، ف”إسرائيل” غير قادرة على حل الدولتين . هذا ما أثبتته أوسلو و20 سنة من المفاوضات بعدها . . . فهل آن الأوان لفهم حقيقة هذه الدولة؟ نجيب بنعم، يكفي مراهنة على السراب . . يحسبه الظمآن ماء فإن أتاه يجده شيئاً آخر .

*فايز رشيد -صحيفة الخليج