فهو مع الحلّ السياسي، لكن واشنطن تتمسك بتغيير النظام بطرق سياسية بعد تعثّر التغيير عسكرياً. موقف قوبل بمعارضة روسية شديدة وبدعم إيراني أشدّ، ما جعل الأميركيين يصعّدون ويتحدثون عن استخدام سوريا أسلحة كيميائية. قول يحمّلهم عبء إجراءات ومواقف ميدانية وتسليحية، رغم خشيتهم من أن المعارضة المسلحة في غالبيتها تنتمي إلى تيارات مماثلة لأولئك الذين قتلوا سفير واشنطن في ليبيا قبل أشهر.
في جلسة مجلس الأمن الدولي المغلقة التي عقدت في ١٩ نيسان الماضي، والتي قدم فيها المبعوث الدولي ـــ العربي المشترك الأخضر الإبراهيمي تقويمه للوضع في سوريا، عبّرت كل من فرنسا والولايات المتحدة عن مواقف تؤكد الحرص على تغيير النظام وتنحي الرئيس بشار الأسد عند تشكيل أي حكومة انتقالية ورفض عقد جنيف ـ٢. وقدّم مندوب روسيا، فيتالي تشوركين، اقتراحاً بعقده بمشاركة كل الدول التي شاركت في جنيف ـ١ إضافة إلى دولتين لم يسمهما. وقصد بذلك إيران والسعودية. وردّ المندوب الفرنسي جيرار آرو معترضاً بناءً على حجج تناقض جوهرياً الدعوات الآيلة إلى اعتماد «الائتلاف» المعارض كممثل شرعي للشعب السوري. ممثل يستطيع الجلوس في مقعد الجامعة العربية وفي الأمم المتحدة ويفتح سفارات ويفاوض على حلول. قال آرو إنّ اجتماعاً كهذا، أي جنيف ـ٢، يحتاج إلى تحضيرات كثيرة، وإن «المعارضة السورية ليست جاهزة للمشاركة بمفاوضات مع الحكومة» السورية لأنّ «الائتلاف السوري يعمل على تنظيم مختلف أطياف المعارضة». وأضاف إنه لم يكن هناك معارضة داخلية سورية منذ عقود، وبعض المعارضين يقيمون في الخارج. عندها ردّ عليه المندوب الروسي مستهجناً من اعتراف باريس بالائتلاف كممثل شرعي وحيد للشعب السوري.
وفي جلسة مجلس الأمن الدولي الأربعاء الماضي حول الحالة في الشرق الأوسط، صعدت المندوب الأميركية، سوزان رايس، من لهجتها ضد سوريا وشدّدت على أن الحل يجب أن يكون سياسياً بأن تحصل الحكومة الانتقالية على صلاحيات كاملة ولا يكون للأسد مكان في مستقبل سوريا. وأضافت إن المشاورات الحثيثة مستمرة مع عدد من الدول من أجل حمل الأسد على تغيير حساباته وتسهيل الانتقال المنظم وإنهاء الصراع. وحثت الدول على ممارسة الضغط على الأسد من أجل «مفاوضات موثوقة مبنية على إطار جنيف الذي يدعو الأسد إلى «نقل سلطته كاملة إلى جهاز حكم انتقالي»، حسب قراءتها لوثيقة جنيف التي صدرت في ٣٠ حزيران الماضي. وبعدما شددت على ضرورة عدم وصول الأسلحة الكيميائية إلى تنظيمات مثل جبهة النصرة والقاعدة، قالت إن حزب الله «يؤمن المال والسلاح والخبرات للنظام في تنسيق وثيق مع إيران».
إزاء هذا الانقسام الدولي، لم يكن الإبراهيمي مؤيداً لتشكيل «الائتلاف» حكومة انتقالية. وأكد في الجلسة أن هذا العمل لا ينسجم مع وثيقة جنيف. حتى مندوب باكستان، مسعود خان، سأل الإبراهيمي في الجلسة المغلقة إن كان طرح قرار العضوية السورية على الجمعية العامة مفيداً، فراوغ الإبراهيمي ولم يقدم إجابة واضحة. لكن فهم منه أنه ليس ميّالاً لنزع الشرعية عن الحكومة السورية التي لا يزال بحاجة الى الحوار معها من أجل إنجاح مهمته. وهو يدرك، وكما عبّر في غير مرة، أن المعارضة عاجزة عن حسم الصراع ميدانياً.
إلى ذلك، كثر عدد الدول المعترضة على مشروع القرار القطري الذي يعد ليطرح في الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن سوريا. وضمت مجموعة دول شرق أوروبا صوتها إلى الدول المعترضة، فرفضت تلبية دعوة مندوب قطر لدى الأمم المتحدة مشعل حمد آل ثاني، لاجتماع خاص لبحث مشروع القرار القطري والذي بدا متعثراً حتى الآن. وتعترض هذه الدول، فضلاً عن الكثير من الكتل الأميركية والأفريقية والآسيوية وحتى العديد من الدول الأوروبية الغربية على ترحيب مسودة القرار بقرارات جامعة الدول العربية المتعلقة بسوريا، مستندة في رفضها الى أن بينها قرارات تدعو إلى الاعتراف بالائتلاف، وتساند تسليح المعارضة.
وكانت ٣٣ دولة أميركية لاتينية قد أعربت عن رفضها لمشروع القرار بصيغته الحالية، كما رفضته سويسرا وماليزيا إلى جانب مجموعة دول «البريكس». وعليه فإن القطريين يعكفون حالياً على تعديل مشروع القرار الذي سيتأخر طرحه على الجمعية العامة بعدما كان مقرراً في أواخر الشهر الحالي.
وجاء تردد الكتل المختلفة بعد حملة سورية حثيثة بين الدول الأعضاء في نيويورك من أجل شرح الموقف للسفراء. وفي رسائل بعثت بها مجموعة من دول أميركية لاتينية وثلاث دول من مجموعة «البريكس» إلى مندوب قطر، اشترطت تعديل كل الفقرات التي تتعارض مع تقارير الأمم المتحدة أو مع وثيقة جنيف، ورفضت أي نقل للعضوية.
واشترط مندوبو كل من الأرجنتين والبيرو والبرازيل والتشيلي والأوروغواي والمكسيك على واضعي المشروع تعديل فقرات رئيسية بحيث تدين انتهاكات المعارضة المسلحة كما تدين انتهاكات القوات الحكومية، رغم تحميل الأخيرة العبء الأكبر من المسؤولية. وطالبوا أيضاً بإضافة فقرات تدعو إلى وقف المزيد من عسكرة النزاع في سوريا وفقاً لما ورد في وثيقة جنيف، حسب ما ورد في الرسالة التي حملت توقيع رؤساء الوفود، . وفي رسالة أخرى مماثلة ، أرسل رؤساء بعثات كل من الهند وجنوب أفريقيا والبرازيل، وهي من دول «البريكس»، اعتراضات إلى المندوب القطري على صيغة مشروع القرار، طالبين منه مراعاة مجموعة نقاط مشابهة لكي يكون صالحاً لنيل أصوات الدول الثلاث. وأهمها ذكر انتهاكات الجماعات المسلحة لحقوق الإنسان، وتضمين القرار دعوة للوقف التام للعنف من كل الأطراف ووقف أي عسكرة إضافية للنزاع.
إزاء كل هذه الاعتراضات، بات من غير المحتمل طرح مشروع القرار على التصويت في الجمعية العامة قبل نهاية الشهر الجاري، لأنه قد لا ينال بصيغته الراهنة الأغلبية المطلوبة. ورجحت مصادر دبلوماسية في نيويورك أن يتأخر إلى الأسبوع الثاني من أيار المقبل.
*نزار عبود- الأخبار