وفي هكذا عالم فان من الصعوبة بمكان الاطمئنان الى وعوده ومواثيقه حتى ولو كانت من نسج افكاره "الحضارية".
هذا الابتلاء بات قدرنا نحن ــ المسلمين والعرب ــ في جميع قضايانا السياسية والاقتصادية والعسكرية والعلمية، وان المماطلة في التوصل الى اتفاق بين ايران ومجموعة (5+1) لاسيما مع اميركا وبريطانيا وفرنسا والمانيا، هي من اهم البراهين الواضحة في هذا المضمار.
فمع التقدم الذي نتج عن محادثات المآتي 1 و2 بين الجمهورية الاسلامية والمجموعة المذكورة، ورغم ان المقرر هو ان يتلقى امين المجلس الاعلى للامن القومي سعيد جليلي اتصالا هاتفيا من مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي كاثرين اشتون لتحديد موعد ومكان المفاوضات القادمة، الا ان الجانب الغربي تنصل ــ كعادته ــ من الوفاء بالتزاماته وقام بارجاء قراره بهذا الشأن، وهذه المرة بحجة اقتراب موعد اجراء الانتخابات الرئاسية الايرانية الحادية عشرة في حزيران 2013.
ومن المهم التذكير هنا بان هذه ليست المرة الاولى التي يتهرب فيها الغربيون (الاميركان والاوروبيون) من تعهداتهم، فكما قلنا بادئ ذی بدء فان هذا" العالم" مجبول على التحايل والتضليل والخداع، ولولا ذلك لما بلغت الكوارث والنكبات والمآسي حدا لايطاق في الشرق الاوسط والعالم الاسلامي.
من الدروس المفيدة لايران في هذا المجال هو ا نها اصبحت خبيرة بالاساليب الغربية الملتوية والمراوغة في تعاملها مع قضايانا الوطنية والاقليمية في آن واحد.
ففي تصريح له بعد مشاركته بمؤتمر (قلب آسيا) في جمهوريةكازاخستان دعا وزير الخارجية علي اكبر صالحي مجموعة (5+1) الى عدم تضييع الوقت (معلنا) استعداد كازاخستان لاستضافة مباحثات المآتي ــ 3 حول البرنامج النووي السلمي الايراني (مؤكدا) على ان هذا الملف لاعلاقة له بالانتخابات الرئاسية، باعتبار ان جميع الحكومات المنبثقة عن الشعب ملتزمة بالوفاء بالاتفاقيات الدولية وتنفيذها.
وكانت كاترين اشتون اعلنت ــ بصراحة ــ في مؤتمر صحفي بان اعضاء (5+1) سيذهبون الى عواصم بلدانهم، وبعد التشاور مع مسؤوليهم ستقوم هي (اشتون) بابلاغ سعيد جليلي بنتيجة ما توصلوا اليه من قرارات في غضون عدة ايام، لكن وبعد مضي عدة اسابيع على عقد مباحثات (المآتي ــ 2)، فان ايران لم تحصل على جواب كما كان مقررا.
مما تقدم يتضح للجميع ان الغربيين في مجموعة (5+1)، يتعمدون تبديد الوقت واهداره، ويظهرون غاية الاهتمام بالبروتوكولات الشكلية، وهم یضمرون مکرالسوء ونیة الجنوح نحو المخاتلات المقيتة والتصرفات الدبلوماسية الجوفاء، من اجل وضع جميع المفاوضات في حلقة مفرغة دون الخروج بنتائج ملموسة منها.
واخيرا وليس آخرا سوف تبقى القواعد الاساسية لامثال هذه المفاوضات مسكونة برغبات ديناصورات السياسة والاقتصاد والثروة الغربيين، وهي رغبات لن تجد الى الاشباع سبيلا، الا عندما يتحول ابتلاعهم ما يملك الاخرون دون وجه حق الى وبال خطير وشر مستطير في اجوافهم.
{فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون}.
*حميد حلمي زادة