في مثل هذا اليوم 15 نيسان/أبريل 1989 استضاف نادي نوتنغهام فوريست نادي ليفربول في نصف نهائي كأس الاتحاد الإنكليزي الذي احتضنه ملعب "هيلزبروه" التابع لنادي شيفيلد وينزداي.
ملعب قديم تم إنشاؤه عام 1899 أي قبل 90 عاماً من الكارثة، لكنه حافظ على طابعه القديم الخالي من أي دعائم للسلامة والراحة للجماهير التي كانت ولا تزال أبرز عوامل نجاح الدوري الإنكليزي الممتاز، فقد كان "هيلزبره" مجهزاً بسياج من حديد لمنع نزول الجماهير إلى أرض الملعب ورمي المقذوفات داخله، ولم تكن بعض مدرجاته مزودة بمقاعد ما يجبر الجماهير على الوقوف طول المباراة على غرار أغلب الملاعب الإنكليزية في تلك الفترة.
تزاحمت الجماهير الغفيرة لنادي ليفربول على المدرج الغربي الخالي من المقاعد الذي امتلأ تماماً، لكن العدد الكبير للجماهير الموجودة خارج الملعب جعل الشرطة ترتكب أكبر خطأ في تاريخ الملاعب الإنكليزية وسمحت بدخول أعداد إضافية إلى المدرج المزدحم الذي لم يعد يتحمل الكم الكبير من الجماهير التي تدفقت عليه، وأمام التدافع الكبير فوق المدرج انهار السياج الحديدي وحصلت الكارثة التي أودت بحياة 96 شخصاً من بينهم امرأة وطفل وأسفر الحادث عن 700 جريح أعمارهم بين 14 و26 سنة.
ومازال نادي ليفربول وكل أندية الدوري الإنكليزي الممتاز يتذكرون الضحايا بالوقوف دقيقة صمت في أقرب مباراة يتزامن تاريخها مع 15 أبريل/نيسان من كل عام، ويقول قائد فريق ليفربول الحالي ستيفن جيرارد: "إنه أمر محوري وشديد الأهمية للنادي، فهؤلاء الضحايا الـ 96 لن يتم نسيانهم أبداً وكذلك الأمر المتعلق بالأشخاص الذين أصيبوا في الحادث، لكن من المهم أيضاً أن نتذكر كل فرد من هؤلاء الـ 96 على حدة وليس من حيث العدد وحسب".
تقرير تايلور برأ الجماهير وغير كرة القدم الإنكليزية
عقب وقوع الكارثة رأت بعض وسائل الإعلام الإنكليزية أن جماهير ليفربول هي المتسبب الرئيسي في الكارثة، خاصة أن جماهير النادي الأحمر كانت تعاني من تهمة الشغب والتسبب في قتل 30 مشجعاً من جماهير نادي يوفنتوس الإيطالي في نهائي دوري أبطال أوروبا عام 1985 في ملعب هيسيل في بلجيكا، لكن السلطات البريطانية فتحت تحقيقاً قاده اللورد بيتر موراي تايلور الذي توصل إلى نتيجة مفادها أن المتسبب الرئيسي في الحادث هو الشرطة التي سمحت بدخول أعداد تفوق طاقة استيعاب المدرج الغربي، وأكد أنها أخفقت في التعامل مع الموقف.
لكن الملاحظة الأهم التي خرج بها تقرير تايلور كان مفعولها إيجابياً على كرة القدم الإنكليزية، فقد أكد تقرير اللورد تايلور أن السياج الحديدي الذي يوضع في الملاعب الإنكليزية ليس له أي أهمية ويتسبب في أضرار مضاعفة إذا ما حصل أي تدافع على المدرجات، وأوصى التقرير بإزالتها كلها من الملاعب الإنكليزية، كما أوصى تايلور بضرورة إعادة تأهيل الملاعب وتوفير السلامة والظروف الكافية لمشاهدة مباريات كرة القدم.
وقال اللورد تايلور لمسؤولي الاتحاد الإنكليزي : " كفى، لقد وضعنا توجيهات صارمة لكم، يجب أن تعيدوا ترتيب كل شيء قبل عام 1994، يجب أن توسعوا الملاعب، وأن تزيلوا الفواصل الحديدية التي تفصل الجماهير عن أرض الملعب، يجب أن يشعر الجماهير بالراحة والسعادة أكثر من ذلك وهم يتابعون المباريات الرياضية، فقد جاؤوا إلى المباريات ودفعوا الأموال لكم ليستمتعوا بكرة قدم حقيقة، لا ليعاملوا بوصفهم مساجين أو حيوانات".
وألّف تايلور لجنة لمتابعة التحسينات والتغييرات التي تجرى على الملاعب الإنكليزية، ومنذ ذلك اليوم تغيرت ملامح كرة القدم في إنكلترا خاصة وبريطانيا وأوروبا عامة، وشهدت إنكلترا في السنوات الأخيرة ثورة معمارية اجتاحت ملاعبها وظهرت ملاعب جديدة برؤية هندسية جديدة كانت الأولوية فيها لخلق عنصر المتعة والراحة في حضور المباريات، وقلّت أعمال الشغب، وصارت مباريات كرة القدم في إنكلترا من الفنون كالمسرح والسينما يذهب لحضورها الكبير والصغير دون خوف من وجود خطر يهدد حياتهم.
إنهم ضحايا هيلزبروه الذين قدموا حياتهم بسبب أخطاء لم يرتكبوها بل كان ذنبهم الوحيد عشقهم الكبير لكرة القدم ولسيد إنكلترا في ذلك الوقت ليفربول، لكنهم لم يكونوا على بينة من أن أرواحهم التي قضت في تلك الكارثة سببت ثورة في كرة القدم الإنكليزية وأحدثت تغييراً جذرياً في طريقة التعامل مع هذه الرياضة داخل الملعب وخارجه.