جرب مئات آلاف الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال هذه التجربة ولو مرة واحدة في حياتهم. ويوجد بين نحو من 4 ملايين من سكان الضفة والقطاع اليوم مئات آلاف البشر ذوو ندوب جسمية ونفسية، ويحملون معهم ذكرى اعتقالهم ومعهم ملايين من أبناء عائلاتهم. ويوجد من السجناء اليوم نحو 4500 انسان. ومات 203 في سجونهم. ولا يكاد يوجد بيت في المناطق لم يُعتقل أحد منه، ولا توجد عائلة بلا سجين أو آخر أُفرج عنه.
قد يكون ذلك سجنا لعشرات السنين ما زال يوجد 123 سجينا قبل فترة اوسلو وقد يمكن ان يكون ذلك اعتقالا لبضعة ايام. ويبدأ ذلك على نحو عام بدهم قاس للبيت تحت جنح الظلام دائما تقريبا، في حضور الزوجة والوالدين والاولاد الذين يستيقظون مذعورين من النوم يخشون على مصير عزيزهم المُذل، ويُتبَع ذلك بتحقيق جهاز الامن العام الشديد. وبعد ذلك تأتي الايام والشهور والسنون، في الظروف الصعبة، من غير مكالمات هاتفية ومن غير زيارات احيانا لسنوات. وتكون هذه دائما تجربة شعورية مزعزعة مُذلة للسجناء وأقربائهم.
وكانت سنوات كان فيها التعذيب المخيف ايضا جزءا من وجبة الفظاعة التي كانت اسرائيل تقدمها للشعب الفلسطيني. وانتهى ذلك في أكثره بقرار المحكمة العليا في 1999 لكن الحديث اليوم ايضا عن طرق اعتقال وتحقيق وسجن أصعب من ان تُحتمل. وقد اعتقل فريق من السجناء الفلسطينيين بسبب عمليات ارهابية قاتلة لكن كثيرين آخرين مكثوا ويمكثون في السجون بسبب نشاط سياسي. وطُرح كثيرون في السجون دون محاكمة لسنين احيانا.
إن جهاز القضاء العسكري الذي حكم على مئات آلاف البشر لا يستحق ان يسمى جهاز قضاء. وتبرهن على ذلك كل زيارة خاطفة للمحكمة العسكرية وكل محضر جلسات مثل ألف شاهد. فهناك المداولات القصيرة من غير ترجمة مناسبة احيانا؛ وأدلة ليست أدلة، وشهادات مؤثمة لمتعاونين ومستنطِقين مريبين، وقضاة ليس فريق منهم خبراء بالقانون، وتحقيقات وحشية تنتج اعترافات باطلة، ومواد سرية لا تُمكن من دفاع مناسب، وعقوبة أفعوانية.
ان كل شيء موجود هناك بين الجلمة وسجن عصيون ما عدا العدل. ويبرهن عدد السجناء المخيف على ذلك. لأنه لا يوجد انسان عاقل يعتقد ان شعبا كاملا يستحق ان يُطرح في السجون. إن رُخص حياة الفلسطينيين في نظر الاسرائيليين يشتمل ايضا على رُخص حريتهم.
لم يفهم المجتمع الاسرائيلي قط عمق المعنى الشعوري لقضية الأسرى في المجتمع الفلسطيني؛ بل انه لم يحاول ان يفعل ذلك. واذا كان ما زال يوجد في اسرائيل من يفهمون ضائقة الحواجز وشغب المستوطنين فان السجناء لم يحظوا قط بالاهتمام هنا فضلا عن العطف عليهم. وهذا مفاجىء خصوصا من مجتمع هاج كثيرا وعطف على مصير معتقل واحد هو جلعاد شليط، بل انه لم يبدأ بعد تفهم عمق الازمة الفلسطينية بسبب عشرات آلاف الأبناء الموجودين في السجون.
إن سلب الانسانية يعمل هنا ايضا، فليس حكم الأم الاسرائيلية التي تخشى على سلامة ابنها كحكم الأم الفلسطينية التي لا تقل عنها خشية. لكن لماذا نعجب: لأنه اذا كان ولد قد قُتل عبثا على يد قناص لا يحظى هنا بالاهتمام فلماذا نهتم بسجين. حسبُ الاسرائيليين العناوين الدعائية التي تعرض بين الفينة والاخرى 'حفلة' سجناء تثير فورا فضيحة عن وجود 'هلتون' في السجن. ويكفيهم أنهم يقولون لهم انهم جميعا 'قتلة حقيرون'، أي كل مئات الآلاف هؤلاء كي لا يُضايقوا ضمائرهم. فربما يكون هذا المعطى المدهش 800 ألف، على الأقل هو الذي يدفع شخصا ما على التفكير.
*جدعون ليفي /هآرتس