هذا الامر هو من الامور الفعالة في تقويم اية عقيدة تضع بنظر الاعتبار تحكيم التعاليم الالهية واشاعة القيم الاخلاقية والمبادئ الانسانية في ارجاء المعمورة.
ومن العوامل التي عززت المسيرة التكاملية للثورة الاسلامية يوم اتقدت جذوتها في مطلع ستينات القرن الماضي هو سيكولوجية زعيمها الراحل الامام الخميني(قدس سره) وما تحلى به من الكاريزما الشخصية والسجايا الروحانية والمعنوية، التي شدت اليها انظار الجماهير المؤمنة التواقة لمقارعة الاستبداد الشاهنشاهي ومكافحة الهيمنة الاميركية الاوروبية الصهيونية على مقدرات البلاد والعباد في ايران.
لقد عاشت ايران في مطلع القرن العشرين غليانا عارما وانتفاضات ووثبات شعبية شملت البلاد طولا وعرضا، وكان المبدأ العقائدي لتلك الثورات والتي اتخذت اشكالا ثوریة متعددة الاشکال والاسالیب ومنها (ثورة المشروطة الدستورية 1906-1908 ميلادي) هو الاحتكام للقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وتراث الائمة المعصومين من ذرية الرسول الاكرم محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وآله وسلم(.
من هنا يتضح ان الثورة الاسلامية التي بلغت ذروة النضج والتكامل يوم انتصارها المبارك في (یوم 22 من شهربهمن حسب التقویم الایرانی) الموافق 11 شباط 1979، لم تكن عملا متهورا جاء وليد اللحظة، وانما كانت استجابة حقيقية لحلقات متواصلة من النضالات والانتفاضات والتضحيات والعمليات الثورية السلمية والمسلحة، التي لم تبلغ اهدافها التغييرية الا عندما هيّأ الله سبحانه وتعالى لها القائد المؤمن بارادة الشعب والذي توفرت فيه الشروط الاساسية لكي يكون في مقدمة الثوار والمجاهدين، ومن هذه الشروط الشجاعة والتقوى والزهد والعدالة والارادة الصلبة وتقديم مصلحة الاسلام والامة على اية مصلحة اخرى مهما كانت.
ان وجهة الوضوح في قيادة الامام الخميني هي انه لم يطلق ثورته النهضوية والتحررية من نسج اهوائه او خيالاته، بل اطلقها اساسا من وحي القرآن والسنة، وعزز ذلك باطروحته التي قامت على قاعدتها الجمهورية الاسلامية في ايران وهي (ولاية الفقيه).
وحسب هذه الاطروحة فان العلماء (الذين هم ورثة الانبياء) كما في الروايات الصحيحة، يمتلكون الولاية المطلقة على الامة الاسلامية.
ويرى الامام الخميني(قدس سره) ان الامة وبعد مصابها الجلل برحيل الرسول الاعظم محمد (صلی الله علیه واله وسلم) وافتقاد الائمة المعصومين الاحد عشر من سلالة النبی المصطفی (عليهم الصلاة السلام) عدا الامام الثاني عشر المهدي المنتظر (عجل الله فرجه وظهوره)، لا يجب ان يتركوا سدى لتتخطفهم مغریات الحیاة والاستقطابات الشیطانیة، دون ان يتولى امرهم من يقوم بادارة شؤونهم بعد عهد النبي والائمة العظام (عليهم الصلاة والسلام)..
في ضوء ذلك قدم السيد الخميني(طاب ثراه) نظرية (ولاية الفقيه) في سلسلة محاضرات دينية عندما كان في منفاه بالنجف الاشرف (من عام 1963 لغایة عا م 1978) ، وهو ما تشكل لاحقا في كتاب فقهي عقائدي ثوري تحت عنوان (الحكومة الاسلامية) او (ولاية الفقيه(.
وخلاصة الاطروحة :ان الرسول الاكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، عندما كان في دولة المدينة المنورة فانه كان زعيما للدولة و تقسیماتها الاداریة والاقتصادیة والاجتماعیة ، وكان يقضي بين المسلمين في امور الدنيا والدين ويشرف على بيت المال، وفي الغزوات فانه (ص) كان يلبس للحرب لامتها ویقود المعارک ضد الاعداء والمشرکین. وينتهي السيد الخميني الى نتيجة مفادها انه في عصر غيبة الامام المهدي(عليه السلام)، فان الفقيه بامور الدین، هو المؤهل لتحمل هذه الاعباء والمسؤوليات (لئلا يكون المسلمون مغنما للطامعين والمنحرفين والمفسدين( .
والحقيقة ان علماء الدين الافاضل (مراجع التقليد)، هم متفقون جميعا على اصل مبدأ (ولاية الفقيه)، بيد ان لكل منهم رؤيته حول مساحة هذه الولاية وتفاصيلها ودلائلها العقلية والنقلية , فمنهم من لم یخول نفسه سوی بعض الصلاحیات کالقضاء اوممارسة الاشراف الابوی فقط او صرف الاموال الشرعیة کالخمس و الزکاة والوقفیات، ومنهم من لم یخول نفسه القیام بای من هذه الاعمال لعدم ثبوت الادلة عنده.
بيد ان القراءة المعمقة التي قام بها امامنا الراحل (قدس سره)، جعلت (ولاية الفقيه) ولاية موازية لصلاحيات النبي والائمة الاثني عشر (عليهم الصلاة والسلام) في الامور التشريعية، وهي لم تلامس قيد انملة ولايتهم التكوينية التي هي ( مرتبة ) تفوق مستوى علماء الدين، وهم لا يدعون ابدا امتلاكها باعتبارها تندرج في عالم الخوارق والكرامات والمعجزات التي خص بها الله عزوجل الانبياء والاوصياء (عليهم السلام ) دون سواهم.
في هذا المضمار ابدی الامام الخميني تشددا فوق العادة على خصوصیة عالم الدين بدء من ملبسه و انتهاء بدوره المصیری ، فیقول: (الزي العلمائي هو زي طلبة العلوم الدينية، الذي كان عليه ائمتنا ومشايخنا وعلماؤنا على مر التاريخ، فإذا ما انسلخنا عن حرمة هذا الزي ، فهذا يعني هزيمة علماء الدين، وان هزيمة علماء الدين تعني هزيمة الاسلام، ومن المحال على الاسلام ان يستمر في حركته دون علماء الدين لانهم هم من يقدمون الاسلام للناس، ويسيرون به نحو الامام، وقد كانوا كذلك منذ البداية) }8 شوال 1403 هجري المصدر صحيفة الامام ــ الجزء 18{
لقد قطع الامام الخميني بثورته الشعبية واطروحته الفقهية، الطريق على الاوهام والتمنیات والاعتقادات الخرافية، والتغني بالاحلام والتشبث بالآمال البعيدة المنال. فكان مشروعه الاسلامي مستندا الى قواعد سليمة لايمكن ان تشوبه الشوائب او ان تحوم حوله الشبهات. وهذا الواقع اعطى زخما لكل ما حققته الثورة الاسلامية المباركة طيلة السنوات الاربع والثلاثين الماضية، بشكل ادى الى تحطيم الكثير من المعادلات الاميركية الاوروبية الصهونية في المنطقة والعالم ، علی صخرة التفاف الجماهیر الایرانیة حول هذا المبدأ العقائدی.
وفي ضوء هذه المعطيات الفذة للثورة والدولة الاسلاميتين في ايران، وجدت القوى الاستكبارية ان السبيل الوحيد للاساءة الى هذه المسيرة الایمانیة، بل و ابعد من ذلك تشويه الاسلام المحمدي الاصيل، انما يمر عبر اختلاق "بدائل ممسوخة ومشوهة" تتقمص لبوس الدين والاسلام والجهاد والثورة، وقد تم اعدادها في مطابخ الاستخبارات الاميركية والاوروبية والاسرائيلية.
فلقد كانت "الوهابية الضالة المضلة" المعول الاساسي في هدم الدين والعقيدة الاسلامية الصحيحة منذ مطلع القرن العشرين. وعندما انتصرت الثورة الاسلامية في ايران عمدت القوى الغربية الى تفريخ نماذج اكثر تطرفا وقبحا ودموية و مروقا، ومن صمیم (الوهابية) نفسها. فكانت "طالبان" و"القاعدة" محورا لكل الجماعات التكفيرية المتشددة التي تمعن الیوم قتلا وتدميرا وترويعا في صفوف ابناء الامة الاسلامية والابرياء من بني البشر في انحاء العالم.
ويمكننا ان نقطع الشک بالیقین فی أن السلوكيات الارهابیة الخرقاء والهمجية فی ان معا، و التي انتشرت بکثافة خلال العقد الاخير من راهننا المعاصر، لايمكن تفسيرها الا من واقع انها ذات علاقة لصيقة بمؤامرات الغرب المتصهين في سبيل تبشيع القيم السمحاء والاخلاق النبیلة للاسلام ونبي الرحمة (ص) والقرآن الكريم، ووضعها في موقع المناهضة للمشروع الاسلامي الصافي الذي جاءت به ثورة الفقيه ودولته الی ایران، والتصدی لعطاءاتها العظيمة والمستدیمة ، ولا سیما على صعيد اطلاق الصحوة الاسلامية المعاصرة والاطاحة بالمخططات الاستكبارية في المنطقة والعالم.
حمید حلمی زادة