واضح ان ایران وفی احتفالاتها بعشرة الفجر قد بعثت أبلغ رسالة الی العالم في هذا السياق مفادها هو (أن شعبا مؤمنا بعدالة قضيته، ومضحيا فی سبيل المبادئ التي يناضل من أجلها، حري به أن يكسب النزال فی مواجهة الاعداء الذين سعوا دائما للنيل منه والتضييق عليه).
ولاشك بأن هذه التجربة الرائعة التی تفخر الجمهوریة الاسلامیة بتقديمها هدية لعموم الأمة الإسلامية، فی الذكری السنوية لانتصار ثورتها، تجعل إضاءة بعض الجوانب التی قيضت لطهران هذا الإنجاز وعشرات الابداعات الاخری غيره، ضرورة غاية في الاهمية من أجل أن يتعرف جيل اليوم والأجيال القادمة علی الظروف السابقة التي أوصلت ايران إلی هذا الموقع المتقدم فی الساحتين الإقليمية والدولية.
بإيمان مطلق تحدى الإمام الخميني حكم الشاه المقبور، وعاد إلى وطنه وشعبه بعد 15 عاماً قضاها في المنفى (بقی سماحته فی ترکیا لفترة وجيزة وبعدها انتهی به المطاف الی العراق حيث اختار مجاورة ضريح جده أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في مدينة النجف الأشرف).
كانت عودة الإمام زعيماً ميدانياً للثورة الإسلامية حتى إيصالها إلى الانتصار. في 22 بهمن 1357 حسب السنة الهجرية الشمسية، الموافق لـ11 شباط 1979م بداية البداية لانطلاق إيران والإيرانيين إلى آفاق رحبة، لم تكن متاحة من قبل، آفاق أهلتهما لاحقاً إلى ولوج التاريخ من أوسع أبوابه.. ولست أسوق كلامي هذا من باب المباهاة أو التفاخر أو المبالغة ولكنني أستند في ذلك إلى معطيات وحقائق يعرفها القاصي والداني، وتم توثيقها وتدوينها لتأخذ مكانها المتألق في مراكز الدراسات والسجلات المعتبرة هنا وهناك.
طوال فترة العشر سنوات (1979–1989) التي أشرف فيها الإمام الخميني إشرافاً مباشراً على قيادة الثورة الإسلامية وتأسيس دولة المؤسسات الدستورية في إيران، فإنه واجه أصعب الظروف وأخطر المفاصل وأبرزها التصدي للحرب التي خاضها نظام صدام حسين البائد ضد الجمهورية الإسلامية الفتية، وتقويض المآرب والأهداف الشيطانية التي حاول الأميركان وحلفاؤهم تمريرها من خلال تلك الحرب الظالمة، وهي التي حصدت نحو ثمانية أعوام من عمر إيران الخارجة تواً من المعسكر الإمبريالي، لتكون ظهيراً للتطلعات العربية والإسلامية العادلة، ومدافعاً دون هوادة عن قضية تحرير فلسطين والقدس الشريف من الاحتلال الصهيوني الغاشم.
لكن هذا التحدي الجائر لم يحل دون إطلاق عجلة التطور والتنمية في البلاد، بفضل دعوة مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران إلى استنفار الطاقات والإبداعات الجماعية والفردية وحشدها في عملية إعمار البلاد وإطلاق الكفاءات الذاتية والاستعاضة بها عن الاستشارات والتقنيات الاميركية والأوروبية والإسرائيلية التي كانت تكلف إيران أعباء مإلية ضخمة دون أن توفر للإيرانيين أي إمكانية للاكتفاء الذاتي أو أن تمنحهم الاستقلال في شقيه السياسي والاقتصادي.
وفي ظل هذه الأوضاع العصيبة حيث تكالبت قوى الاستكبار العالمي كلها على إيران وثورتها الاسلامیة التحررية، برز الدور القيادي الرائد الذي جسده (الشيخ الثمانيني) الغيور والمقدام، ليأخذ المسيرة إلى بر الأمان، وذلک بالتأكيد على ثنائية الجهاد في الجبهات الأمامية للقتال والتصدی لحرب فرضت على الجمهوریة الاسلامیة ظلماً وعدواناً، وفي الجبهات الخلفية عبر تنشيط حركة المصانع وتطوير الإنجازات التكنولوجية، إلى جانب ترويج عامل التطوع في نفوس أبناء الشعب وعلى مختلف الطبقات والاختصاصات، من أجل مقاومة أشكال الحظر العسكري والسياسي والاقتصادي التي مارستها الإدارة الاميركية والدول السائرة في فلكها على المشروع الإسلامي المعاصر ذي الخطاب المعتدل والوسطي.
ويتذكر الإيرانيون ومعهم الأحرار والمناضلون والشرفاء في العالم، كلمة خالدة للإمام الخميني حين بدأت الحملات الداخلية والخارجية المضادة للثورة الإسلامية تستعر وهي في أيامها الاولى ومن ذلك قيام أميركا بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران. وقتذاك اكتفى قائد الثورة بالقول: (الخير في ما وقع).
ربما لم يعِ كثيرون الأبعاد المعنوية لهذه الكلمة إلا أنها شحنت الجماهير ولاسيما القطاعات الفقيرة والمحرومة منها بزخم روحي هائل، لم يخرج الإيرانيین من مصيبة الحرب منتصرين ومرفوعي الرأس فحسب، وإنما عززت في نفوسهم الثقة والأمل، لتجاوز المحن والمعاناة التي خلفتها المؤامرة الشرسة، والعمل ليل نهار باتجاه إيصال البلاد إلى مصاف الدول الصناعية الراقية، ومواكبة ركب التطور والعمران والبناء بالاعتماد على السواعد والعقول الإيرانية الخلاقة.
عندما غادر الإمام الخميني الدنيا وفاضت روحه إلى الملأ الأعلى، قال في وصيته العبادية السياسية: «إنه يترك إيران وشعبها والأمة الإسلامية والمستضعفين في الأرض كافة، بقلب مطمئن، وبنفس هادئة»، قال هذا الكلام والمتآمرون والأشرار الدوليون يتحينون لحظة وفاته دون أن يدركوا حقيقة هذا الشيخ الطاعن في السن (90 عاماً) ورؤيته المستقبلية الثاقبة، حيث ترك إيران قلباً نابضاً بالحيوية والعطاء والتحدي، وخلف نهضة أعادت للمسلمين والعرب هيبتهم وعززت مكانتهم في المسرح العالمي بعد عقود وعقود من الضياع والإخفاقات والهزائم.
من كان يتصور أن تصل الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى المنجزات الصناعية التنموية والعسكرية التي ظن الغرب أنه يستحوذ عليها دون منازع؟
و ازاءذلك، یمکن تفسير اسباب الحقد والغضب والحسد، التی تضمره أميركا ومعها التحالف الغربي - الصهيوني لثورة إيران وإنجازاتها العلمية الراهنة ولاسيما حيازتها على التقانة النووية السلمية، إلى جانب تبوئها موقعاً ريادياً على المستوى الإقليمي والدولي، وتعاطف كل مواقع المقاومة والممانعة العربية معها في مجابهة التحديات الاستكبارية وآخرها المؤامرات و الفتن الطائفیة التي اخدت تستعر طردیا فی ایامنا هذه بالتناسب مع سلسلة الابداعات والمكاسب الجبارة التي حققتها الثورة الإسلامية النهضویة في ایران وهی تحتفل بربیعها الخامس والثلاثین.
حمید حلمی زادة