وهؤلاء الأشخاص حينما يصلون إلى بحث أسباب هزيمتهم يلقي كل واحد منهم باللائمة على الآخر لتبرئة ساحته من مسؤولية سقوط النظام. وهم لا يستطيعون أو لا يستسيغون استيعاب هذه الحقيقة وهي أن مساهمة وتضحية مختلف القطاعات الجماهيرية في ميادين الثورة إلى جانب القيادة الواعية والحازمة للإمام الخميني قد شل إرادة رؤوس النظام وحماته الشرقيين والغربيين وحالت بينهم وبين تنفيذ أي من مؤامراتهم التي كانت تستهدف كبح حركة الثورة.
أدت مساهمة الشعب الفاعلة والمؤثرة في المواقف الحاسمة إلى توجيه مسار الحركة في الاتجاه المعاكس للخطط المدبرة من قبل النظام وحبطت محاولاتهم في السيطرة على دفة الثورة. وعلى الرغم من محاولات هؤلاء الأشخاص الهادفة إلى طمس هذه الحقيقة أي تأثير مشاركة الجماهير الفعالة، لكنهم أذعنوا في مواطن كثيرة لها، ويتضح المطلب بمرور مجموعة من اعترافات هؤلاء.
صلاة عيد الفطر وسقوط حكومة المصالحة الوطنية
* تسلمت حكومة شريف إمامي مهامها في الأيام الأخيرة من شهر رمضان حيث كان الناس يجتمعون في المساجد لسماع الخطب والمواعظ التي كانت قد اتخذت طابعاً دينياً ومهيجاً، وأخذت التظاهرات التي تنطلق في أعقاب مجالس الوعظ الديني تلك تتسع يوماً بعد آخر، إلى أن نظمت في أواخر شهر رمضان أثناء الشعائر التي أقيمت يوم عيد الفطر على تلال منطقة قيطرية بشمال طهران مسيرة كبرى شارك فيها عدد كبير من مختلف الشرائح والفئات كالجامعيين والتجار والموظفين وعامة أهالي طهران. استمرت تلك التظاهرات على شكل مسيرات سلمية. وبما أن استمرار تلك التظاهرات والمسيرات في العاصمة قد أثار قلق الجهاز الأمني (السافاك) فقد عقد مجلس الأمن القومي اجتماعاً بدعوة من رئيس الوزراء.
مذكرات الجنرال قره باغي، ص200
نزلت حكومة شريف إمامي إلى الساحة بثوب وطني وديني وهي ترتدي سوح خداعة من حب الوطن لتصرف الشعب عبر بعض الإصلاحات الظاهرية عن تحقيق طموحاته الأصلية. إلا أن المشاركة الشعبية الواسعة وحضور الجماهير في المساجد والمسيرات وصلاة عيد الفطر قد بعثت على إزالة القناع عن وجه النفاق المتخفي تحت شعار "حكومة المصالحة الوطنية". وفي أعقاب ذلك الاجتماع الذي عقده مجلس الأمن القومي وأعلن فيه تطبيق الأحكام العرفية في طهران وإحدى عشرة مدينة أخرى وبعد مجزرة السابع عشر من "شهريور"، أصبح شريف إمامي وجهاً كريهاً لدى الشعب إلى الأبد.
تظاهرات التاسع والعاشر من محرم أسقطت الحكومة العسكرية
* أثناء التظاهرات الصاخبة التي وقعت في طهران يومي التاسع والعاشر من محرم 19 و20 آذار عام 1357) كان الشاه محمد رضا، ورئيس وزرائه العسكري أزهاري يراقبان ما يجري بواسطة طائرة سمية كانت تجوب بهما سماء المدينة، وسأل الشاه رئيس وزرائه أزهاري بالقول: جميع الشوارع مليئة بالمناوئين، فأين المؤيدين لي؟. فأجابه أزهاري قائلاً: في بيوتهم!!". تحولت حينها آخر آمال الشاه إلى يأس وقال: إذن ما فائدة المكوث في هذا البلد؟ فقال له أزهاري: هذا منوط بإرادتكم!!.
بعد هذه الواقعة أصيب أزهاري ذات يوم أثناء اجتماع للحكومة بنوبة قلبية وسقط على الأرض مغمى عليه، ويبدو لي أن إغماءة أزهاري كانت إغماءة سياسية؛ لأنه أدرك عبر مشاهدته وما توفر لديه من معلومات أنه ما من حكومة قادرة في تلك البرهة الزمنية على التصدي لتلك الثورة الشعبية، ولهذا رأى أن أفضل طريقة للخروج من المأزق هي التمارض والإغماء.
مذكرات حسين فردوست، ج1
كانت مهمة الحكومة العسكرية التي ترأسها أزهاري هي تطبيق سياسة مواجهة الثورة بيد من حديد، وكان الشاه قد بنى أملاً كبيرة على نجاح هذا الأسلوب في إخماد لهيب الثورة. إلا أن المشاركة الهائلة لأبناء الشعب في تظاهرات يومي التاسع والعاشر من محرم أسقطت حسابات النظام مرة أخرى، وزرعت اليأس في قلب الشاه من القدرة الخاوية لحكومته العسكرية.
وذكر حسين فردوست في مذكراته أن قرار الشاه بالخروج من البلد قد اتخذ بعد جولته في الطائرة برفقة أزهاري ومشاهدته للحشود الهائلة المشاركة في تظاهرات يومي التاسع والعاشر من محرم.
محمدرضا شاه
ذهب الشاه وجاء دور بختيار
* في يوم 26 دي عام 1357، نزل جميع أهالي طهران تقريباً إلى الشوارع بعد بضع دقائق من إعلان الإذاعة خبر خروج الشاه من إيران، وأضحت الشوارع وكأنها في حفل بهيج والجموع تردد: "ذهب الشاه" والناس يتعانقون مستبشرين، والسيارات تطلق أصوات المنبهات المتواصلة، وظهرت معالم الفرح على الجميع بشكل لا يتوقعه أحد، ويثير الدهشة في نفس كل ما يراه.
كان أبناء الشعب يعاملون أفراد الجيش معاملة أخوية وودية، وبادر بعض المتظاهرين إلى إسقاط تماثيل الشاه وأبيه وهم يرددون هتافات: حزبنا حزب الله، قائدنا الخميني، النصر للجمهورية الإسلامية، بعد الشاه جاء دور بختيار، أي في الفرار.
سقوط الشاه ـ فريدون هويدا، ص204
سعي بختيار بعد إرساله الشاه إلى الخارج أن يكون هو بطل الساحة ويشد إليه أنظار الشعب، ويحدث لديهم انطباعاً أن الشعب قد نال جميع أهدافه بذهاب الشاه، وكان يأمل من ضوء هذا التصور أن تختفي كل معالم السخط والاحتجاج، لكن هذه المؤامرة أحبطت أيضاً بالتظاهرات الشعبية العارمة الحافلة بالبهجة، وأعرب الشعب بهتافاته: "بعد الشاه جاء دور بختيار" عن عزمه الراسخ على تحقيق النصر النهائي.
جاء الإمام، ولاحت تباشير النصر
* أخذت جموع الجماهير تحتشد في الشوارع، وحان الوقت لنلقي نظرة على تلك الحشود عبر نوافذ الطائرة السمتية. عند الساعة الثامنة والنصف صباحاً اكتظت الشوارع بما يقارب 750 ألف إلى المليون شخص، وكان الجميع يسيرون بنحو منظم لا ينم عن احتمال وقوع أية اشتباكات أو أعمال عنف.
كانت الجموع الغفيرة من ركاب الدرجات البخارية تلفت الأنظار، وكنت قد لاحظت قبل ذلك أن جميع المسيرات ـ صغيرها وكبيرها ـ كانت توجه من قبل أصحاب الدراجات البخارية هؤلاء، وأنا على يقين من أن أشرطة آية الله [الخميني] كانت توزع من قبل أصحاب هذه الدراجات أنفسهم، وكانوا بأجمعهم من الشبان ولكن يبدو أنهم على درجة عالية من النظم والترتيب. ولا زلت حتى الآن أجهل الجهة التي كانت تقف وراء هذا النظام الإعلامي البارع. وأيقنا عند ذلك أن [الإمام] الخميني إذا جاء سينضم إليه آلاف الجنود.
مذكرات الجنرال هايزر، ص264
الجنرال هايزر عسكري أمريكي أرسل بمهمة خاصة من أمريكا إلى إيران لأجل المحافظة على النظام. أمضى مدة في إعداد الجيش لأجل القيام بانقلاب عسكري، ولكنه بعد مشاهدته للحضور الجماهيري وقوة أنصار الإمام الخميني ، مني باليأس والانكسار وهرب من إيران.
المصدر- دار الولايه