من خلال عرض نظريات ورؤى مختلفة بل ومتقاطعة ، يحاول هذا الكتاب ان يتفحص هذه الظاهرة المهمة في القرن العشرين تفحصا علميا ، لاسيما حين يوضح المحرر في مقدمة الكتاب كيفية اختياره للمقالات والبحوث المعروضة وكيفية ترتيبها منطقيا .
ان عرض المواقف المتعاطفة معا لدولة وكذلك المتقاطعة اي المضادة لحكومة الثورة الاسلامية ،مع استخدام اللغة الوصفية في كشف الحقائق وملاحقتها في ايران ، جعلت الكتاب اكثر جدة واكثر جاذبية واثارة ومتعة .
"ان الامام الخميني سيظل يحكم من قبره عقود طويلة من السنين" . هذه العبارة اطلقها احد الصحفيين الغربيين من الذين كانوا يتابعون مراسم تشييع ودفن الامام الخميني عام 1989 ، ولعله يقصد بها ان اسلامية الثورة في ايران ، او (اسلام) قائدها الذي يختلف عن (اسلام) الاخرين ـ كما ستقرا في فصول هذا الكتاب ـ سيبقى حاكما في هذا البلد ولو بوجوه مختلفة وقراءات متباينة .
واذا صح القول: بان انتصار الثورة الاسلامية في ايران قد اقترن باسم قائدها الديني اكثر من اقترانها بايديولوجيتها الدينية ، فان هناك خيطا رفيعا بين العنصرين يحدده الثوار الذين يصنعون التاريخ ، او التاريخ الذي يصنع الثوار ـ حسب راي اخرين ـ .
نعم ، هناك مسافة بينة بين قراءة الامام الخميني للاسلام وفهمه للدين ، وخاصة للتشيع ، دين الرفض والثورة ـ كمايصفه المؤرخون ـ وبين فهم الاخرين وقراءتهم له من الذين ينتظرون ظهور الامام الثاني عشر ليحل المشكلة ، ولا يرون للدين شانا بالسياسة والحكومة مادام عليهالسلام غائبا ، حتى تحول التشيع لديهمفي بعض مقاطع التاريخ الاسلامي الى تشيع (كهنوتي) لا يختلف كثيرا عن (الكهنوت الكنسي) في تحفظه وصمته وتحجره او مداراته للسلاطين والانظمة الطاغوتية الرسمية .
ان القراءة ذات البعد الواحد في كل المذاهب والنظريات والثورات تبقى بالتاكيد قراءة سطحية او عرجاء .
ولعل اهم ما في هذا الكتاب ، انه راح يقرا خلفيات الثورة واسباب انتصارها وعوامل الانتصار بعدة اقلام وعدة رؤى ، يظهر التدافع بينها جليا ، وذلكبتقديم عامل على اخر او سبب على اخر بعد عشرين سنة على انتصارها . فبين من يقدم العامل الديني ، وبين من يقدم العامل الاقتصادي او الاجتماعي ، وبين من يرى اهمية العامل السياسي وقمع الشاه ودكتاتوريته ، وبين من يؤكد ان سبب الثورة المباشر هو التحديث او التجديد او مرض الشاه بالسرطان ، او ضغوط كارتر على الاخير لتطبيق سياسة حقوق الانسان او فساد المؤسسة الحاكمة وانتشار الرذيلة وهجرة القرويين الى المدن ، او حادث استشهاد السيد مصطفى الخميني او المقالة المهينة للامام التي نشرت في جريدة اطلاعات وامثال ذلك .
ان مجموعة المقالات في هذا الكتاب تشكل بمجملها قراءة تحليلية واعية لمثقفات ايرانيات واساتذة وعلماء ومثقفين ايرانيين ومنظرين لم يتهيبوا في طرح رؤاهم ونظرياتهم رغم التدافع الظاهر بتداخل الاسباب والنتائج او اشتباك خلفيات الثورة مع تمظهراتها الخارجية ، مؤكدين جميعهم ان ايران (جزيرة الاستقرار) في الشرق الاوسط ـ كما سماها كارتر ـ قد تحولت الى مركز ثورة في حقبة زمنية بالغة الحساسية ، ثم ثورة شعبية عارمة نفذهاشعب اعزل فقير ضد حاكم دكتاتوري غاشم مدعوم اجنبيا، حكمالبلاد بترسانة عسكرية هائلة وجيش قوامه 000ر700 رجل مدججين باحدث انواع الاسلحة .
قاد الثورة رجل من المؤسسة الدينية حالا فيها كرصاصة انطلقت من القرن السابع الميلادي لتستقر في قلب القرن العشرين ـ كما وصفه محمد حسنين هيكل في حينها ـ فتحول الى شمعة صغيرة قدرت طاقتها الانفجارية بـ الف قنبلة نووية ـ على حد تعبير احد الكتاب الظرفاء ـ كما سترى . هكذا وفي نفس السياق قال اخرون: "ان قراءة الامام الخميني للاسلام والتشيع هي التي منحت الناس القوة والطاقة الثورية ، وانه هو لا غيره الذياجاب على السجالات المتعلقة بالمواجهة المريرة بين الاسلام والحداثة ، وان اسلامه كان اسلاماثوريا وفق في توظيف نصه القديم بمهارة فائقة ، ليتواءم مع الواقع الجديد ، بعد ان ضاق ذرعا بالاخرين ولم يستطع الائتلاف معهم في قراءاتهم التقليدية والمحافظة ، فبث الحياةفي الجسد الشيعي نصف الميت في ايران ، في نفس الوقت الذي وجه ضربته القاضية للجسد الشاهنشاهي الملكي المشلول" فصار الرجل رمزا دينيا ساحراليس للمتدينين فقط وانما لغير المتدينين وحتى لخصوم الدين .
اما مسالة (ولاية الفقيه) و (الجمهورية الاسلامية) فقد كانا مجرد مفهومين غائمين حاضرين في اذهان الجماهير بلا تفاصيل ، وان كان الشهيد مطهري قد قال عام 1980: "ان علماء الدين لم يكن لديهم النية في الحكم ،وان الولي الفقيه ربما ياخذ دور المنظر الايديولوجي وليس الحاكم" ـ كما ستقرا في احدى مقالات هذا الكتاب ـ .
هذه الظاهرة الفريدة التي صدمت توقعات ونظريات علماء الاجتماع وعصفت بحساباتهم واربكت مجساتهم وتركت اعمق الاثر على الافكار والرؤى الموجودة فعلا في العلوم الاجتماعية والسياسية، ولفتت بلاشغلت اهتمامات العديد من المفكرين والمثقفين المتابعين .
ان التساؤلات الكثيرة التي تبدا بـ (كيف) و(لماذا) انتصرت هذه الثورة؟ اصبحت عناوين بارزة استغرقت مقالات وبحوث وكتب كثيرة ومتنوعة داخل ايران وخارجها .
كيف خسر الشاه سلطانه؟ وكيف انقلبت عليه الاوضاع وهو المؤيد والمدعوم بالقوى الاجنبية ولديه جيش قوامه 000,700 رجل؟ هذا هوالسؤال الذي استحوذ على عقل الشاه نفسه وشل تفكيره ايام (الانقلاب) او الثورة .
وبما انه لم يجد جوابا شافيا ودقيقا لهذا السؤال ، راح يصدق ما صور له او تصوره من ان هناك مؤامرة دولية تقودها او توجهها قوى عظمى ضده وضد ملكه .
وبعد عقدين من انتصار الثورة الاسلامية ، وفي اطار بحر غامر من الكتابات على هذا الصعيد، ما زالت اسباب انتصار هذه الثورة سرا غامضا لم يكشف للكثيرين ، ودليل ذلك وجود او بروز تحليلات متناقضة واراء متدافعة في كشف عناصر وعوامل الانتصار في هذه الثورة.
التحدي الاكبر الذي واجه ويواجه المنظرين الاجانب في هذا السياق ، هو فقدانهم الرؤية الثقافية المقارنة ، او الفهم اللازم لتفاصيل مفردات هذه الظاهرة ، وابعاد التحرك الثوري للشعب الايراني .
ربما يكون التحدي الاهم امام اغلب المحللين المحليين هو فقدانهم لعمق التحليل الذي يقودهم احيانا الى استخلاص نتائج سطحية في نهاية طرحهم وفي مثل هذا الحدث التاريخي الهام .
اضافة الى ذلك ، هناك نقاط مهمة تتعلق بجوهر الثورة الاسلامية نفسها ، احداها: الانتصار السريع وغير المتوقع لهذه الثورة ، فضلا عن تباين القوى التي انصهرت فيها وشاركت في تحقيق انتصارها .
وفي الحقيقة ، هناك اسباب وعوامل اخرى عديدة منها قيادة الامام الخميني (رض) ودور الاسلام والايديولوجية الشيعية والمشاركة الجماهيرية الواسعة وفرصة تعبئة الجميع في لحظات تاريخية حاسمة ، وكذلك الاجواء السياسية المفتوحة (وفقا لشعار كارتر حول حقوق الانسان) ، وصمم وانصعاق القوى العظمى ،ومرض الشاه، وانهيارالتنسيق بين الفعاليات الاقتصادية والثقافية والسياسية وعامل التحديث (كعامل طارىء) ، كلها اجتمعت في لحظة تاريخية نموذجية واحدة وحققت ذلك الانتصار الخاطف الفريد .
لقد تم جمع وتنقيح عدد من وجهات النظر المهمة المتعلقة بجذور وامتدادات وخلفيات الثورة الاسلامية الايرانية في هذا الكتاب ، كما تم حصر وتصنيف اسباب انتصارها في ست مقالات او رؤى ، هي:
1 ـ نظرية المؤامرة .
2 ـ نظرية التحديث .
3 ـ النظرية الاقتصادية .
4 ـ النظرية الدينية .
5 ـ النظرية الدكتاتورية .
6 ـ ونظرية القيادة الدينية .
ومن هذا التصنيف ، سوف نشير لسبع مقالات في هذا الطرح .
فاصحاب نظرية المؤامرة بعيدون جدا عن الواقع حيث افردنا لهم ايضاحات في عنواني المقالتين السادسة والسابعة .
وفي الحقيقةلقد كشف الزمن عن خواء نظرية المؤامرة هذه . وحتى لو كانت هناك بعض الشكوك في اذهان البعض في ايام الثورة الاولى مما يشير الى تدخل القوى العظمى وضلوعها في تحقيق الانتصار ، الا ان هذه الشكوك قد تبددت الان تماما في الذكرى الحادية والعشرين لوقوع هذا الحدث التاريخي الهام ، ولم تعد لهذه الرؤية اذن صاغية ، الا لدى عدد ضئيل لا يعتدبه اصلا في الحسابات التاريخية المسؤولة .
1 ـ جاءت المقالة الاولى تحت عنوان "لمحة خاطفة نحو المداخل المختلفة في دراسة الثورة الاسلامية الايرانية" لـ (حميرا مشير زادة) . نشرت الطبعة الاولى منها في مجلة (راهبرد) العدد 9 ربيع 1996 .
خلاصة هذه المقالة تصلح لان تكون مقدمة لعرض وجهات النظر الاولى التي سوف تطرح وتناقش بالتفصيل . اضافة الى ذلك ، وبعيدا عن التحليلات العلمية والاعلامية ، تناقش مشير زاده خمسة عناصر مهمة ، مؤكدة على ما يلي:
* اهمية العوامل الثقافية .
* اهمية العوامل الاجتماعية والاقتصادية .
* العوامل النفسية .
* المدخل السياسي للثورة .
* المدخل السببي او منهج تعدد الاسباب .
تختتم الكاتبة مقالتها بالتاكيد على ان المنهج او المدخل السببي الاخير يمكن ان يساعد في فهم وتوضيح هذا الحدث التاريخي الهام شريطة ان تتمحور عناصره المتفاوتة في اطار نظري دقيق .
تاسيسا على ذلك ، ومن الاشارة الى الاسباب والعوامل المختلفة ، فان المنهج السببي هذا يمكن ان يكون ذا قدرة توضيحية مهمة اي اكثر اهمية من المناهج او المداخل الاخرى.
السجال الان هو: اولا: اننا يجب ان نطرح بدقة هذه الاسباب والعوامل ،وثانيا: اننكون حذرين من ان التاكيد على المدخل المذكور لا يقودنا او يستدرجنا الى العموميات اكثر من اللازم التي قد تنتهي بنا الى الضبابية والغموض .
فالثورة ، كاي حدث اجتماعي اخر ، تتشكل من خلال اتحاد اوائتلاف عشرات العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية .والنقطة المهمة هي: "اي من هذه العوامل هو الاهم وكيف التحمت في افراز هذه الظاهرة؟" .
وكما هو مدون ، فان مقالة مشير زاده تصلح ببساطة لتقديم التقنيات المختلفة لتحليل الثورة الاسلامية كما ان تصنيفها لهذه المداخل جاء مبتكرا بحيث يمنح القارىء امكانية التصنيف وكذلك امكانية دراسة كل رؤية من الرؤى الواردة في اطارها او استحقاقها الخاص .
انها وضعت نظرية امير ارجمند في اطار المنهج الثقافي مثلا ، فيما نحن نستحسن ـ من وجهة نظرنا ـ ان توضع في الاطار العللي المتعدد الابعاد .
هذه المسالة سوف تناقش بالتفصيل في المقالة السابعة .
2 ـ سميت المقالة الثانية: "التجديد او (التحديث) والثورة الاسلامية" وجاءت بمثابة اقتطاف من كتاب (جذور الثورة) (Rootsof Revolution) الذي يعتبر ترجمة لتاريخ ايران بقلم نيكي كدي Nikkie Keddie. وتؤكد كدي ايضا على الاسباب المتعددة اكثر من تاكيدها على التحديث ، مثل الايديولوجية الثورية والعوامل الاقتصادية والسياسية .
ومع ذلك فانها تركز بشكل اساس على مسالة التحديث . ولهذا السبب اطلقنا على هذه المقالة عنوان "التحديث والثورة الاسلامية" .
انصار هذه النظرية يلاحقون بدايات الثورة وجذورها في مطلع الستينات .ففي تلك الفترة وتحت ضغط شديد من قبل الولايات المتحدة تبنى الشاه مشروع اصلاح الارض ومشاريع التنمية ، ولما كان التقدم في مشروع التنمية الاقتصادية قد واجه عقبات عديدة في ايران ولم يكن متوائما مع التنمية السياسية فقد نشبت ازمة حادة بين سنتي 1978 ـ 1979 .وكان تالف العوامل الاخرى هو السبب في اندلاع الثورة الايرانية .
تم في هذه النظرية رصد اهم اسباب انتصار الثورة الاسلامية ، اذ اصبحت قريبة جدا من هدفها الكبير . ان مجرد تنافر بسيط بين التنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي ـ الاقتصادي لا يمكن ان ينهض بتوضيح سر انتصار الثورة الاسلامية الايرانية .
واذا وضعنا عوامل اخرى كالايديولوجية الشيعية الثورية والقيادة الفريدة للامام الخميني كعوامل ثانوية ، فاننا سنبتعد كثيرا عن الحقيقة .
الذي يبدو منطقيا هو ان نظرية الحداثة يمكن ان تجسد فقط كارضية مهمة لظهور الثورة الاسلامية و(ضمور شرعية الامبراطورية) او اضمحلالها . هذه الفكرة بالذات تم توظيفها في المقالة السابعة ، الامر الذي جعلها مفعمة بالشواهد الحسية حتى النهاية.
3 ـ الدارسة الثالثة هي: "جمهورية ايران الاسلامية في منظور مقارن" بقلم سعيد امير ارجمند .هذه المقالة ترجمت وطبعت عام 1998 ضمن مجموعة مقالات جاءت تحت عنوان "مداخل نظرية الى الثورة الاسلامية" Theoretical Approaches to Islamic Revolution وتاتي اهميةهذا العمل في اقدام الكاتب على الفصل بين اسباب وشروط الثورة الاسلامية من جهه ، وبين لا هوتية هذه الثورة من جهة اخرى .
في بنائه التفكيكي هذا وضع امير ارجمند المسائل الثقافية والاجتماعية والاقتصادية في جانب ،والمحفزات الاخلاقية والمعنوية والايديولوجية الثورية للتشيع كسبب مطلق للثورة في جانب اخر ، بل في الموضع الثاني . هذا الفصل جاء متشابها بدرجة ما مع التقسيم المقدم في المقالة السابعة .
4 ـ المقالة الرابعة: "دور الايديولوجية والقيادة والامة في الثورة الاسلامية" وهي مقالة مختارة من كتاب عنوانه "تحليل للثورة الاسلامية":AnAnalysis of the Islamic Revolution .
[2] منوچهر محمدي ، كاتب هذه المقالة ، في ترجمته لاسباب انتصار الثورة ، يقدم اولا الامة اي الشعب ،بعدها يوضح مفهوم القيادة والدين كاهم عاملين في هذا الانتصار ،وفي الوقتنفسه يؤكد على الدين ويعطيه اهمية اكبر .
ولهذا السبب قمنا بقلب ترتيب الاسباب الثلاثة هذه في عنوان مقالتنا .وفي الحقيقة ان هذه المقالة تهدف الى البرهنة على الدور الرئيسي للدين في انتصار الثورة.
5 ـ البحث الخامس: "الدين هو العنصر الاهم في انتصار الثورة الاسلامية" وهو بحث مختار منكتاب(الثورة الاسلامية وجذورهاRoots and its Revolution Islamic The) لـ عميد زنجاني[3] .الكاتب المذكور كان ولسنوات عديدة المرجع الاكثر اهمية في تشخيص المدخل العام لـ "جذور الثورةالاسلامية" في الجامعات الايرانية .
وهو يعتبر الدين العامل الاساس في انتصار الثورة فيما يعتبر العناصر الاخرى عوامل ثانوية مساعدة . ومن جهة نظرنا ، لا يوجد هناك تمييز بين (الدين) و(القيادة الدينية) في المقالتين الرابعة والخامسة .
في المقالة السابعة سوف نرى ، ان هذا التمييز يصبح ضروريا جدا .
6 ـ المقال السادس: الموسوم بـ "دراسة مقارنة لنظريات متباينة حول اسباب وحوادث الثورة الاسلامية" هو تجميع لمقالتين من نفس العنوان: الاولى من كتاب "الثورة الاسلامية والجذور"[4] ، والاخرى: اجزاء من كتاب "مقدمة للثورة الاسلامية" بقلم صادق زيبا كلام (1980) .
المجموعة المذكورة ، توليفة من عدة مقالات وبحوث قدمت الى المؤتمر الاول للثورة الاسلامية وجذورها عام 1995 ، وفيها يحاول الكاتب تفنيد النظريات الاربعة: المؤامرة ، التحديث ، الاقتصاد ، الدين ، ويقدم عليها جميعا (نظريةالدكتاتورية) كاهم سبب لانتصار الثورة الاسلامية .
ونظرا لوجود ايضاحات مفصلة كثيرة بشان هذه النظرية وانها طبعت في كتاب "مقدمةللثورة الاسلامية "[5] من قبل نفس الكاتب ، فاننا اضفنا اجزاء من هذا الكتاب الى المقالة المذكورة .
ان نظرية الدين تؤكد على ان ارهاصات الثورة الاولى بدات في محاولاته التوضيحية للبرهنة على دور الدكتاتورية .
من وجهة نظرنا ، وكما هو نقده للنظريات الاربعة المذكورة ، فان هذا النقد هو الاخر ياتي على فرضيته في ترجيح دور الدكتاتورية في مسلسل تبيان الاسباب .
7 ـ المقالة السابعة تبدا بنقدنا التفسيري للنظريات الخمسة ، وبعدها نطرح نظرية اخرى تحت عنوان: "دورالقيادة الدينية في انتصار الثورة الاسلامية" .
تاسيسا على هذه الرؤية ، يكون العنصر الاكثر اهمية في تاكيد هذا المبنى في تقويم الثورة و(اضعاف شرعية الملكية) هو التجديد او التحديث ، ومع ذلك فان العامل الاكثر حسما في تحقيق انتصار الثورة الاسلامية هو القيادة الدينية للامام الخميني (قدس) .
في هذه المقالة تم تمييز عامل القيادة هذا بشكل واضح عن عامل الدين ، اي عامل الزعامة الدينية عن الايديولوجية الثورية للشيعة .
يؤكد الكاتب ان الاستدلال على صحة هذه النظرية او عدم صحتها قد تم تاجيله لفرصة لاحقة اخرى ،واننا في هذه المخطوطة المطبوعة سوف لا نتعدى كثيرا الاستدلال على وجود هذه النظرية فقط .
هذه المقالات السبع تتداخل منطقيا بعضها مع البعض الاخر .
ومن هنا فاننا نامل بان ننهض بهذه المجموعة لتقديم عون محدود للباحثين ، واضعين بين ايدي محبي الثورة الاسلامية ودعاتها شيئا يمكنهم من فهم هذه الظاهرة التاريخية العظيمة والاقتراب من استيعاب اسباب انتصارها .
ان دراسة الثورات السياسية والاجتماعية تحتل فضاء او مساحة مهمة في بحوث العلوم الاجتماعية .كما ان حدوث او وقوع الثورات الطارىء والنادر يمنح احتمالات استثنائية وفريدة للبحث العلمي ويزوده بامكانات مهمة لاختبار النظريات وفحص الخبرات والدعاوى القائمة ،ويقدم كذلك استنتاجات واستدلالات جديدة ومتينة .
فحتى عقود قليلة انصرمت، كانتنظريات الثورة تركز على تجارب الثورات الفرنسية والروسية والصينية فقط.
في العقود المتاخرة ، وبعد تفجر الصراعات والانتفاضات واخيرا الثورات في العالم الثالث، فان مايسمى "الجبهات الاستطلاعية او الكاشفة" fronts exploration تحركت باتجاه التاريخ[6] ، كما ان دراسات جادة في النهضات والثورات في الاقطارالمتحررة حديثا ، واقطار ما يسمى بـ (العالم الثالث) ، قد اتسعت بشكل ملفت للنظر .
ومع ثورتين ناجحتين في ايران ونيكاراغوا وجد هذا الملف عمقا جديدا ، وراحت بحوثهتترى في نهاية السبعينات .
ان النهضات الفائرة للشعوب بين سنتي 1978 و 1979 وانفجار الثورة الاسلامية وانتصارها الكاسح وتاسيس اول جمهورية اسلامية معاصرة تعتبر اهم احداث العالم في تلك الفترة ، حيث اصبحت مركز الاهتمام والتحقيق لكل الثورات وقطب رحاها .
قبل بداية الهيجان الذي انتهى بانتصار الثورة الاسلامية في ذلك ، ورغم المحاولات العلمية العديدة ، في رسم مخطط الثورة وتفسير الحدث كنظرية كان يمكن التنبؤ به ودراسته كظاهرة ، الا ان عددا قليلا جدا من الناس توقعوا سقوط الشاه فضلا عن الانقلاب عليه ، وكذلك سقوط الملكية القديمة وتاسيس الجمهورية الاسلامية.
ان احتمال ايجاد او خلق حالة من القلق واللااستقرار في منطقة من مناطق الشرق الاوسط، التي كان تتعتبر (جزيرة الاستقرار) Island of stability لم يكن ماخوذا في الحسبان.
وفي الحقيقة ، فان حدث الجمهورية الاسلامية ادهش معظم المتابعين والمحللين، من صحفيين وسياسيين اجانب في الخارج ، وادهش ايضا خبراء وباحثين ومنظرين ايرانيين في الداخل .ومع انتصار الثورة الاسلامية بدا سيل جارف لمختلف التحليلات لم ينقطع بعد .
والان اصبح عدد الكتب والمقالات المدونة عن سبب الثورة وطبيعتها يشكل كما هائلا من المجلدات لا يمكن احصاؤه .
ومع ذلك فان هناك اختلافا ولغطا ما زالا قائمين بين الباحثين حول طبيعة الحكم البهلوي وتركيبة المجتمع الايراني وغير ذلك .
اضافة الى ذلك فان الدراسات والنظريات النقدية المعنية بالثورة الاسلامية لم تذهب عميقا في تحليل ابعاد هذه الثورة ولم تدرسها من كافة زواياها ، ومع ذلك فان الثورة الاسلامية لعبت دورا هاما في بلورة اراء المنظرين وافكارهم ، وفي تقديم النموذج النظري الجديد المعتبر .
ان هدفنا من هذا الخط العريض هو الاستذكار السريع والعابر لتصورات مختلفة للعديد من الكتاب الاجانب الذين راحوا يقتبسون من الثورة الاسلامية ما يشاؤون ، املين منجانبنا ان كشف او تجلية هذه التصورات والرؤى سيفتح الطريق امام الباحثين الايرانيين للمزيد من الدراسة والتحقيق العميقين .
ان تحليل الثورة الاسلامية يقع في قالبين رئيسيين ، فهناك كتابات بسيطة تاخذ البعد الاعلامي والصحفي ، وهذه الكتابات ليست علمية بطبيعة الحال ، وهناك اعمال اخرى راحت تدرس الثورة وتحللها بشكل اعمق وابتداء من جانبها النظري المنظور .
وهنا ، وبعد الاشارة الى هذه التحليلات الصحفية غير العلمية ، سوف نمر مرورا على الرؤى النظرية المختلفة الخاصة بالثورة ، ونتوقف قليلا عند ابعادها الاكثر عمقا .
التحليلات الصحفية وغير العلمية :ان اعمال وكتابات الكثير من السياسيين والعسكريين والدبلوماسيين والصحفيين وغيرهم الخاصة بالثورة الاسلامية تقع ضمن هذه التصنيف .
بعض هؤلاء يختزنون خلفية بيوغرافية خاصة ربما تنطوي على ذكريات وخواطر ما قبل الثورة وما بعدها .
بعض اخر ، او مجموعة اخرى تعرض بعدا ثانيا وربما تقارير غير دقيقة ، تقدم خلالها مسلسلا من العوامل كاسباب للثورة بدون اي مرجع نظري او مرجح علمي .
هذا النمط من الكتابة يعرض برنامج الثورة بشكل روائي وينطلق تحليله بشانها من هذا المنطلق . بالتاكيد ، ان بعض هذه الاعمال ، وبسبب تدفقها الروائي المتين ، يمكن ان تكون مفيدة للمحللين والباحثين .
كما ان قسما من هذه المادة كانت كتبت من قبل سياسيين غربيين وموظفين سياسيين اجانب، وتحديدا سفراء لاقطار غربية في طهران ومن يدور في فلكهم في العاصمة الايرانية .ومن بين هذه الكتابات يمكن الاشارة الى خواطر السفير البريطاني انثوني بارسونز، والسفيرالاميركي وليم سليفان وكذلك الجنرال روبرت هويسر[7] .
سوليفان ـ الذي عاش في طهران بين عامي 1977 و 1979 ، كان شاهدا على انفجار الثورة متابعا لمسلسل احداثها الى نهايتها ، يصف تلك الفترة باسلوب قصصي روائي في كتابه (رسالة الى ايران) Mission toIran مبرزا دور الشخصيات القيادية في الدائرة السياسية وفي مخطط الثورة الايرانية .
يصف محتوى الكتاب الظروف الاقتصادية ، وموقف العسكر وقوى الشرطة والامن الداخلي والبناء الاجتماعي ودور الشيعة في المجتمع الايراني ، ويقدم بعض المعلومات للقارىء في كل حقل من هذه الحقول .
ومع ذلك يعترف بعدم احاطته بايران او الوضع الايراني قبل توليه منصبه كسفير كما انه لم يبذل جهدا في توضيح خلفية المعلومات والامور التي دونها[8] او استقى معلوماته منها .
اعمال اخرى من مثل هذا الطرح الروائي تضمنت ذكريات وكتابات لبعض الشخصيات المسؤولة في حكومة بهلوي .
ومن بين من سنشير اليهم هنا هو محمد رضا بهلوي نفسه، والذي يبحث بعد سقوطه ـ وفي كتاب (جواب للتاريخ)History to Answer سبب ظهور الثورة وعاقبة السقوط وميكانيكية المؤامرة عند الحكومات الغربية .
كانت مذكراته ومحاولته هذه هشتان وتعبران عن بساطة وسذاجة[9] وقد ظهرت مشدودة تماما الى (نظرية المؤامرة) conspiracytheory ومع كل حادثة ذات علاقة بمصدر انساني ، وكان هذه النظرية تمتلك قدرةمطلقة قادرة على ان تفعل كل شيء ترغب فعله متى شاءت وانى شاءت .
وفي قضية الشاه تظهر حقيقة هذه القوة المطلقة متجلية في الغرب والقوى الغربية وتحديدا في الولايات المتحدة وبريطانيا .
ان تفسير الشاه للاحداث كان منشدا تماما لحالة رعب وهلع واضحة كان الرجل يعيشها ، او تجاه هاجس مخيف كان مغروزا او كامنا في ذهنه لمدة طويلة .
شخصيات اخرى ذات علاقة مع الحكم البهلوي تبنت نفس التحليل للثورة . على العموم ، لم يقدم هؤلاء اي دليل لتصديق او معاضدة هذا التحليل ، وبالتالي يمكن قراءة هذا النوع من التحليلات والكتابات كمشاريع دراسات نفسية في فهم الشخصيات التي تعتقد بها، فريدونهويدا ، حسين فردوست ، عباس غارة باقي ، وبرويز راجي ، وكلهم خبراء وعسكريون في عهد بهلوي ، كانوا وضعوا الثورة الاسلامية في مذكراتهم وفق هذا المنحى .
[10] مثال على ذلك ، فريدون هويدا ، شقيق رئيس الوزراء انذاك امير عباس هويدا ، وواحد من اقرب المقربين لنظام الحكم في ايران ، في كتابه (سقوط الشاه) The Fall of the Shah ، وبعد استعراض مسلسل الازمة التي ادت الى هذا السقوط ، يعود الى جذور هذه الازمة .
وحين يصف الثورة ،يروح عميقا في تحليل البنى الدكتاتورية واخطاء الملكية او خطلها اذ يعتبرها عوامل صميمية في انبثاق الثورة ، كما يسلط الضوء على الانهيار المالي ، ورقابة المطبوعات ، والانحطاط الاخلاقي وتضخم مشتريات الاسلحة ،وانحدار الاقتصاد ،ونظام الحزب الواحد وسوء تقدير فاعلية العامل الديني وكلها يعتبرها عوامل رئيسية في الثورة .
[11] في هذا العرض ، تم الفات النظر الى توجه الشاه الزائد عن الحد نحو الدكتاتورية ، دون الاخذ بعين الاعتبار العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والبنى التحتية الاخرى .
عدد من الصحفيين حاولوا تحليل الثورة الا ان هذه الكتابات لم ترق الى قيمة البحث العلمي المطلوب .فبعضهم لم يكونوا في عداد الباحثين الجيدين لفقدانهم الاعتماد على المصادر المعتمدة وضعف مداركهم الخاصة في الميزان العلمي .
الاخرون ، مع ذلك ، ممن كانوا اكثر وثاقة وامانة ورغم اعتبارهم روائيين تاريخيين ، الا انهم قدموا معلومات قيمة للقراء باعتمادهم وثائق وشهادات رسمية وغير رسمية واحيانا من وحي تجاربهم الشخصية .
ضمن هذا النوع من الكتابات التي حاولت تحليل الثورة تحليلا علميا في جوانبها التاريخية، واطارهاالشكلي هو كتاب "قصة الثورة"The story of theRevolution . المادة المعروضة في هذا الكتاب اعتمدت على مصادر علمية لا باس بوثائقيتها .
ويعتبر الكتاب عرضا موجزا للاحداث المهمة التي مرت بها ايران في العقود المتاخرة .يصف الكاتب في البداية الحركات المدنية في عهد القاجار حيث يشير الى فاعلية مساهمة المؤسسة الدينية ،باحثا عن جذور الثورة الاسلامية في تلك الاحداث .
يعزو الكاتب بداية الثورة الى سياسة الحقبة البهلوية عموما حيث الحكم المستبد ، والعداء المستحكم تجاهالمؤسسة الدينية ،والتدخل الاجنبي لاسيما ذاك الذي ضلع به الاميركان بعد انقلاب 19 اغسطس عام 1953 .
وفقا للكاتب ايضا ، وفي السنين الاخيرة من حكم محمد رضا شاه ، حيث تنفيذ السياسات الاقتصادية الطموحة ، وتاكيد القوى الاجنبية على مسائل حقوق الانسان ، وجدت الحكومة نفسها تحت ضغط شديد لا فكاك لها منه .
ان تسلسل الاحداث الذي رسم مسار الثورة ، كانت له الحصة الاكثر تفصيلا من العرض في هذا الكتاب وتحديدا من فترة يناير 1977 الى فبراير 1978 ، كما ان اجواء الثورة وصفحاتها المتعاقبة ونشراتها الخبرية وخطاباتها مثبتة بدقة . وفي فصله التحليلي ينطوي الكتاب على اراء وافكار العديد من السياسيين والباحثين حول الثورة الايرانية .
في نهاية الكتاب زود الكاتب تحليله عن الثورة بقائمة مصطلحات اجتماعية طويلة او قصيرة ضمنها العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية .
وبهذا الفصل يفند الكاتب التنظير السطحي لنظرية المؤامرة سواء ارتكز هذا التنظير على الدور الاميركي في ايجاد حزام اخضر حول السوفييت لمنع الاختراق الشيوعي ، او الدور البريطاني المزعوم في الاعداد للانتقام من اميركا التي حلت محلها في ايران .
[12] بين الكتاب غير الايرانيين ، يمكن ان نشير الى دلب هيروHiro [13]Dlip الذي يراجع المفهوم الاسلامي ونشوء التشيع والعلاقة بين الشيعة وعلمائهم والحكومة وجهة اخرى .
وفي تحليله لاحداث حقبة بهلوي ، يشير الى نوعين من الثقافة(الثقافة التقليدية في اوساط علماء الكلام والطبقة العاملة ، والثقافة المتغربة في اوساط التجديديين والحداثتيين والطبقات المترفة) والتي ترشحت من اصلاحات رضا شاه السريعة الخطى .
ففي زمان رضاشاه ، يوضح الكاتب مسار التحولاتالتي انتهت بتخويل الشاه سلطة مطلقة ، مقترنة بقمع شديد للمعارضة ، مع عمل متواصل لاضعاف القادة الدينيين وعزل الامام الخميني (قدس سره) .
يعزو هيرو نمو المعارضة الى التضخم وفقدان الحرية في المجتمع ، ويوضح ان وجود الضعف في الوسط المعارض المنظم ، وقمع التجمعات والتنظيمات المعارضة هما اللذان فتحا الطريق امام القادة الدينيين وابقاهم في ساحة المواجهة لتزعم حركة الاحتجاج .
جاء هذا في سياق خاص كان الشاه عقد فيه اتفاقا مع واشنطن حيث انفتح المجتمع بعض الشيء على افق جديد تنفست فيه المعارضة هواء جديدا في اجواء حركة دستورية جديدة، وتململت فيمناخ وفضاءات مختلفة .
وكما نرى ، ان هذا النوع من الكتابات لم يرتكز على اطار نظري معين ، ولذلك ، وحين ياتي وصف ظاهرة مهمة مثل الثورة الاسلامية ، فان المعنيين يروحون يجمعون حقائق ومعطيات من اجواء مختلفة تضع العوامل التاريخية البعيدة جدا الى جوار الحوادث المتاخرة ،وكذلك العناصر البنيوية الحاضرة جنبا الى جنب مع العناصر الفردية .
وبدون اي تاسيس لاي ترابط منطقي مع هذه الظواهر والمستويات المتباينة اننا نجد انفسنا هنا في تناقض حاد مع المدخل الذي يعتمد على البناء النظري ويمكن ان يقودنا الى الايضاح السببي للظاهرة ، اي بلحاظ امكانية المقارنة اولا ، وتعبير الطريق لدى استظهارها في ظروف مشابهة في مجتمعات اخرى ثانيا .
الفصل القادم سيعني بالجهود التي بذلت في هذا السبيل .
محاولات لتوصيف الثورة الاسلامية: خلال السبع عشرة سنة الماضية ، تم طبع كم هائل من الاعمال العلمية الممتعة بالاعتماد على مقاربات نظرية مختلفة لتحليل الثورة الاسلامية .
العديد من الكتاب حاولوا تفسير الثورة على ارضية دعاوى ومزاعم متباينة موزعة على ملاحظات علمية في شرح ظاهرة الثورة .
محاولات عديدة استخدمت الثورة الاسلامية كقضية نظرية لتحريك نظريات ومتبنيات اخرى . وبهذه الطريقة تم استخدام عدد من النماذج والاطروحات في مفاهيم ونظريات قديمة .
بعض المنظرين نظر الى الثورة من زوايا مختلفة فيما حاول اخرون تفسير الحدث بالاعتماد على نماذج افتراضية متباينة وقدم عرضا مركبا ومرتبكا لها . مسلمين بعدم جدارة النظريات الطبقية الاجتماعية الماورائية ، كانت هناك محاولة متواضعة لتوظيف هذه النظريات في توصيف الثورة الاسلامية ، ومع ذلك ولما كان يمكن العثور على اثار وبصمات ذلك في الكتابات المتاخرة ، ولو في اطار عام ورؤى عمومية حيال ظاهرة الثورة ، فان مفاهيم المنظرين ومزاعمهم وتقريراتهم كانت استخدمت في اطار نموذجي جديد ، ومن بين هذه الاعمال تلك التي اشار اليها كولدستون ضمن ما سماه الجيل الاول firstgeneration من نظريات الثورة[14] .
يبدو ان العرض الروائي لـ كرين برنتون مثلا المنتزع من نموذج التاريخ الطبيعي[15] يتطابق عموما مع الخطوات المختلفة لدورة حياة الثورة الاسلامية .
بطرح المثقفين جانبا ، يبدو ان ازمات الحكومة العصية على الحل هي التي هيات اجواء الثورة. كما ان تعاطي النظام غير المسؤل مع هذه الازمات ، لاسيما اقحام بعض الاصلاحات الضرورية بصورة غير مناسبة وباسلوب سيء ، فضلا عن افتقاده للقوة المؤثرة او الاشخاص المؤثرين ، كل ذلك مهد الطريق امام الانفجار الكبير .
هذا النموذج تمت الاشارة اليه في بعض الاعمال المعنية بشان الثورة الاسلامية[16] ، الا ان ايضاح التاريخ الطبيعي لم يكن بامكانه تفسير تلك الازمات الحكومية وكيف ساهمت سياسات الشاه في ايجاد حكومة لم تكن تبالي او تهتم بالعوامل الاستفزازية التي تهب رياحها من الخارج ، كما انها لم تكن حساسة تجاه الاثار المدهشة التي تترشح عن مسارات الاحداث التاريخية العالمية على الحكومات القومية ، وكيف فعلت التحولات الاخيرة في البنى الاجتماعية والاقتصادية (كما في قضية ايران) فعلها غير العادي في تغيير الوضع الطبقي في المجتمع .
نموذج برنتون لم يكشف الترابط الوثيق للجماعات المعارضة وكيف تسعى لتحقيق اهدافها المحددة .
بكلمة اخرى انها لم تستطع تصور او تصوير التشكل الخفي للعوامل المؤججة للثورة ، ورغم ان الثورة الايرانية مرت بنفس المراحل التي تمر بها الثورات الاخرى ،الا ان الاطار الذي وضع فيه برنتون اطروحته لم يف بوصف الظروف والاجواء الثورية التي قادت الى انبثاق الثورة في ايران .
[17] من بين النظريات المهمة في دراسة الثورات والتي جاءت تحت عنوان الموجة الثالثة او الجيل الثاني والثالث يجب ان تؤخذ بعض النظريات الاقتصادية ـ الاجتماعية ، اوالاجتماعية ـ النفسية ،او الاجتماعية ـ السياسية ـ النفسية بنظر الاعتبار ، اضافة الى ذلك يجب ان تؤخذ اهمية الاسلام والتشيع في عموم مسار الثورة بنظر الاعتبار ايضا وجنبا الى جنب مع ايضاحاتها الثقافية والفكرية .
بلحاظ محددات الثورة ، يقرر جمع من الكتاب بان ابعادا معينة لا ينبغي ان تستدرجنا او تصرف انتباهنا عن الابعاد الاخرى ، ولذلك فانهم اختاروا منهج تعدد الاسباب في دراستهم للثورة .
وتاسيسا على العوامل الفكرية ، والاجتماعية ـ الاقتصادية،والاجتماعية ـ النفسية ، والسياسية ، ومنهج تعدد الاسباب ، يمكن القول ان هناك خمس ايضاحات او تفسيرات ينبغي ان توضع في الحسبان عند محاولة قراءة الثورة الاسلامية بعمق .
التاكيد على اهمية الثقافة: من هذه الزاوية ، لا ينبغي البحث عن اسباب الاسلامية هي استمرار او امتداد لهذا النضال .
وهذا يستتبع بطبيعة الحال القول بان سقوط الملكية يجب ان لا يبحث بمعزل عن تجاهل هذا الدور للقيم والمبادىء الدينية ، وذلك في سياقات اهلية هذه المؤسسة على تعبئة الامة اعتمادا على المشاعر الاسلامية .
[18] الاستاذ حامد الگار في كتابه (جذور الثورة الايرانية) ، يعرض "التشيع وقيادة الامام الخميني" كمبدا استنهاضي فاعل ، كما ان عرضه للاسلام كايديولوجية كلها يعتبرها جذورا وامتدادات للثورة ، ولكنه لا يضع هذه العوامل كاطار علمي ونظري وحيدا لها.
[19] عساف حسين في كتاب (ايران الاسلامية ـ ثورة ومواجهة) يؤكد بان فهم وتقييم الثورة الاسلامية من خلال القراءة العلمانية الغربية يعتبر مستحيلا[20] ، ومن هنا فان دراسة الثورة يجب ان ياخذ العنصر الايديولوجي بنظر الاعتبار ، وكذلك دور المعارضة الاسلامية، والشرعية ، والتربية ، ولاسيما القيادة[21] .
ان تحليله هذا بالتاكيد اجدر بفهم الثورة من ترسيم اسبابها الاخرى .
بالاضافة الى ذلك يشاطر الكتاب المذكورين الذين لهم نظرة ايجابية عن الثورة الاسلامية بعض المحللين والنقاد الاخرين الذين اولوا اهمية خاصة للبعد الثقافي .
سعيد امير ارجمند في كتابه: (العمامة امام التاج: الثورة الاسلامية في ايران) يرى انه من اجل ان نفهم الثورة الايرانية ، علينا ان ناخذ بعين الاعتبار عاملين رئيسيين ضروريين: الاول هو البناء الديني المحلي للمرجعية الشيعية ، والاخر هو التحديث الحكومي للمجتمع الايراني .
انه يلتفت التفاتة عابرة الى العوامل الاجتماعية ـ الاقتصادية ويولي اهتماما اكبر لدور القيم الاخلاقية في الثورة ، موضحا الخصائص الحاسمة في الثورة كقيم شرقية ، او شرقية المنشا . ويؤكد الكاتب على اهمية الايديولوجيا للثورة كخصيصة فاعلة لتعريف وتحديد هويتها .
في هذا الكتاب تظهر الثورة كنتيجة لتلاشي بريق الشاه ونضوب الزيت في قنديل شرعيته اكثر من كونها نتيجة لتمزق او تفكك المؤسسة العسكرية .
[22] على اية حال ، يبدو ان الرؤية الثقافية فقط لا تستطيع ان تنهض لوحدها في تفسير الثورة لانها تترك او تتجاهل العديد من الابعاد والمسائل الاخرى ، مثال ذلك ، لماذا لمتفلح حركة 15 خرداد 1953 ، التي انطوت على نفس الروح الثقافية كحركة ثورية استمرت الى سنة 1977 ـ 1978 في تحقيق الانتصار ، فيما استطاعت الثورة الاسلامية انجاز ذلك؟ وهذا يعني بان العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية يجب ان تؤخذ بنظر الاعتبار عند قراءة هذه الثورة ايضا ، في راي (فوران) : الاشكالية في هذه الرؤية ، انها لا تركز على دور القوى الاجتماعية الاخرى ،كما هو تاكيدها او تركيزها على الدور الثقافي وعاملي التشيع والمؤسسة الدينية .
[23] التركيز على اهمية العوامل الاقتصادية والاجتماعية: الكتابات التي تؤكد اهمية الابعاد الاجتماعية ـ الاقتصادية في انبثاق الثورة الاسلامية هي باختزال ،انعكاسات المدخل الفكري او الثقافي او اختصاره .
ففي هذه التحليلات، يظهرالتاكيد على البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية اكثر من غيرها ، فيما تعتبرالعوامل الثقافية والسوسيولوجية مجرد مزاعم .
وبهذا فانها لا تصلح لهذا النموذج من القراءة اي النموذج الوصفي او التصويري .
واحد من الاعمال التي تشرح الثورة الايرانية وتعتقد بفاعلية العوامل الاقتصادية هو كتاب (الاصول الاقتصاديةفي الثورة الايرانية) بقلم: روبرت لوني Looneyالذي يقوم بتحليل ستراتيجيةالتنمية ويستنتج من خلاله بان تنفيذ هذا المخطط وبلحاظ الحاجة للاصلاحات الجذرية ، لا يمكن ان ينجح .
اي ان الحكومة لم تكن قادرة على التمييز بين مدار عدم القناعة الناشىء عن فقدان العدالة ، وبين سوء التقديرات الاجتماعية الموروثة في البرامج الاقتصادية المرتكزة على نماذج التنمية .
في برامج التنمية الاقتصادية ، يجري التغاضي على العلاقة بين الاهداف التنموية والمشاكل الناتجة عن المسار السياسي والتي لها الدور الرئيس في تحديد وضع البلد الامني واستقراره السياسي .
وهنا يعتبر التضخم مسالة لا قيمة لها ومشكلة سهلة الحل ، ولكن الصدمةفاجات الجميع عندما وصلت الامور الى درجة لم يعد بالامكان تجاوزها ، بحيث اصبحت لها علاقة مباشرةواكيدة مع الاستقرار السياسي ، وبدل ان تنتهج الحكومة سياسة صارمة وتبذل جهدا استثنائيا للحد من ذلك ، راحت متجاهلة هذه المسالة بل لم تكن تعتبرها ذات صلة باثارة الازمة .
عند هذه النقطة ، تولدت العلاقة بين التحول الاقتصادي وتقلص الدعم الحكومي ، لتكشف عن نفسها ، الامر الذي جعل من سوء توزيعالدخل القومي الشرارة او الوقود الذي اشعل غضب الناس وادى الى نفاد صبرهم وقناعتهم .
الترقيع البسيط في التعاطي مع هذه المشكلة لم يعد كاف لاحتواء عواصف الثورة التي بدات تهب وتسير الى نهايتها .
من هذا المدخل يمكن اكتشافاللامبالاة الحكومية ،وعدم ظهور اي اثر لتقدير دور البنية الاجتماعية ، او دور الايديولوجية او القيادة .
بعض الحكومات التي تواجه مثل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة ، تبادر لتطويق الغليان او الصخب قبل تحوله الى ثورة عارمة لا يمكن تطويقها .
هناك دور مهم لطبيعة التاثير البنيوي في النظامين السياسي والاجتماعي واعتمادا على شرعية الايدولوجية او شرعنتها ، الا ان المدخل الاقتصادي في هذا الشان لم يعر هذه المسالة اهتماما مطلوبا .
[24] يقدم همايون كاتوزيان في كتاب (الاقتصاد السياسي في ايران) The Political Economy of Iran وصفا كاملا للثورة الاسلامية بتحليلظروف ايران من القرن التاسع عشر حتى تاسيس الجمهورية الاسلامية .
انه يعرف السنوات المحصورة بين 1961 الى 1978 بانها سنوات (دكتاتوريةالنفط) في هذه الفترة ، شكلت بعض عناصر الحداثة التي حشرت في المجتمع وجنبا الى جنب مع اموال النفط ، اطارا لما يسمى (التحديث الكاذب) او (العصرنة الكاذبة) ، اذ لم يكن هناك رفض للقيم المستوردة ولا رؤية نقدية للمفاهيم الاجنبية الدخيلة ،وكان الشعب الايراني شعب معوق لا حول له ولا قوة ولا ارادة .
يعرض الكاتب الترابط بين دكتاتورية النفط ومظاهر التحديث الكاذب وكانه او كانها الاسباب الاعمق للثورة الايرانية ، ويروح معتقدا ، لنفس السبب ، ان الحركة الثورية لها طبيعة مضادة للدكتاتورية وكانها كانت هي الاخرى بالضد من التحديث الكاذب هذا.
يلاحظ كاتوزيان ايضا بان الحكومة والبنية الاجتماعية لايران يختلفان بالكامل عن تلك التي في الغرب ،اذ اننا لانستطيع القول بان هناك حكومة مطلقة في ايران ، ولكن يمكن القول بوجود دولة مطلقة فيها ، وان الحكومة في ايران كانت حكومة مركزية ، او اتوقراطية وغير مقيدة باي قانون او عرف .
اضافة الى ذلك ، ولعدم وجود الخلفية الاقطاعية وهيمنة الحكومة المطلقة على الاقتصاد الذي كان مدعوما بواردات النفط ، فان ايران ، ونقولها بشدة ، كانت بدون اي تمايز اجتماعيا و طبقي . وان الحكومة ، لم تكن تعتمد على المجتمع لانها كانت تعتمد اساسا على اموال النفط .
[25] رغم تحليلات كاتوزيان المقنعة ظاهريا ، الا ان افتقاده القدرة على تشخيص القوى الاجتماعية والبؤر التي تحت سيطرتها ، منعته من معرفة سبب انبثاق الثورة في فترة محددة بعينها .
كانت هناك اقطار كثيرة اخرى تعيش نفس اوضاع ايران ، في اعتمادها على واردات النفط ، مع هيمنة دكتاتورية واضحة للحكومة ، كما في العربية السعودية ونيجيريا ،الا ان ذلك لم يؤد الى الثورة .
اكثر من ذلك ـ وكما يثبت فارهي ، ان كاتوزيان ،في تاكيده على دور الحكومة المطلقة ـ لم يستطع الاجابة على السؤال القائل: لماذا ، اذن لم تتمكن الحكومة من قمع المعارضة؟ وهذا يعني بالضمن تحديد لهيمنتها .
بعبارة اخرى ان استخدام كاتوزيان لـ (مفهوم) الدكتاتورية اعجز تحليله عن ادراك دور الضغوط الداخلية والخارجية ووضعه في عنق الزجاجة .
* باختصار - مركز الدراسات الثقافية الدولية