ولمعرفة حجم هذه الحملة فقد أدخلت عبارة (السلاح الكيميائي السوري) في محرك البحث غوغل فعثر على 636.000 مادة تتعلق بالموضوع!
من الطبيعي أن يطقطق الأتراك إعلامياً بهذه المسبحة، لأنه لابد لهم من أن يطقطقوا بشيء ما، لكنه من غير المفهوم أن يجاريهم في ذلك أصدقاء سورية من الروس والإيرانيين وغيرهم، غير أن أعجب العجب هو أن تشارك بعض وسائل الإعلام السورية في الطقطقة أيضاً!
تعلمون أن الغرب له تاريخه الحالك في استخدام أسوأ الأسلحة، فخلال أربعينيات القرن الماضي أطلق الأميركان مشروع مانهاتن لإنتاج أول قنبلة ذرية في التاريخ، وكرس المشروع خيرة عقولهم العلمية والهندسية، حيث بلغت كلفته نحو بليوني دولار أي ما يعادل 20 بليون دولار حالياً. وقد جربت أميركا قنبلتها تلك في موقع ترنتي، قرب الأموجوردو، في نيومكسيكو. فتبين أن الانفجار يعادل نحو 20 ألف طن من مادة الـ«تي إن تي». ومع أن اليابان كانت «تسعى لإيجاد طريقة للاستسلام» على حد قول الجنرال آيزنهاور القائد الأعلى للحلفاء الذي أصبح فيما بعد رئيساً للولايات المتحدة، فقد قامت أميركا بإلقاء قنبلتين على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين، غير عابئة بتوقيعها على ميثاق جنيف الذي يحرم القتل المتعمد للمدنيين في أثناء الحرب. وقد أكد الأدميرال ليهي ما ذهب إليه آيزنهاور من استعداد اليابانيين للاستسلام وأبدى مرارته لاستخدام القنبلة الذرية إذ قال: «كوننا أول من استخدم هذا السلاح فقد تبنينا معياراً أخلاقياً يصلح لعصور الظلام». كما اعترف ضابط الاستخبارات الجنرال بريجادير كارتر كلارك بذلك إذ قال: «...كنا نعلم أننا لسنا بحاجة لعمل ذلك، وكانوا يعلمون أننا لسنا بحاجة لعمل ذلك، استعملناهم كتجربة لقنبلتين ذريتين».
رغم كل ما سبق تتوالى التحذيرات والإنذارات لسورية ممن يجاهرون بامتلاكهم أسلحة الدمار الشامل، مع أن سورية تنفي إمكانية استخدام أسلحة كهذه في حال وجودها.
لفت انتباهي أن الأغلبية الساحقة من المحذرين والمنذرين قد استقوا معلوماتهم من مصادر استخباراتية، وأنتم تعلمون أن السياسي عندما يريد أن يروج معلومة ليس لديه أي دليل عليها ينسبها للمصادر الاستخباراتية ومن أكبر الأكاذيب الاستخباراتية التي لفقتها أميركا خلال الأعوام الماضية قصة أسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة التي عرض كولن باول صوراً ملفقة لها داخل مجلس الأمن، فحكم بذلك على مستقبله السياسي بالإعدام.
من بين سيل التصريحات الكيميائية استوقفني تصريحان؛ الأول للسيد باراك حسين أوباما رئيس أميركا التي تملك من أسلحة الدمار الشامل ما يكفي لتدمير الكرة الأرضية بكاملها أكثر من ست مرات يقول أوباما: «لا يمكننا أن نسمح بأن يغرق القرن الحادي والعشرون في السواد بسبب أسوأ أسلحة القرن العشرين، على النظام السوري أن يعرف أن العالم يراقب وستتم محاسبته من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي إذا استخدم الأسلحة الكيماوية أو أخفق في تنفيذ التزاماته بتحصينها». معنى الجملة الأخيرة من هذا التصريح أن السيد أوباما يحمِّل الحكومة السورية مسبقاً مسؤولية أسلحتها الكيميائية حتى إذا ما قام الإرهابيون بالاستيلاء على تلك الأسلحة واستخدموها!
أما التصريح الثاني فهو لأندرس فوغ راسموسن أمين حلف شال الأطلسي، يقول: «إن استخدام سورية المحتمل للسلاح الكيميائي يعد أمراً غير مقبول إطلاقاً للأسرة الدولية. وسيلي رد حاسم على ذلك فوراً». فوراً! أي من دون موافقة الأمم المتحدة!
وقد فسر السيد هولاند رئيس فرنسا منام راسموسن إذ قال: «استخدام سورية السلاح الكيماوي سيكون سبباً مشروعاً للتدخل العسكري»! أي من دون موافقة الأمم المتحدة.
قبل لحظات من كتابة هذه الكلمات قرأت أن صحيفة (يورت) التركية نشرت خبراً لمراسلها عمر أودميش جاء فيه: «إن تنظيم القاعدة الإرهابي المدعوم من حكومة حزب العدالة والتنمية يملك مخبراً كيميائياً قرب مدينة غازي عنتاب ويقوم بتصنيع الغاز الكيميائي فيه» وقد أشار المراسل إلى «وجود مقاطع فيديو على مواقع الإنترنت تظهر طريقة تصنيع الغاز السام بمواد كيميائية أمَّنها تنظيم القاعدة من شركة تركية وجرى اختبارها على الأرانب».
في ضوء ما سبق يبدو لي أن سيناريو الغرق في السواد بات واضحاً كعين الشمس!
حسن م. يوسف- الوطن